نجل الرئيس هدف للمسلحين في باكستان

مقتل وإصابة العشرات في حوادث عنف في مختلف أنحاء البلاد

TT

حالت التهديدات الأمنية دون حضور رئيس حزب الشعب الباكستاني بيلاوال بوتو زارداري، ابن الرئيس الباكستاني آصف علي زارداري ورئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو، المؤتمرات الانتخابية في باكستان. فقبل أسبوعين رفضت قوات الأمن المكلفة بحراسته حضوره مؤتمرا انتخابيا في مولتان (أكبر المدن الباكستانية)، ليغادر بعدها زارداري باكستان متوجها إلى دبي حيث يوجه كلماته إلى المؤتمرات الانتخابية عبر الفيديو من هناك.

لا يزال رئيس حزب الشعب الباكستاني في مقر إقامته في دبي هذا الأسبوع بسبب المخاوف الأمنية على حياته. كانت تقارير قد ذكرت أن حكومة تصريف الأعمال أوصته بعدم التواصل مع العامة لأنه قد يكون هدفا للإرهابيين الذين يشنون هجمات لا هوادة فيها على المؤتمرات الانتخابية ومقرات الأحزاب الديمقراطية والليبرالية.

يشكل حضور بيلاوال بوتو في باكستان خلال الحملة الانتخابية أهمية كبرى بالنسبة لحزب الشعب نظرا لرغبة أعضاء الحزب في حضور أحد أفراد عائلة بوتو لقيادة الحملة الانتخابية. ويرى المحللون الباكستانيون أن حزب الشعب الباكستاني، الذي خسر بالفعل جانبا كبيرا من شعبيته لصالح منافسيه، سيخسر بشكل كبير ما لم يقد أحد من عائلة بوتو الحملة الانتخابية للحزب.

لكن حكومة تصريف الأعمال أوضحت للحزب التهديدات الأمنية التي يتعرض لها بيلاوال بوتو زارداري من قبل المتطرفين الذين قتلوا والدته، رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة، بي نظير بوتو.

وقال بيلاوال: «قتلة قادة عوام (في إشارة إلى ذو الفقار علي بوتو) وبي نظير بوتو يرغبون الآن في القضاء علينا أيضا، أنا لا أكترث لحياتي، فالعالم يعرف أن قادة حزب الشعب الباكستاني ضحوا بحياتهم من أجل الديمقراطية».

لكن التهديدات الأمنية لم تقتصر على زعيم سياسي بعينه، فقد صرح مالك حبيب الله، وزير الداخلية الباكستانية للصحافيين في إسلام آباد أن غالبية الزعماء السياسيين الرئيسيين يواجهون تهديدات أمنية.

لكن بعض الأحزاب السياسية العلمانية، بما في ذلك حزب الشعب الباكستاني، وحركة قوامي المتحدة وحزب عوامي الوطني برزوا كأهداف رئيسية لهجمات المتطرفين الإرهابيين. تتركز الهجمات الإرهابية، بشكل أكثر تحديدا، في مدينة كراتشي الجنوبية والمناطق الحضرية من إقليم خيبر بوختنخوا.

كانت هذه الأحزاب السياسية العلمانية الثلاثة قد شكلت حكومة تحالف قادت باكستان خلال السنوات الخمس الماضية. وخلال هذه الفترة قام الجيش بعمليات عسكرية ضد متطرفين دينيين ومقاتلين في المناطق القبلية ووادي سوات.

بدأ المقاتلون في شن هجمات واسعة النطاق على الأحزاب السياسية قبل الإعلان عن الجدول النهائي للانتخابات البرلمانية. فعلى سبيل المثال وقعت ثلاث هجمات إرهابية في شهر فبراير (شباط) وكانت جميعها موجهة ضد الأحزاب السياسية، التي كانت تستعد للانتخابات البرلمانية.

