جمعة عتيقة لـ «الشرق الأوسط»: لم نقر قانون العزل السياسي تحت الضغط أو تهديد السلاح

نائب رئيس المؤتمر الوطني في ليبيا ينفي التجسس على الهواتف

TT

دافع جمعة عتيقة نائب رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) في ليبيا عن الطريقة التي صوت بها المؤتمر مؤخرا لصالح قانون العزل السياسي الذي يقصي أنصار نظام العقيد الراحل معمر القذافي، ونفى أن يكون المؤتمر قد أقر هذا القانون المثير للجدل تحت تهديد السلاح أو الإكراه.

وقال عتيقة في حوار مطول خص به «الشرق الأوسط» عبر الهاتف من العاصمة الليبية طرابلس، إن ليبيا تعيش مرحلة غير طبيعية أشبه ما تكون بالسير في الرمال المتحركة، مشيرا إلى أن المؤتمر والحكومة الانتقالية أجمعا على رفض استخدام القوة مع المسلحين الذين حاصروا مقرات بعض الوزارات مؤخرا في طرابلس.

ونفى اعتزام الدكتور محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني الاستقالة من منصبه استباقا لأي حرج بسبب قرارات متوقعة من اللجنة التي سيعهد إليها بتنفيذ القانون الشهر المقبل.

واعترف عتيقة بأن المؤتمر الذي يمثل أعلى هيئة دستورية حاليا في البلاد قد غض النظر عن تورط بعض أعضائه في عمليات اقتحام مقره الرئيسي التي تكررت منذ تكوين المؤتمر عقب الانتخابات التي جرت في شهر يوليو (تموز) الماضي.

كما نفى وجود أي سياسة رسمية للتنصت على هواتف بعض كبار المسؤولين في الدولة أو أعضاء المؤتمر، معتبرا أن الأمر ينحصر في بعض الممارسات الشخصية التي تدخل ضمن تصفية الحسابات والصراع السياسي.

وأكد عتيقة تمسك المؤتمر الوطني بحقه في تغيير المناصب السيادية في الحكومة بمن فيهم اللواء يوسف المنقوش رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الليبي، مشددا على أن الحوار الوطني الجاد هو السبيل الوحيد لمعالجة أزمات البلاد.. وفيما يلي نص الحوار:

* هل بيانك بمثابة إبراء لذمة المؤتمر الوطني على ما آلت إليه الأمور الآن؟

- لا.. على الإطلاق، هو ليس نوعا من إبراء الذمة، لكن ما أوضحناه هو في الحقيقة موقف المؤتمر الوطني من القانون وما أثير حوله من جدل وإشكاليات، نبهنا إلى أن هذا القانون لا بد أن يراعي بعض الناس التي تتصرف بعض التصرفات الخارجية ويعبرون ويحتجون بطريقة غير قانونية لأنه ربما لا يؤثر في هذا القانون أو يساعد من يريد الطعن على هذا القانون، ولكن قلنا أيضا إن المؤتمر قرر، وربما هناك الكثير من الجدل حول الموضوع والضوابط والمعايير وغيرها، لكننا تعاملنا مع الموضوع بأننا لا نريد لبعض المطالب أن تتحول لطريق آخر إلى احتقانات قد تؤدي إلى نوع من الصدام أو تأجيج الوضع بين بعض الأطراف. نحن نريد طريقا خاليا من العواصف والألغام ومعوقات الطريق وأشواكه لكي نستطيع أن نمضي للأمام. نحن في مرحلة ليست طبيعية أو عادية بالأحرى، هي مرحلة انتقالية وهي أشبه بالسير في الرمال المتحركة فعلينا أن نتعامل مع الواقع ونعالج إشكالياته، وأن لا ندع أي فرصة لمن يريد استغلال بعض المطالب والاحتياجات لتحويلها إلى شيء آخر قد يهد استقرار الوطن وأمنه. هذا هو الغرض.

