«انعدام الثقة» يعوق التعاون الأمني بين أميركا وروسيا

دفن جثة المشتبه به في تفجيري بوسطن بفضل مبادرة من «شخص متعاطف وشجاع»

موظفة تضع صور ضحايا سقطوا في تفجيري بوسطن خلال جلسة استماع عقدت بمجلس النواب الأميركي حول الاعتداء أمس (إ.ب.أ)
TT

بعد قليل من وصول عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، جيم تريسي، إلى موسكو مطلع عام 2007 باعتباره الملحق القانوني الجديد في السفارة الأميركية، تجول خارج محطة المترو وقد رأى رجلا يقوم بتصويره. لم يكن لدى تريسي أدنى شك في أن الشخص المعني عميل يعمل بجهاز الأمن الفيدرالي الروسي، وأنه يريد مراقبته. كان هذا العميل الروسي يقف على بعد 15 قدما من جيم تريسي متباهيا بالتقاطه صورا من كاميرا ذات عدسات بعيدة المدى. وقال تريسي، الذي قام بجولة في موسكو في أواخر فترة التسعينات من القرن العشرين: «افترضت أنه عميل بجهاز الأمن الفيدرالي الروسي يقوم بالترحيب بي بعد عودتي إلى موسكو».

وقد كان التعاون بين جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي خلال أغلب سنوات العقد الماضي يتسم بالحذر والعملية. وفي أعقاب تفجيري ماراثون بوسطن، وتحديد هوية الأخوين الشيشانيين المشتبه في تورطهما في التفجير وعلاقتهما المحتملة بحركات التمرد الإسلامي في منطقة القوقاز الروسية، تحدث البيت الأبيض والكرملين عن مزيد من التعاون في مجال مكافحة الإرهاب. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال مؤتمر صحافي أواخر الشهر الماضي: «هذه مأساة تدفعنا إلى العمل بشكل أوثق معا، وإذا وحدنا جهودنا، فلن نعاني من مثل هذه الهجمات».

وردد الرئيس باراك أوباما التصريحات ذاتها، حيث زار مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، روبرت مولر، موسكو هذا الأسبوع لعقد ما وصفها بأنها اجتماعات مثمرة. وقد عمل مسؤولو مكتب «إف بي آي» بشكل وثيق مع جهاز الأمن الفيدرالي الروسي لتحديد ما إذا كان المفجر المشتبه به تامرلان تسارنايف، الذي قتل في تبادل إطلاق النار مع الشرطة بعد أربعة أيام من تفجيري ماراثون بوسطن، قد تلقى أي تدريبات خلال زيارته لداغستان التي استغرقت ستة أشهر في عام 2012.

وفي تطور لاحق أمس، أكدت شرطة ورشستر بولاية ماساتشوستس أمس أن جثة تامرلان قد تم دفنها، ولم تعد حيث كانت محتجزة لدى متعهد لدفن الموتى. وقالت الشرطة: وشستر: «نتيجة للنداء الذي وجهناه للمساعدة، تقدم شخص متعاطف وشجاع وعرض المساعدة الضرورية لدفن المتوفى طبقا للأصول المرعية»، من دون أن تحدد الشرطة المكان الذي جرى فيه الدفن. وكانت عملية الدفن قد تعثرت عندما رفض مسؤولو مدينتي بوسطن وكمبردج بماساتشوستس التي عاش بها تامرلان قبول تسلم جثته. وجاء الكشف عن دفن جثة المشتبه به، تزامنا مع جلسة استماع عقدت في لجنة الأمن الداخلي التابعة لمجلس النواب حول تفجيري بوسطن.

قدمت روسيا مزيدا من المعلومات منذ وقوع تفجيري بوسطن يوم 15 أبريل (نيسان)، بما في ذلك تفاصيل حول مكالمات والدة تسارنايف الهاتفية والتي تم التنصت عليها، وقد كانت أساس تخوف موسكو من ميوله المتطرفة المحتملة. ولكن لم تتوصل أجهزة مكافحة الإرهاب الأميركية إلى أدلة تثبت التقارير التي أكدتها الأجهزة الروسية بأن تسارنايف اجتمع مع مسلحين في داغستان.

وأشار مسؤولون بمؤسسات تطبيق القانون وباحثون في العلاقات بين البلدين إلى أن الشكوك المتبادلة عميقة الجذور البلدين ويعود تاريخها إلى فترة الحرب الباردة وأنها ازدادت مع ضبط مكتب التحقيقات الفيدرالي لما يسمى «بالخلايا النائمة» عام 2010، مما يؤكد أن هناك حدودا تقيد التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وروسيا. ووصف بوتين يوما ما الولايات المتحدة بأنها «الخصم الرئيس»، كما أكد أن روسيا تقوم بالتجسس العدواني على التكنولوجيا الفائقة والصناعية في الولايات المتحدة وأوروبا، وفقا لمسؤولين في الاستخبارات. وقالت فيونا هيل، وهي زميل بارز في معهد «بروكينغز» وشاركت في تأليف كتاب: «السيد بوتين: عميل سري في الكرملين»: «هناك ثقافة واسعة من عدم الثقة سيكون من الصعب للغاية تغييرها. ويمثل هذا عقبة هائلة للمضي قدما في مكافحة الإرهاب. إنهم الأشخاص أنفسهم الذين ينبغي التعاون معهم في الوقت الراهن». وأضافت: «من أجل الوصول إلى تعاون حقيقي لمكافحة الإرهاب، مثلما هو الحال مع البريطانيين أو الأوروبيين، عليك أن تكون قادرا على تبادل المعلومات المتعلقة بالعمليات».