كان أمير حيدر جان هوتي، حاكم ولاية بختونخوا في طريقه لتوجيه خطاب في لقاء عام في ماردين في 15 فبراير عندما هاجم انتحاري موكبه أثناء مروره بمنطقة كولدج تشوك المزدحمة. لكن الحاكم ومرافقيه لم يصابوا في الهجوم. وبعد ثلاثة أيام من الهجوم قتل أربعة من رجال الشرطة ومدنيين وأصيب أربعة عشر آخرون في بيشارو عندما أطلق انتحاريان يرتديان أحزمة ناسفة النار عشوائيا في وكالة خيبر ثم قاما بتفجير نفسيهما. وكان ممثلو الأحزاب السياسية المختلفة يعقدون لقاءات لتحديد ميثاق الأخلاق في الانتخابات العامة القادمة في المناطق القبلية التي تدار فيدراليا. وقبل أسابيع قليلة من ذلك الحادث السابق، في الأول من يناير (كانون الثاني) على وجه التحديد، انفجرت عبوة ناسفة تم تثبيتها في دراجة بخارية خارج المؤتمر العام الذي أقامته حركة قوامي المتحدة، للترحيب بالدكتور طاهر القادري في مقر الحزب في كراتشي.

هذه الحوادث، التي استهدفت بشكل واضح سياسيين وناشطين سياسيين، لم تكن مثار دهشة كبيرة في ضوء التصريح الأخير لجماعة تحريك طالبان باكستان التي أكدت على أن مقاتليها وضعوا خططا لتخريب الانتخابات. ونقل عن المتحدث باسم حزب الشعب الباكستاني إحسان الله إحسان: «نحن في عملية صياغة سياسة وسوف نعلن عنه بعد صدور الإعلان عن موعد الانتخابات».

وتوعدت جماعة طالبان باكستان في أحدث بياناتها بمواصلة استهداف الحملات الانتخابية وقادة الأحزاب العلمانية التي شاركت في حكومة التحالف. وقد شهدت المدن الباكستانية بعد هذا البيان سلسلة من الهجمات على المؤتمرات الانتخابية الخاصة بأحزاب سياسية مثل حزب الشعب الحاكم وحركة قوامي المتحدة وحزب عوامي الوطني في إقليم خيبر بختونخوا.

وسط استمرار الأعمال الإرهابية ضد الأحزاب العلمانية السياسية زعمت طالبان باكستان أن مجلس شورى الجماعة قرر مواصلة استهداف التجمعات الانتخابية وقادة الأحزاب السياسية مثل حزب الشعب الحاكم وحركة قوامي المتحدة وحزب عوامي الوطني.

وقال المتحدث باسم الجماعة في بيان لوسائل الإعلام: «قرر مجلس شورى طالبان باكستان استهداف هذه الأحزاب السياسية العلمانية التي شاركت في حكومة التحالف السابقة والمتورطة في عمليات عسكرية في سوات والمناطق القبلية المدارة فيدراليا ومناطق أخرى في إقليم بختونخوا، وأن الجماعة تنصاع لقرارات مجلس الشورى الذي يقرر زمان ومكان شن الهجمات على المؤتمرات الانتخابية للأحزاب السياسية».

وأضاف المتحدث باسم طالبان: «نحن لا نؤيد ولا نعارض أحزاب حركة الإنصاف أو حزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز) أو جماعة علماء الإسلام. نحن نقف ضد الأحزاب العلمانية والنظام الديمقراطي الذي يعادي الآيديولوجية الإسلامية، لكننا لا نتوقع أيضا الخير من الأحزاب الأخرى، التي تدعم النظام ذاته، لكن عدم استهدافها هو ما نقرره نحن».

تعد هذه الهجمات تذكيرا قويا بموسم انتخابي سابق شهد هجمات على الكثير من الفعاليات السياسية، والأحزاب والقادة ولعل أبرزها كان اعتداء أكتوبر (تشرين الأول) الذي استهدف موكب بي نظير بوتو، رئيس الوزراء السابقة، رئيسة حزب الشعب الباكستاني آنذاك، في كراتشي والذي أسفر عن مقتل 139 شخصا واغتيالها في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2007.

ما تواجهه باكستان في إطار التحضير لانتخابات 2013 يتشابه إلى حد كبير مع الموقف الذي شهدته قبيل انتخابات 2008. فيقول الليفتاننت جنرال (المتقاعد) حميد نواز، الذي عمل وزيرا للداخلية في حكومة تصريف الأعمال عام 2008: «حددت كل الوكالات الاستخبارية تهديدين أمنيين رئيسيين للعملية الانتخابية عام 2008 هما طالبان باكستان والمنظمات المسلحة المحظورة الأخرى. ويبدو واضحا أن هاتين الجماعتين تشكلان مصدر التهديدات الأمنية الحالية، وفي عام 2008 أيضا، كانت بيشاور على وجه التحديد وخيبر بختونخوا لا تزالان عرضة لهجمات إرهابية، بسبب قربها الجغرافي من مراكز التمرد».

