الفلسطينيون منقسمون حول السياحة السياسية في غزة

البعض يرى القطاع مثل «دراي كلين» والبعض يقول إنه الوطن

TT

فجأة وجد رئيس الحكومة المقالة في قطاع غزة إسماعيل هنية نفسه مضطرا للمشي على البساط الأحمر، يستقبل الزعماء في مقر حكومته ويذهب إليهم حيثما وجدوا، بعدما فعل الربيع العربي فعله في الشرعيات وقلب المعادلات والموازين. ورغم أن رياح هذا الربيع لم تهب مباشرة على فلسطين حتى الآن، فإن قوتها وصلت وضربت وفق ما اشتهت سفن غزة وبخلاف ما أرادت سفن رام الله.

ولم يكن من باب المصادفة أن يبدأ نظام الإخوان المسلمين في مصر في التعامل مباشرة مع حركة حماس كنظام شرعي ورسمي معترف به في القطاع، وذلك على حساب السلطة في رام الله، لكن ذلك كان قرارا مدروسا بعناية، أصر عليه المصريون ودعمته قطر وسار في ركبه آخرون.

وعلى مدار شهور مضت تحولت غزة إلى قبلة للسياسيين ورجال الدين، داعمي الربيع العربي، فزارها رئيس الوزراء المصري هشام قنديل، ووزراء خارجية دول عربية، والأمير القطري الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ورئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق، وينوي ذلك الرئيس التونسي منصف المرزوقي، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي أعلن عن عزمه زيارتها في أواخر مايو (أيار) الحالي.

وكان هذا قبل الربيع العربي ضربا من الأحلام. طبعا لم تمر أي زيارة مرور الكرام، فقد اعتبرتها حماس جميعا تاريخية ومفصلية، ووجدت فيها جميعا حركة فتح تعزيزا للانقسام وضربا لوحدة الأراضي والتمثيل الفلسطيني. وقبل وأثناء وبعد كل زيارة كان الطرفان يتبادلان الاتهامات لحد الشتائم أحيانا.

ويقول مؤيدو حماس إنه يجب زيارة القطاع ودعمه لأنه الحق وجزء من الوطن الكبير، ويقول معارضوها إن مثل هذه الزيارات تعزز الانقسام وتعطي حماس الشرعية. ولم يخف الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) نفسه غضبه الشديد من زيارة القطاع بشكل رسمي. وهاجمت الرئاسة الفلسطينية الرئاسة المصرية أكثر من مرة، وغمزت من قناة قطر، وطلبت من المرزوقي تأجيل زيارته، وشنت هجوما عنيفا على رئيس الوزراء الماليزي، وطلبت من الرئيس التونسي ورئيس الوزراء التركي انتظار تحقيق المصالحة.

أما حماس فكانت تخرج من كل زيارة أقوى وأكثر حضورا، ولسان حالها يقول إنه يجب إعادة النظر في التمثيل الفلسطيني. ولم تتوقف الزيارات إلى غزة التي أصبحت مثل «موسم سياحي» عند رجال السياسة والأمراء، بل دخل على الخط كبار رجال الدين. وجاءت زيارة الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس اتحاد علماء المسلمين، الذي وصل أول من أمس إلى القطاع، تتويجا لموسم الزيارات. والقرضاوي محل خلاف كبير بين الفلسطينيين. ويقول مناصروه إنه عالم جليل وله مواقف متقدمه وعظيمة، ويصفه معارضوه بأنه أحد أسوأ علماء السلاطين واستجلب القوات الغربية إلى الدول العربية.

وقبل وصول القرضاوي وعندما كان في الطريق وحين دخل القطاع ومع كل حركة وخطوة كانت الحرب تشتعل بين مؤيديه ومعارضيه، فاستقبلته حماس استقبالا لا نظير له، وقاطعته فصائل منظمة التحرير. وقبل يده هنية أكثر من مرة، وقال له حين وصل ليلا «طلع البدر علينا»، ثم منحه هوية وجواز سفر فلسطينيين، ووصفه بشيخ القدس والجهاد.