وفي ما يتعلق بالعمليات الاستخباراتية، التي تحتاج إلى الاهتمام والتعاون المشترك، لا يبدو أن أيا من الجانبين مستعد للمخاطرة بالإفصاح عن أسرار عملياته. وأكدت هيل أن هذا الأمر حد من التعاون المحتمل قبيل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في روسيا عام 2014 في سوتشي.

لم يعد الروس متفائلين بالوضع الحقيقي للعلاقة الأمنية الثنائية بين واشنطن وموسكو. وقال نيكولاي كوفاليوف، المدير السابق لجهاز الأمن الفيدرالى الروسي، في مقابلة عبر الهاتف: «يكمن مفتاح الحل في الثقة. من الضروري وجود ثقة بين كلا الشعبين وبين سياسيينا وبين الأجهزة الأمنية. وبسبب عدم الثقة، فإن الأميركيين العاديين يعانون حاليا، ومنهم من يضحي بحياتهم بسبب انعدام الثقة».

لا يعني وجود قيود على أي تعاون واسع عدم قدرة الأجهزة الاستخباراتية على العمل معا بشكل مثمر في حالات محددة، كما ظهر جليا في تفجيري بوسطن. وقال مسؤول في الاستخبارات الأميركية، تحدث شرط عدم كشف هويته: «بات التعاون أفضل، حيث لم يكن هناك تعاون ما قبل التفجيرات». وخلال الفترة، التي قضاها تريسي في موسكو، أرسل كلا الجانبين الأميركي والروسي، نحو 800 طلب سنويا بهدف الحصول على معلومات أو مساعدات حول بعض الجرائم المالية والهجمات الإلكترونية والجريمة المنظمة وكذلك العمليات الإرهابية.

وقال تريسي، الذي تقاعد عام 2009 بعد عمله 24 عاما في مكتب التحقيقات الفيدرالي: «لا يزال التعاون قائما بالتأكيد، لأن الروس عمليون، وينظرون إلى علاقاتهم بالأجهزة الأميركية كمصدر يستطيعون الاستفادة منه، وبالتأكيد يحاولون إبقاء هذه العلاقة على مسافة آمنة».

وينظر الكرملين إلى تبادل المعلومات مع الولايات المتحدة بأنه أمر نفعي يجب أن يتم بالتساوي بين كلا الجانبين. وقال ديمتري سيمز، رئيس مركز المصلحة الوطنية في واشنطن: «هناك دعابة سوفياتية قديمة تقول: إنه يزعمون أنهم يدفعون لنا، ونحن ندعي أننا نتعاون معهم. ويتظاهر الأميركيون بأنهم يتبادلون المعلومات معنا، في حين يتظاهر الروس بأنهم يصدقون الأميركيين. وهناك الكثير من أشكال التظاهر المتبادل». وقال سيمز إن كلا الجانبين سيستمران في تبادل المعلومات الأساسية، لكنهما لن يكشفا عن أوراقهما خشية انكشاف قدراتهما. وهذا قد يفسر، جزئيا، عملية تبادل المعلومات الهزيلة بشأن تسارنايف قبل وقوع التفجيرين.

وقد اتصل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي بمكتب التحقيقات الأميركي لإخباره عن تسارنايف في مارس (آذار) 2011. وكان تسارنايف حينها مقيما في بوسطن وبدا مهتما للغاية بإجراء اتصالات أو الانضمام إلى جماعة مسلحة في القوقاز. وقال مسؤول في الاستخبارات الأميركية إن مكتب التحقيقات الفيدرالي قدم ثلاثة طلبات منفصلة إلى السلطات الروسية للحصول على مزيد من المعلومات حول تسارنايف دون الحصول على أي رد. وخلص مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى أن الروس يرون تسارنايف كمصدر تهديد لهم، وليس للولايات المتحدة. وأضاف سيمز: «هناك خوف من الجانب الأميركي من استغلال أمثال تسارنايف ليصبحوا أدوات للقمع الروسي. وعلى الجانب الروسي، ترى الأجهزة الأمنية أنفسها أن سمعتها مشوهة في نظر الولايات المتحدة ويتم تصويرها بأنها أجهزة فاسدة ومتوحشة. وتسمع هذه الأجهزة ما يقوله قادتهم السياسيون من أن الولايات المتحدة هي التي تقف وراء المؤامرات التي تحاك ضد روسيا. وفي تلك الأجواء، لن يجرأ سوى قلة منهم على العمل مع نظرائهم الأميركيين بالشكل الكافي».

* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»