* أنت قلت إن المؤتمر لم يجبر على تمرير القانون لكن المسلحين كانوا على الأرض وحاصروا مقار الوزارات، فكيف تفسر هذا التناقض؟

- هو للحقيقة والأمانة، وأنا مسؤول عن كلامي، أن المؤتمر كان يسير خطوات منذ فترة، وحصلت بعض المماحكات بين الكتل السياسية وربما حتى أثرت على القانون ومحتواه ولكن كان هناك عزم وقرار سابق من المؤتمر على إصدار القانون والعزل، لكن للأسف كان هناك بعض الشباب نتيجة للحماس وأحيانا لافتقاد الظروف الموضوعية وربما هناك أطراف كانت تدفع الأمر باتجاه مصالحها الخاصة، أوصلت الأمر إلى ما يشبه الاحتقان، لكن لم يكن الأمر جبرا علينا، بدليل أنه في الشهر الماضي حصل اقتحام في الكريمية لقاعة المؤتمر، وتم إدخال السلاح واستعمال العنف، ولكن المؤتمر رفض ولم يوقع على قانون العزل، وكان يراد له أن يوقع تحت الإكراه، فنحن واجهنا، وفي هذه المرحلة لا بد أن نكون واقعيين في كثير من الأمور ولكن ليس على حساب الثوابت الأصلية التي ننشدها في بناء الدولة في المستقبل.

* لكن يبدو أن هذا التوازن دفعكم للتغاضي عمن أحطوا من كرامة المؤتمر واعتدوا على مقره وأعضائه؟

- نعم سيدي، ثق تماما وأنا أقولها من واقع المسؤولية، أننا مهما بلغت الأمور ومهما حدث من توترات في مواجهتنا فسنتحلى بالصبر وبالحكمة ولن نتسبب أو نأمر بإسالة قطرة دم واحدة. نحن لسنا في ظرف طبيعي، نحن في ظرف بناء الدولة. القذافي ترك لنا تركة من حطام وركام نتعامل معها، لكن ما يهمنا هو كرامة الليبيين وهو أمر غال جدا على استعداد لأن نتحمل، وتحملنا على مضض وما زلنا على استعداد لكي لا يقع لأي مهزلة تؤدي لا سمح الله إلى عنف ضد أهلنا أو إسالة دمائهم، هذا ما نحن حريصون عليه ما استطعنا ومقدر لنا أن نبقى في تلك المواقع المؤقتة.

* ومع ذلك فالعزل السياسي أهدر حق بعض من ساهموا في نجاح الثورة الشعبية ضد القذافي؟

- لقد عرجت في بياني على هذه المسألة عن قصد، ورأيت أن من أعطى بلاده ومن بذل في سبيل ليبيا، يجب أن لا يقف عند بعض الحواجز حتى مع وقوع غبن في حقه، لكن هذا لا ينال من إسهاماته ومستقبله تاريخيا، وإذا وهو إن ضحى، فهذه التضحية كما ذكرت في البيان لن تؤخذ منه بل ستحسب له، ولكنه مراعاة لعدة أشياء متشابكة أبى إلا أن يفضل مصلحة البلاد حتى مع انتقاص حقوقه، وهذا من وجهة نظري مع احترامي لكل وجهات النظر المختلفة، امتداد لتضحيات سابقة.

* هل هذا بمثابة توديع مبكر منكم للمقريف رئيس المؤتمر الوطني؟

- ليس توديعا مبكرا، أنا تحدثت عن الحالة، وهذه تقررها الهيئة العليا التي ستنشئ الآن بموجب القانون الجديد، لكني أقول كلمة حق في حق السيد رئيس المؤتمر فهذا الرجل أفنى عمره، أستطيع أن أقول أكثر من 30 سنة من عمره وهو يحاول ويساهم في تقريب يوم الخلاص، ولا أحد يستطيع أن يزايد عليه وحتى وإن شمله القانون، فثق أن ذلك لن ينقص من قدره وتضحياته، هذه أحب أن أؤكد عليها ولن يضيف له أي شيء الاحتفاظ بالمنصب مقابل هذه التضحية وهذا البذل وهذا الإنكار للذات في مواجهة مشكلات وتعقيدات تمر بها بلادنا ليبيا، ثم إن مجال العمل العام في بلدنا لا ينحصر في هذه المناصب التي منع منها أمثال الدكتور أو نص عليها القانون، مجال العمل مفتوح ومن يريد ولديه القدرة والنية الحقيقية يستطيع أن يعطي بلده ويسهم بقدراته وإمكاناته في تقدمه في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة.