من ناحية أخرى شهد العنف في إقليم البنجاب، أكبر أقاليم باكستان تراجعا ملحوظا، حيث يبدو غياب سيطرة طالبان واضحا في البنجاب التي لم تعان من حوادث عنف إرهابية هذا العام، وهو ما يفسر السبب مساعي كل الأحزاب الباكستانية الكبيرة وخاصة حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز) لوضع استراتيجيات انتخابية ضخمة تقوم على عقد مؤتمرات انتخابية حاشدة في المراكز الحضرية في الإقليم، حيث تدور رحى المعركة الانتخابية في الإقليم بلا هوادة. رغم ذلك الأمن النسبي توفر وكالات الأمن والشرطة في البنجاب حماية أمنية خاصة لقادة الأحزاب السياسية الرئيسية. فقال مسؤول أمني بارز لمراسل الصحيفة إن هناك مخاطر أمنية كبير باستهداف القادة الأساسيين حتى في البنجاب. وقال المسؤول: «كان ذلك السبب الرئيسي في منع الحكومة بيلاوال بوتو من عقد لقاءات مباشرة مع الناخبين في البنجاب أيضا».

من ناحية أخرى، بات من غير الممكن بالنسبة للأحزاب السياسية استغلال الأدوات التقليدية من الدعاية التقليدية لجذب الناخبين في إقليم بختونخوا. فعلى سبيل المثال أعاد حزب عوامي الوطني النظر في وسائلة الانتخابية التقليدية في التعامل مع الجمهور في إقليم خيبر بختونخوا. وقال أفراسياب ختاك، أحد قادة حزب عوامي: «أمن المواطنين خلال اللقاءات الانتخابية سيكون أقصى أولوياتنا».

التهديدات الموجهة للعملية الانتخابية لا تأتي فقط من الجماعات الدينية المتطرفة، ففي بلوشستان على سبيل المثال، يشكل الانفصاليون البلوش تهديدا على المؤتمرات الانتخابية التي تعقد في الإقليم. فيرى القادة السياسيون المحليون استحالة إجراء الانتخابات في بعض مناطق الإقليم بسبب التهديدات الأمنية التي يشكلها المسلحون البلوش. ويقول صادق عمراني مسؤول حزب الشعب في الإقليم: «هدد جيش تحرير بلوشستان (منظمة انفصالية مسلحة) بقتل أي شخص يشارك في الانتخابات في ماركان وكالات وخوزدار».

كان النتيجة انتشار المخاوف في أوساط السياسيين، فيقول الليفتاننت جنرال (المتقاعد) عبد القدير بالوتش، عضو البرلمان عن حزب الرابطة الإسلامية (جناح نواز شريف): «نحن جميعا نخشى هذا الموقف». هناك إمكانية لعقد الانتخابات في بلوشستان خلال يوم واحد، وهو أمر مستبعد بالنسبة له. فيرى أن «إجراء الانتخابات في الإقليم في يوم واحد ستجعل انتشار القوات الأمنية ضعيفا ومن ثم ينبغي أن توفر الحكومة تواجدا أمنيا كثيفا في المناطق التي ستجرى فيها الانتخابات وضرورة تقسيمها على عدة أيام. كانت إحدى نتائج هذا العنف المتفشي أن بدأت بعض الأحزاب السياسية في التعبير عن شكوكها تجاه مصداقية إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ظل هذا الموقف الأمني نتيجة لعدم قدرة الأحزاب السياسية على عقد مؤتمرات انتخابية في ظل التهديدات الأمنية من المسلحين».

أكد هذه المخاوف تصريح كبير مفوضي الانتخابات الباكستانية فخر الدين إبراهيم، الذي أكد على استحالة إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ظل الموقف الأمني المتدهور. وأوضح رئيس المفوضية هذه الملاحظة خلال رئاسته لاجتماع المفوضية الذي عقد بهدف مناقشة الموقف الأمني في البلاد. وقد أنهت مفوضية الانتخابات الترتيبات الأمنية لإجراء عمليات الاقتراع التي ستبدأ بموجبها قوات الشرطة في الانتشار في مراكز الاقتراع قبل يوم من بداية الاقتراع الفعلي. لكن كبير مفوضي اللجنة فخر الدين إبراهيم قال: إنه سيعمل على ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة في حال وفرت حكومة تصريف الأعمال حماية أمنية كاملة للجان الانتخابية.