انتخابات تاريخية في باكستان وسط تهديدات بهجمات انتحارية من طالبان

نواز شريف الأوفر حظا لتولي رئاسة الوزراء لمرة ثالثة

بائع باكستاني يعرض دعايات انتخابية لعمران خان قائد حزب الإنصاف الباكستاني الذي يترقب الوصول إلى رئاسة وزراء باكستان، حيث سيلقي اليوم خطبته الأخيرة عبر فيديو لنك من مستشفى لاهور الذي يعالج فيه (أ.ف.ب)
TT

تنتخب باكستان، الدولة الإسلامية العملاقة في جنوب آسيا، غدا نوابها وحكومتها المقبلة، في استحقاق تاريخي يعتبر أول انتقال ديمقراطي فعلي في البلاد، وسط تهديدات من إسلاميي طالبان أسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص وأجبرت الأحزاب الرئيسة في الحكومة المنتهية ولايتها على إلغاء جميع تجمعاتها الكبرى، بعد أن استهدفها الإسلاميون واتهموها باتباع السياسة الأميركية في المنطقة في السنوات الأخيرة. ويميل الميزان الانتخابي هذه المرة نحو يمين الوسط ولصالح الرابطة المسلمة التابعة لرئيس الوزراء السابق نواز شريف وحركة الإنصاف في باكستان برئاسة نجم الكريكت الوطني السابق عمران خان.

وتبدو نتائج الانتخابات البرلمانية الباكستانية المزمع إجراؤها غدا وسط تنافس ثلاثة أحزاب سياسية رئيسة أمرا من الصعب التكهن به. مع ذلك يبدو أن حزب رئيس الوزراء السابق، نواز شريف، هو المنافس الأكبر في الانتخابات. ويشارك في الانتخابات أيضا حزب الشعب الباكستاني وحزب تحريك وإنصاف باكستان، الذي يقوده لاعب الكريكت الذي اتجه إلى السياسة عمران خان. ويتفق محللون سياسيون على صعوبة التكهن بنتائج الانتخابات والجزم بمن سيشكل الحكومة المقبلة. مع ذلك يرجح كل المحللين تشكيل حكومة ائتلافية تجمع حزبين رئيسين. وبحسب آخر استطلاع للرأي أجرته مجلة «هيرالد» السياسية الشهرية الغراء في باكستان، يبدو أن الانتخابات التي من المقرر إجراؤها في الحادي عشر من مايو (أيار) ستنتهي بفوز حزبين يحظيان بشعبية لدى الناخب الباكستاني، في حين سيتقهقر الحزب الثالث.

ومن بين 1285 شخصا ممن تم استطلاع آرائهم، يؤكد نحو 95.1 في المائة تسجيل أسمائهم في السجلات الانتخابية، ويقول 25.68 في المائة من هؤلاء المسجلة أسماؤهم إنهم يعتزمون انتخاب حزب الاتحاد الإسلامي بقيادة نواز شريف، في مقابل 24.98 في المائة يقولون إنهم سيصوتون لصالح حزب تحريك وإنصاف باكستان، و17.74 في المائة يريدون التصويت لحزب الشعب الباكستاني. مع ذلك ستكون أشرس المعارك على السلطة في أكبر ولاية بباكستان وهي البنجاب التي تضم أكثر من نصف مقاعد البرلمان. ويبدو أن حزب نواز شريف هو اختيار هذه الولاية، حيث يؤكد 38.66 في المائة من المستطلعة آراؤهم دعمهم له، ويأتي بعده في الترتيب حزب تحريك وإنصاف باكستان بنسبة 30.46 في المائة. وهذا يجعل الحزب المستبعد هو حزب الشعب الباكستاني الحاكم، حيث يحظى بدعم 14.33 في المائة فقط بحسب الاستطلاع الذي أجرته المجلة. وتعرض القنوات التلفزيونية الخاصة في باكستان على مدار اليوم إعلانات سياسية مدفوعة الأجر للأحزاب الثلاثة. وأكثر هذه الحملات الإعلانية السياسية ضد رئيس الوزراء السابق وحزبه، حيث تصفه بأنه كذاب وشخص غير جدير بالثقة. يقول رسول باكسك راييس، أستاذ العلوم السياسية في كلية لاهور للإدارة والعلوم «لا يمكنك استبعاد إمكانية أن يبزغ حزب نواز كحزب أوحد في الانتخابات، لكن يقع هذا الحزب تحت ضغط جميع الجهات». وبدت مظاهر الرئاسة على نواز شريف حيث قال خلال مقابلة «سأشعر بالإحباط إذا لم أحصل على أغلبية بسيطة في البرلمان».