* هل هذا يعني أنه قد يستقيل من منصبه طواعية استباقا لأي حرج مقبل كما فعل في الاعتذار عن ترؤس الجلسة الأخيرة للمؤتمر؟

- لا.. ليس هناك رابط بين المسألتين، هو اعتذر عن الجلسة لنوع من الحرج رآه أمام زملائه، ولم يقصد به أن يستقيل، بالعكس أمثال الدكتور المقريف نحن نحتاجهم في مثل هذه الفترة والقانون لن يطبق قبل نحو شهر، وسيأخذ أيضا وقتا حتى يتم تشكيل اللجنة ويبدأ التطبيق العملي له، فنحن نحتاجه ويحتاجه الشباب والزملاء لضرب مثل على التضحية في سيبل الوطن، وأن يتعلموا أن المناصب زائلة وأنها ليست هي ما يعطي للإنسان قيمته، ولكن ما يعطيه قيمته هو صدقه وأمانته، وثقافتنا وربما للأسف الثقافة العربية عموما حصرت الأدوار في المناصب السياسية ولكنها أغفلت أن للإنسان مجالات أخرى للعطاء. وفي الدول الأخرى وعلى سبيل المثال يستطيع الشخص الحائز على جائرة نوبل للسلام أن يهز حكومات لمجرد اتخاذ موقف ضدها. فهو يشكل مؤسسة كبيرة، لكن نحن نتيجة لقصور ثقافتنا، صار الصراع على المناصب السياسية الزائلة وأصبحت الوجاهة أحيانا ترتبط بالمنصب وهذه ثقافة لا بد أن تتغير ونمضي للأمام.

* هل فوجئت باعتذاره عن رئاسة الجلسة؟

- في الحقيقة لقد قدرت وجهة نظره، ولم أذهب بعيدا وتلوت الرسالة على زملائي، وطبعا بحسب النظام الداخلي في هذه الحالة، فالنائب الأول هو من يتولى مهام الرئيس في حال غيابه، وهذا الموقف منه ليس تهربا من المسؤولية، ولكن ربما حالة نفسية عاطفية، لا يريد لزملائه أن يحرجوا أمامه، هذا اجتهاد قد أتفق معه فيه لكن احترمت رغبته.

* يبدو أن هناك اتجاها للإطاحة باللواء يوسف المنقوش من منصبه كرئيس لهيئة الأركان؟

- لجنة الدفاع في المؤتمر لا تملك الدبابات حتى تطيح بأحد أو ترفع أحدا، هي ليست إطاحة، نحن لدينا اختصاص في الإعلان الدستوري يشمل المناصب السيادية كافة، والإعلان منحنا حق التعيين، وهذه اللجنة رأيها استشاري واجتهادي غير ملزم للمؤتمر. الكلمة الأخيرة والأصيلة هي للمؤتمر ومن خلال العملية الديمقراطية، وإن رأت لجنة الدفاع ذلك، فهذا ليس معناه الإطاحة بفلان أو غيره، نحن نبحث عن الكفاءة ومن يقصر على سبيل المثال نحاول أن نجد له بديلا أفضل، ولكن أحيانا بسبب بعض التوترات يتداخل فيها الموضوعي مع الشخصي ويحدث لغط، ولكن هذا لا يعبر عن سياسة عامة من المؤتمر الوطني سواء تجاه رئيس الأركان أو غيره من المناصب السيادية.

* ومع ذلك يبدو أن الاتجاه هو لتغيير المنقوش؟

- هذا يحدده المؤتمر الوطني، هذه الأمور تعرض على المؤتمر وقد تقترح لجنة الدفاع أن ترشح أشخاصا ثم بعد ذلك هناك المعايير التي حددها المؤتمر من حيث الكفاءة والقدرة والشروط المعينة، وإذا انطبقت على أحد أو كان لديه بعض التقصير فمن المصلحة العامة أن تتغير المناصب السيادية التي يتوافر فيها مثل هذا الظرف، ولكن لسنا الآن في معركة مفتوحة ضد رئيس الأركان وحده أو بعض المناصب السيادية الأخرى وحدها، وهذا هو الإطار العام حقيقة، لكن الإعلام في ليبيا اليوم إعلام منفلت وغير منضبط وبعض المحطات تمويلها غير معروف وليس هناك ضوابط وليس هناك ميثاق شرف.. اختلط الحابل بالنابل وصار الكثير من البلبلة يؤثر على الرأي العام.