أما فتح فقالت إنه مشبوه، وفتاواه كذلك مشبوهة، وهو ما جاء على لسان عضو اللجنة المركزية محمود العالول. وزاد غضب فتح من منحه جواز السفر. وطبعا مع كل دقيقة كانت مواقع التواصل الاجتماعي تشتعل. فنشر مؤيدوه صوره، وقالوا له أهلا وسهلا بالشيخ الجليل في أرض الجهاد، ونشر معارضوه صوره وقالوا له لا أهلا ولا سهلا بشيخ الناتو في أرض فلسطين.

وينقسم الفلسطينيون تجاه زيارة سياسيين ورجال دين للقطاع. وقال الناشط الشبابي، والمدون، منير الجاغوب، لـ«الشرق الأوسط»: «أنا أرفض الزيارات السياسية لقطاع غزة.. إنها تعزز الانقسام الفلسطيني». وتساءل «الشيخ حمد والعلماء ووزراء الخارجية العرب وأردوغان لماذا يذهبون إلى غزة؟.. هناك يوجد نظام غير شرعي». وتابع «كان أولى بهم زيارة القدس». وتابع القول «إذا كانوا يريدون وطنا واحدا وشعبا واحدا كما يقولون، فليحرصوا على وحدة التمثيل والشرعيات، لا أن يذهبوا إلى غزة ويقولوا شعب غزة، فيه شيء اسمه شعب غزة، وشعب الضفة، وشعب الشتات؟!».

ومن وجهة نظر جاغوب فإن حماس تستغل هذه الزيارات لتثبيت إمارتها في القطاع. وتابع «برأيي غزة أصبحت مثل دراي كلين (التنظيف من غير ماء)، كل شخص يريد تنظيف حاله يزور غزة». وتفاعل ناشطون كثر مع مصطلح «دراي كلين»، وقالوا إنهم يتمسحون بدماء أهل القطاع ويستعرضون. لكن لم يكن هذا رأي الجميع.

وقال علي قراقع، ممثل كوميدي، لـ«الشرق الأوسط»: «أنا مع الترحيب بمن يزور قطاع غزة، ووضع القطاع يختلف كليا عن الضفة، على الأقل لا يوجد مرور على حواجز للاحتلال وتفتيش في أوراقهم، وكل ذلك، إضافة إلى أن قطاع غزة بحاجة للكثير خاصة بعد كل ما تعرض له من حصار وعدوان أول وعدوان ثان وتدمير، لذلك الكل مرحب به في القطاع، وأعني الكل شرفاء الأمة، لا من يريدون زيارة القطاع لرفع أسهمهم في بلدانهم مثلا». وأضاف «قطاع غزة جزء من فلسطين، يعني من يدخل غزة كأنه دخل فلسطين».

أما محمود فاعتبر غالبية الزيارات غير مهمة للشعب الفلسطيني «بل كانت فقط في إطار خدمة حركة حماس وحكومتها وتقديم الدعم الكامل لها، وإبراز قوتها مقابل محاولات إقصائها سواء من جهات فلسطينية أو حتى عربية وغربية». وأضاف «زيارات غزة سياسية بامتياز، وهدفها توجيه رسائل واضحة لعديد من الأطراف الفلسطينية وكذلك العربية والدولية وأيضا رسائل واضحة لإسرائيل بأن حماس أصبحت جهة مهمة ولاعبا محوريا على صعيد المنطقة، وليست حركة صغيرة أو جهة فلسطينية تعمل داخل فلسطين».

ومن دون شك فإن زيارة القطاع تشكل حدثا استثنائيا لأي زائر مهما كانت نواياه. وحتى رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، فقد حملته غزة مجددا إلى سدة الحكم في حماس، بعدما زارها معلنا ولادته الثالثة.