ويعتبر عدد من المراقبين أن نواز شريف، عملاق صناعة الصلب، هو الأوفر حظا لتولي رئاسة الوزراء لمرة ثالثة قياسية، بعد فترة 1990 - 1993 حتى الإطاحة به بتهمة الفساد، ثم 1997 - 1999 قبل أن يطيحه انقلاب عسكري. وقد أعاد نواز شريف, رئيس الوزراء الباكستاني السابق الذي أطاح به انقلاب عسكري في 1999، بصبر بناء مسيرته السياسية في المعارضة وبات الأوفر حظا للفوز بالانتخابات العامة المقررة غدا، مستندا إلى معاقل أنصاره في ولاية البنجاب.

ويضم المجلس الوطني 342 نائبا بينهم 272 سينتخبون خلال انتخابات وفق النظام الفردي بدورة واحدة، و70 آخرون سينتخبون وفق نظام النسبية (60 مقعدا مخصصة للنساء، و10 للأقليات الدينية: مسيحيون، وهندوس..).

كما سيقترع الناخبون المسجلون البالغ عددهم 86 مليونا السبت لاختيار نواب الولايات الأربع في البلاد: البنجاب (وسط)، السند (جنوب)، بلوشستان (جنوب غرب)، وخيبر بختنخوا (شمال غرب).

أما ناخبو المناطق القبلية المحاذية لأفغانستان والتي تعتبر ملاذا لمقاتلي طالبان الباكستانيين وحلفائهم في تنظيم القاعدة في المنطقة، فينتخبون فقط أعضاء الجمعية الوطنية. ومن خصائص هذه المناطق المحافظة أنه لم يتم تخصيص أي مقعد للنساء فيها. وإذا لم يحصل الحزب الذي يحتل الصدارة على الأكثرية عن طريق التحالفات سيكون عندها على الحزب أو المجموعة البرلمانية الثانية إثبات قدرته على حصد الأكثرية. وسيتحدر رئيس الوزراء من الحزب الذي يحصل على الأكثرية أو من الائتلاف الحاكم.

ولا يتمتع الرجل الستيني، الذي يرتدي دائما الزي والقميص التقلديين وسترة، بالخطابة ولا بكاريزما بعض خصومه، لكنه يعول على خبرة كبيرة كسبها كرجل دولة. وقد تولى زعيم الرابطة الإسلامية، الحزب المنافس لحزب الشعب الباكستاني الذي تهيمن عليه عائلة بوتو، رئاسة الحكومة مرتين من 1990 إلى 1993 ومن 1997 إلى 1999، وبات يتطلع الآن إلى أن يكون أول سياسي باكستاني يتولى الحكم للمرة الثالثة. وقد أطلق نواز شريف خلال ولايته الثانية الأشغال الكبرى للطريق السريع التي تصل بيشاور (شمال غرب) قرب أفغانستان بلاهور (شرق) عاصمة معقله البنجاب، وتميزت ولايته خصوصا بحيازة باكستان السلاح الذري لأول مرة في دولة إسلامية، في مكسب أضفى عليه شعبية في هذا البلد الشديد القومية. وفي خريف 1999 تدهورت علاقته بقائد الجيش الجنرال برويز مشرف، فأقال نواز شريف برويز مشرف عندما كان الأخير عائدا من زيارة رسمية في سريلانكا المجاورة.

وسرعان ما أودع عسكريون موالون لمشرف نواز شريف قيد الإقامة الجبرية وسيطروا على مطار كراتشي، فعاد مشرف إلى البلاد منتصرا واستحوذ على السلطة عبر انقلاب لم ترق فيه قطرة دم، وبعد بضعة أشهر من الاحتجاز رحل شريف إلى المنفى في المملكة العربية السعودية.