* وحتى وزير الإعلام لم يسمع له صوت؟

- هو راجل فاضل وفي الحقيقة هو صديق شخصي أعرفه، إنه رجل وطني وشفاف ولكن لعل عوامل كثيرة، أولها السن والقدرة والجهد ربما أعاقته قليلا عن أداء دوره، وهو الآن في مرحلة بناء الوزارة من البداية، من لا شيء، من العدم. ونتمنى له التوفيق وأنا شخصيا أعلم نواياه ومراميه وما يريده لهذا الوطن منذ عقود وموقفه من الظلم والاستبداد الذي كان سائدا في ليبيا.

* يبدو أنه ليس هناك حالة رضا عامة عن حكومة الدكتور علي زيدان الانتقالية؟

- رضا الناس غاية لا تدرك، هذا الأمر اختلطت فيه الكثير من العوامل، وربما تأثر هذا الأمر بظروف المرحلة بما فيها من المطالب العالية، والمطالب كثيرة بعضها مناطقي وبعضها الآخر من أجل المحاصصة، واختلط فيها الضجيج قليلا، لكن الواقع أن أداء الحكومة من المبكر الحكم عليه، ميزانيتها فقط التي تمكنها من الحركة تم تسييرها أخيرا، لكن هناك بعض المآخذ على بعض المناصب والسفراء والتعيينات. البعض يرى أنهم محسوبون على النظام السابق والبعض الآخر يرى أن هؤلاء لا يستحقون الانضمام للحكومة والوجود فيها. هذا نوع من اللغط أثير حول الحكومة لكن من الغبن الآن أن نقيمها في أداء سياسي وتنفيذي، ما زال الوقت مبكرا لكي نقول هذا.

* ما مدى صحة ما يقال عن تدخل قطر وسيطرتها على الحكومة؟

- لا أستطيع أن أقول إن هذا صحيح. لأن قطر ساعدتنا وكان لها موقف إيجابي معنا، ولكن ربما لم تفهم قطر الواقع الليبي جيدا، والليبيون حساسون جدا تجاه الشؤون الداخلية ولا يستطيع أحد أن ينكر أن دور قطر كان معنا وما زال، وأنها دولة شقيقة ونتمنى أن يكون التعامل مع قطر في إطار الاحترام المتبادل واحترام خصوصيتنا وعدم التدخل في شؤوننا، لأننا نحن الليبيين نستطيع أن نتفاهم، والمشترك لدينا أكثر من المختلف فيه، وأي شبهة للتدخل قد تثير حساسيات وقد تثير أسئلة ربما بعضها يمكن أن يبالغ فيه.

* هذه إجابة دبلوماسية لكن هذا لا يمنع من الاندهاش من وجود أصابع لقطر في ليبيا؟

- أنا على المستوى الشخصي أو على الأقل في الموقع الذي أشغله في المؤتمر الوطني لا أستطيع أن أجزم بأن لها أصابع ما، ليبيا محتاجة لكل أشقائها، محتاجة إلى قطر وإلى مصر وإلى دول العالم والدول الصديقة لأننا نمر بمرحلة صعبة. ووجود قطر في الإطار الذي تحدثنا عنه أو أي دولة أخرى تمد المساعدة دون تحديد سياستنا والتدخل في خيارات الشعب الليبي وتوجيهه، فهو مرحب به.

* المؤتمر الذي بدأ بمائتي عضو فقد الكثير من أعضائه؟ وربما لن تجدوا أعضاء كافيين للتصويت لاحقا؟

- يجب أن تعلم أن كل من يبعد لأسباب رأتها هيئة تطبيق معايير النزاهة والوطنية السابقة ويمارس حقه في الطعن، وإن قبل طعنه ورفض قرار الهيئة فهو يعود إلى مقعده، وإن لم يحصل بعد استنفاد طرق الطعن فيأتي من يأتي بعده مباشرة في عدد الأصوات، ليس لدينا فراغ. لدينا نحو 20 صوتا في انتظار قرارات الطعن أمام المحكمة الدستورية العليا، ولن يكون هناك فراغ.

* لكن أليس الشعب هو من انتخب هؤلاء ويعلم تاريخهم ومدى ارتباطهم من عدمه بالنظام السابق؟

- أنت تعرف أن الانتخابات ليست بالضرورة تأتي بالأفضل أو الأحسن، ولكنها أفضل طريقة لاختيار الممثلين. قد يحدث أن يأتي شخص قد لا تتوافر فيه الشروط المعينة للقيام بهذه المهمة الحساسة فيتم إبعاده، لكن هذا لا يعني أن المؤتمر سيتوقف على ناس معينين، لأن اختيار الناس حقق هدفه الأساسي وهو لأنه لأول مرة في تاريخ ليبيا منذ ستين عاما جرت انتخابات للناس واختاروا، واختيار الناخبين لا يحصن الإنسان إذا ثبت أنه مارس أفعالا معينة أو فعل أشياء تضر بالشعب الليبي، لكن الانتخابات حققت البدايات أو الخطوة الأولى لبناء الدولة في ليبيا.

* يبدو أن قنبلة كتابة الدستور الجديد مشكلة أخرى ستواجهكم قريبا؟

- هذه طبيعة الحال، في كل الشعوب التي مرت بما نمر به، ولكن كلما حاولنا إشراك الناس في هذا الرأي وجعلهم شركاء وتقبل وجهات نظرهم وانتقاداتهم كلما كان الدستور ينال التوافق. لأنك تعلم أنه من دون التوافق لن يكون قيمة وإذا فرض فرضا فلن يكون هناك دستور. ولن تكون له هيبة واحترام، ونحن نحاول ونعلم أن المسألة ليست سهلة وبقدر صعوبة المرحلة أو المعركة يكون كبر الإنجاز لأن نحقق دستورا لأول مرة. دستورا عصريا مدنيا يحكم توجه الدولة ونظام الحكم ويصون الحقوق والحريات، ويشكل خريطة طريق تحمي المواطنة والمواطن وتسير بنا إلى لأمام.

* في السابق قامت الدنيا ولم تقعد عندما تحدث رئيس المؤتمر عن دولة علمانية في ليبيا؟

- أعتقد أنه كان هناك خلل في النقل، يبدو أنه قال إنها تكون علمانية وأنت تعلم أن كلمة العلمانية باتت فزاعة والبعض يفهمها على غير وجهها الصحيح ويوظفها توظيفا سياسيا، وهناك فقر في فهم هذا المصطلح السياسي ومدلولاته خاصة عندنا في المنطقة العربية وبالتحديد في ليبيا، لأن ليبيا ليس فيها هذا الصراع الديني أو الطائفي، وهي ليست مشكلة إلا لمن أراد أن يوظفها لأغراضه السياسية. ليبيا قد تكون من البلدان القلائل التي فيها الكثير من التناغم، حتى النسيج الاجتماعي متجانس فليست هناك خلافات. وسرعان ما تم توضيح الحقيقة من قبل السيد رئيس المؤتمر وانتهت هذه الزوبعة.

* لماذا يبدو أن التيار الإسلامي هو الأكثر فاعلية على المشهد السياسي حاليا؟

- إذا كان الأمر في إطار اللعبة السياسية السلمية، فمن حق أي إنسان أن يدعو إلى ما يعتقد والفيصل هو الصندوق والشارع. ليبيا لن يكون لها تيار واحد ولن تفرض عليها توجهات معينة لجهة معينة أو حزب أو فرد وستكون بعون الله على المشاركة الفعلية وعلى المشترك الوطني والديمقراطي.

* هل في نوايا المؤتمر تمديد فترة عمله على اعتبار أنه لم ينجز كل المطلوب منه؟

- نحن سنبذل جهدنا لتحقيق الاستحقاقات المطلوبة منا في إطار المهلة التي حددها الإعلان الدستوري وإذا ما اضطررنا بعد التعديل الذي صدر على الإعلان الدستوري باعتماد موضوع الانتخابات واختيار اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور سنتحمل مسؤوليتنا، إلا إذا توصل المؤتمر إلى صيغة أخرى، تسلم بها اختصاصاته ربما حتى إلى لجنة الستين، بأن تعطى هذه اللجنة بالإضافة إلى اختصاصها في وضع الدستور كلجنة تأسيسية ربما تعطى صلاحيات إدارة البلد في المرحلة الأخيرة للوصول إلى الدستور وانتخابات الرئاسة وما زال الوقت مبكرا وسابقا لأوانه بحيث نقر ذلك.