أما عمران خان، الذي انتخب مرة واحدة فحسب في 2002 وقاطع الانتخابات الأخيرة عام 2008، فيجري حملته بصخب ويجتذب الطبقة المتوسطة والشباب الذين ملوا الأحزاب التقليدية، ووعدهم بمد انتخابي كاسح، لكنه الأربعاء نقل إلى المستشفى لإصابته في الرأس والظهر بعد سقوطه لعدة أمتار أثناء لقاء انتخابي في لاهور (شرق). أما بيلاوال بوتو، ابن بي نظير بوتو رئيسة الوزراء التي كانت تتمتع بشعبية واسعة واغتيلت في 2007، فهو يافع جدا للترشح ويتعرض لتهديدات كبيرة، مما يعرقل عقده لقاءات شعبية. ويتعذر على الرئيس آصف علي زرداري، أرمل بي نظير ووالد بيلاوال، والذي لا يتمتع بشعبية كبيرة، إجراء حملة انتخابية لأنه رئيس، وهذا الاستحقاق يعد تاريخيا ومحوريا لتعزيز الديمقراطية في باكستان لأنه سيجيز لحكومة مدنية تسليم السلطة إلى أخرى بعد إنهاء ولاية كاملة من خمس سنوات. وهي سابقة في هذه البلاد التي أنشئت عام 1947 وطبعت الانقلابات العسكرية تاريخها. وقد دعي أكثر من 86 مليون باكستاني إلى اختيار نوابهم الـ342 في الجمعية الوطنية من بين 4670 مرشحا، وتعيين ممثليهم في المجالس الإقليمية الأربعة من أصل 11 ألفا.

وحاول رئيس الوزراء السابق نواز شريف ونجم لعبة الكريكت السابق عمران خان، أمس الخميس، تعبئة الحشود في آخر يوم من الحملة الرسمية للانتخابات العامة التاريخية في باكستان، وسط تهديدات طالبان بالاعتداء. وكثف مقاتلو طالبان، التي تعارض الانتخابات التشريعية و«تكفرها»، الاعتداءات الدامية خلال الحملة. وصرح أحد قياديي طالبان لوكالة الصحافة الفرنسية طالبا عدم كشف اسمه بأن قائد حركة طالبان الباكستانية حكيم الله محسود أمر شخصيا بارتكاب اعتداءات انتحارية يوم الاقتراع، مؤكدا أن «طالبان أرسلوا انتحاريين لارتكاب هجمات في مختلف أنحاء باكستان. وتوقفت الحملة قليلا الأربعاء إثر إصابة زعيم حركة الإنصاف الباكستانية عمران خان في حادث سير. ويلهب النجم الوطني السابق لرياضة الكريكت، وهي رياضة يعشقها الباكستانيون، الحشود منذ بداية الحملة الانتخابية في منتصف مارس (آذار) بانتقاده الأحزاب «القديمة الفاسدة» القائمة على السلالة.

واستأنفت القوافل الانتخابية أمس طريقها في آخر يوم من الحملة المرخص لها في هذا البلد الذي يعتبر القوة النووية الوحيدة في العالم الإسلامي، قبل الاقتراعين الوطني والإقليمي غدا. وما زالت الاستطلاعات تتوقع فوز زعيم الرابطة الإسلامية نواز شريف بالاقتراع نظرا لما يتمتع به تاريخيا من الدعم في ولاية البنجاب، حيث توجد أكثر من نصف الدوائر الانتخابية في البلاد.

غير أن صعود عمران خان، الذي يجلب ناخبي وسط اليمين من نواز شريف في معقله في البنجاب ويستدرج الشبان والطبقة المتوسطة التي تبحث عن «تغيير»، غير التوقعات وفتح المجال أمام سباقات «ثلاثية». واتهم حزب الشعب الباكستاني الموالي للغرب والذي يترأس الائتلاف المنتهية ولايته خصومه بأنهم جروا البلاد إلى أسوأ أزمة للطاقة في تاريخها، أملا في الاستفادة من أصوات المعارضين والبقاء في السلطة. ولم ينظم حزب الشعب الباكستاني، المهدد من طالبان، أي مهرجان انتخابي كبير في هذه الحملة، وركز حملته على بعض الدوائر تحديدا.

واستعرض كل من الرابطة الإسلامية وحزب الإنصاف الباكستاني عضلاتهما مساء أمس لآخر مرة في تجمعات في لاهور عاصمة البنجاب ولأول مرة في مدينة روالبندي التوأم مع العاصمة إسلام آباد بالنسبة لحزب الإنصاف لعمران خان. وما زال الأخير ممددا في الفراش بعد سقوطه المثير، لكنه ينوي إلقاء كلمة في التجمع عبر تواصل بالفيديو، على ما أفاد أعضاء من حزبه.