* لماذا تمتلئ جلسات المؤتمر بكل هذا الكم من الصياح والمواقف الكوميدية والدراماتيكية؟

- الإنسان الذي يطمح للأفضل لا يرضى عما تحقق ودائما يسعى للأحسن، وما يراه البعض من هذه المظاهر، لا شك أنه يرجع إلى قصر التجربة وعدم إلمام الأعضاء ربما بتقاليد وأعراف العمل البرلماني وحتى ما يراه البعض من توترات أو ما عبرت أنت عنه بصياح هو في الحقيقة يخفي وراءه نوايا حسنة ورغبة في العطاء، ربما يعوزها شيء من الثقافة والوعي والطريق أمامهم أو من سيأتي بعدهم طويلا ليتعلموا، وبإذن الله يصلون إلى طريقة للتحسين أوضاعهم وطريقتهم في العطاء لبلادهم.

* لماذا اعترضت النساء في المؤتمر على طريقة تشكيل لجنة الستين؟

- طبعا هناك بعض النقاش حول موضوع الكوتة أو النسبة التي تمنح للمرأة، نحن شكلنا لجنة فنية تعد مشروع قانون انتخاب لجنة الستين، وبعض العضوات اعترضن على النسبة التي اقترحت، وكل هذا الكلام كان مبدئيا فلا يستطيع أحد أن يقرر، نحن نريدها أن تشارك ولا نريدها وهذه وجهة نظري الخاصة أن تخوض الانتخابات فردية لأنه ثبت من الانتخابات الماضية وربما حتى في غير ليبيا مثل مصر، ثبت أن المرأة إذا نزلت الانتخابات بشكل فردي فقد لا يكون لديها حظوظ كبيرة وحتى النساء قد لا يصوتن لها ولذلك رأينا اعتماد موضوع الكوتة للعضوات في لجنة الستين لكي يكون هناك تمثيل معقول للمرأة.

* هدأت حدة التفجيرات الإرهابية التي شهدتها البلاد مؤخرا، فهل تعرفون من يقف خلفها؟

- بغض النظر عمن فعل ذلك، أقول لك أخي العزيز إن الإرهاب لا دين له ولا وطن، وأقوى دولة في العالم حتى في قمة عافيتها الأمنية ليست محصنة ضده وهذه مشكلة عالمية ليست متعلقة ببلد دون الآخر وبعض الحوادث التي تحدث لدينا قد لا ترقى لما نسمعه في دول أخرى، أحيانا الحوادث قد يكون سببها نزاعا أو خلافا شخصيا وبسبب انتشار السلاح يتم استعماله بالطيش والرعونة وهذا يحتاج إلى تعاطف العالم كله. نحن على قناعة أن الإرهاب عمل جبان ومن يقوم به يريد لبلده أن تدخل في أزمات ونسأل الله أن يرد كيدهم.

* هل حققتم فيما أثير عن فضيحة التنصت على هواتف بعض الوزراء وأعضاء المؤتمر؟

- وزارة الاتصالات نفت ذلك وقالت إنها لا تملك أي منظومة تمكنها من التنصت، ولكن هذا لا يعني أن من قال هذا الأمر صادق أو غير صادق، ولكن ليس هناك تنصت على الأقل ممنهج من الدولة أو الحكومة لملاحقة الناس على مواقفها أو رأيها السياسي.

* لكن عفوا وزير الداخلية عاشور شوايل اعترف بهذا مؤخرا؟

- نعم وسأكمل لك، إذا كانت هناك بعض التصرفات الفردية أو بعض التصرفات التي تحاول إيجاد مستمسكات حتى لو كانت مكالمة هاتفية تستخدمها ضد الطرف الآخر، هناك نوع دعني أسميه بالتنافس والصراع وتصفية الحسابات وتحقيق المكاسب، هذه ممارسات ينقصها الأخلاق، والتنصت على الناس محرم شرعا، ربما يجوز في مواقف معينة أو ضد أشخاص لكن ليس منهجا لمتابعة أحد تتعلق بأسباب تتعلق بموقفه السياسي، ربما أسباب أخرى مثل مطاردة المجرمين ومن التحركات ذات الطابع الإجرامي أو الإرهابية ومتابعة مصادر الخطر، وهذا متعارف عليه في العالم كله.

* ثمة اتهامات لبعض أعضاء المؤتمر بالتورط في عمليات اقتحامه، هل أجريتم تحقيقا في الأمر؟

- أقول لك بشكل أمين، نحن تصرفنا في هذه المرحلة بقدر كبير من التسامح وتهدئة الأمور وحتى أحيانا التغاضي عن الأخطاء التي نعمل كثيرا على أن لا تتكرر وأي عثرات لأي عضو كثيرا ما نتجاوز عنها ونقابلها بالصفح والتسامح لمن يريد أن يعود ولا يمعن في سلوكه غير المشروع.

* إذن يصح قول الشاعر بيننا خائن يا رفيق؟

- لا أستطيع أن أصف أحدا بالخيانة وإذا حدث أمر واحد ثق أن سببه سوء فهم وانحياز لآلية معينة، وليس نوايا تصل إلى درجة الخيانة والتخريب.

* مع انتقال عائلة القذافي إلى سلطنة عمان هل ضمنتم أنهم لن يمارسوا أي نشاط سياسي؟ وهل بقي منهم أحد في الجزائر؟

- دعني أقل لك إن القذافي وعائلته ومرحلته أصبحوا في ذمة التاريخ وبالنسبة للشعب الليبي ماضيا بغيضا لن يعود بعون الله سواء أقاموا في سلطنة عمان أو المريخ، والشعب الليبي لا يأبه وقادر على حماية ثورته ولن يعيد تلك السنين الجائرة فهم يريدون الإقامة باعتبارها موضوعا إنسانيا ومن حق أي إنسان أن يجد محلا لإقامته وأمنه ليذهبوا حيث يشاءون والشعب الليبي لن يتأثر ولن يكونوا مصدر خوفه أو خشيته مهما حاولوا التشويش أو حتى تجنيد العملاء هذه أصبحت من أوهام الماضي وانتهت إلى غير رجعة على الإطلاق. وليست لدي معلومات دقيقة عن بقائهم في الجزائر، فهذه مهمة الأجهزة الأمنية وكل ما لدينا هو من مصادر صحافية، وحتى وإن وجدوا في الجزائر فهي دولة ذات سيادة ومن حقها أن تقرر ما تراه ونحن على ثقة بأنها لن تسمح بأي عمل يهدد أمن الشعب الليبي. علاقاتنا بالجزائر علاقة أخوة وطريق مشترك فلن نخشى شيئا من طرف الجزائر.

* هل صحيح أن هناك من يعرقل بناء قوات الشرطة والجيش؟

- من يفعل أو يحاول أن يعرقل ذلك، هو الذي ليست له مصلحة بناء الدولة هو الذي يريد الفوضى لممارسة أعماله الإجرامية والتهريب، ولكن جمع الباقين بمن فيهم الثوار الذين ثار جدل حول انضمامهم من عدمه هم يريدون الدولة. الليبيون على مدى 42 سنة عانوا من عدم وجود الدولة. الجميع متفق على ضرورة بناء الدولة، لتكون دولة عصرية يعيشون فيها كبقية خلق الله في بلاد الله لكن لا شك أن هناك فئات مثل هؤلاء المجرمين لا يريدون الدولة. لأنهم يعرفون أن قيام الدولة سيعني محاسبتهم وسؤالهم محاكمتهم واسترداد ما نهبوه ومن مصلحة هؤلاء خلق كل العراقيل التي يستطيعونها وهم لن يفلحوا بعون الله طويلا.

* هل نجح المؤتمر الوطني في استعادة أي من الأموال المهربة إلى الخارج؟

- هذا موضوع شائك وليس سهلا، وفيه تعقيدات كثيرة حتى من قبل الدول التي فيها الأموال، ونحن نسعى وما زلنا نسعى عبر الطرق القانونية ولن نفرط في أي شيء ولا نملك أن نفرط، وحتى من سيأتون بعد لن يفرطوا في درهم واحد من أموال الشعب الليبي وأنت تعلم التعقيدات التي تحيط بمثل هذا الموضوع من حيث المصالح والقانون وأشياء كثيرة أخرى ونحن ماضون ونسأل الله أن نوفق على الأقل في فترة وجودنا في موقع المسؤولية.

* شكرا لوقتك.. هل لديك أخيرا ما تريد قوله؟

- شكرا لكم ولصحيفة «الشرق الأوسط» الغراء على إتاحة هذه الفرصة، وما أود أن أقوله أننا على ثقة ويقين وقناعة بأن خير وأفضل طريق لحل مشكلاتنا وتوافقنا الوطني، هو الحوار الوطني الجاد، وهو السبيل الوحيد في كل الدول العربية خاصة دول الربيع الربع العربي، لا مفر ولا مناص من الحوار إلا منه وإليه.