نصر الله يزيد أعباء جناح حزبه العسكري بإضافة «الجولان» إلى أجندته

الطبيعة الجغرافية والقدرات العملية وغياب الحاضنة أبرز العوائق

TT

من الآن فصاعدا، سينقسم مقاتلو حزب الله على أربع جبهات معلنة، ثلاث منها داخل الأراضي السورية، بعد إعلان أمينه العام حسن نصر الله، أول من أمس، استعداد مقاتليه للوقوف مع «المقاومة الشعبية» في سوريا «لتحرير الجولان المحتل»، على حد وصفه. وبهذا الإعلان، رمى نصر الله على قيادته العسكرية عبئا ثقيلا، يعيد إلى الأذهان تجربة المقاومة في جنوب لبنان عقب الانسحاب الإسرائيلي إلى الشريط الحدودي، وأدخل بيئته الحاضنة في نفق آخر، نظرا للتجاذب الشعبي الذي يرافق مشاركة الحزب في القتال بسوريا.

ويدخل مقاتلو الحزب في معركة جديدة، لا يتوقع لها مراقبون النجاح، لعوامل كثيرة، تبدأ من الطبيعة الجغرافية التي ينوون القتال فيها، مرورا بغياب الاحتضان الشعبي المعلن في المنطقة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وصولا إلى مقدرات الحزب العملية، والرد الإسرائيلي المتوقع. وبمجرد طرح تلك العوائق، يستعيد لبنانيون تجربة الحزب في القتال ضد إسرائيل بين عامي 1986 و1989، الفترة الأقسى في تاريخ الحزب الناشئ، كونه تكبّد خلالها أكبر الخسائر البشرية بصفوف مقاتليه، قبل أن يعيد تقويم عملياته العسكرية والاستفادة من الدروس، مما أتاح له ظروف النجاح الذي تحقق بتحرير جنوب لبنان في عام 2000، بأقل الخسائر البشرية الممكنة. عمليا، سيخوض مقاتلو الحزب حربا على أرض غريبة، تشبه إلى حد بعيد ميدان القتال في جنوب لبنان بعد عام 1985. وبحسب متخصصين بالجغرافيا، فإن الموقع الجغرافي للجولان يتمتع بأهمية استراتيجية وعسكرية لا يمكن تجاوزها. كما تتمتع الهضبة التي تحتلها إسرائيل، عسكريا، بميزتين دفاعية وهجومية. ومن يسيطر على هضبة الجولان، قادر على الدفاع عنه بسهولة، كما أنه قادر على تهديد المناطق المحيطة به. وتُضاف إلى تلك الميزتين، عوائق استراتيجية أخرى، تتمثل بقرب المسافة بين دمشق والجولان، 50 كيلومترا، مما يجعل الرد الإسرائيلي على أي عملية عسكرية قادرا على الوصول بالقذائف المدفعية والصواريخ المتوسطة المدى إلى عمق دمشق. كما تقف اتفاقية «فض الاشتباك» الموقعة بين سوريا وإسرائيل، برعاية أميركية، في عام 1974، عائقا أمام تقدم المقاومة إلى مقربة من هضبة الجولان، إذ تقرر بموجب الاتفاقية، انسحاب القوات الإسرائيلية من عمق الأراضي السورية إلى مواقعها قبل أكتوبر (تشرين الأول) 1973 باستثناء مدينة القنيطرة وبعض القرى المجاورة لها، مثل رويحينة وبئر عجم والمدارية وبريقة وكودنة، التي تقرر إعادتها لسوريا مقابل التزام سوري بإبعاد قواته وراء شريط يخضع لمراقبة قوات هيئة الأمم المتحدة «اندوف».

فضلا عن تلك العوائق الجغرافية، تأتي مسألة البيئة الحاضنة للمقاومة، سببا لنجاح العمل المقاوم. ففي جنوب لبنان، نفذت المقاومة عمليات كر وفر، واتخذت، بحسب التقارير الغربية، أماكن مأهولة بالسكان المدنيين، مواقع لاحتماء المقاتلين الذين يتحدر معظمهم من تلك القرى. كما اتخذوا من بعض المنازل مواقع لتخزين أسلحتهم وذخيرتهم، وهو أمر متعذر حاليا في الجولان، نظرا للخلاف الحاد بين السوريين أنفسهم على دعم النظام الحاكم، والطرف المؤيد له (حزب الله)، مما يمنع إقامة أنفاق لتخزين الأسلحة، كالتي كشفت عنها إسرائيل بعد حرب يوليو (تموز) 2006. وبذلك، يصبح الاحتضان الشعبي لمقاتلي حزب الله مستحيلا، نظرا لتجربة الحزب بالقتال إلى جانب النظام في القصير وريف دمشق، مما خلق هوة بينه وبينه المعارضين الذين يتوجّسون من أن يكون الحزب يتخذ من المقاومة ذريعة لتوسعة نطاق عملياته ضد المعارضة، وصولا إلى القنيطرة والجولان. وإذا ما دخل حزب الله فعليا في القتال على جبهة الجولان، فإنه سيقسم مقاتليه على 4 جبهات، هي جبهة جنوب لبنان (المشتعلة مع وقف التنفيذ) وجبهة القصير، وجبهة ريف دمشق، فيما يطلق عليها «معركة الدفاع عن المقامات الدينية»، ومعركة الجولان.

ووفقا لتقديرات المعارضة السورية، فإن الحزب يشارك بـ10 آلاف مقاتل في القصير، وسيحتاج إلى مثيلهم في الجولان، وضعفيهم، على أدنى تقدير، في جنوب لبنان، مما يفرض أن يكون عدد المقاتلين 40 ألف مقاتل من النخبة، علما بأن الدراسات الأميركية بعد حرب يوليو (تموز) 2006، رجحت أن يكون عدد مقاتلي النخبة في جنوب لبنان 1000 مقاتل، ويحصلون على أسلحة متقدمة وتدريب كثيف، بينما لم يعرف على وجه التحديد عدد مقاتلي القرى لكون بعضهم لا تربطه صلة مباشرة بـ«حزب الله». وعلى الطرف الآخر، لن تقف إسرائيل على الحياد، إزاء تعريض أمن شمالها للخطر. ومنذ عام 1981، تعتبر إسرائيل الجولان مقاطعة شمالية تابعة لها، ولا تعترف بأنه لا يزال محتلا، على الرغم من رفض الأمم المتحدة أن تضمه إسرائيل. وفور إعلان نصر الله المشاركة في المقاومة بالجولان، أعلنت تل أبيب أنها ستردّ بقوة، في حال نفذت سوريا تهديداتها بتنفيذ عمليات في الجولان المحتل، مشيرة إلى أن تهديد السيد نصر الله بفتح جبهة الجولان يجب التعامل معه بجدية. ويعني العمل العسكري في الجولان كسرا لاتفاق فض الاشتباك. وإذا كانت سوريا ستخرق الهدنة القائمة بين الطرفين منذ عام 1974، فإن إسرائيل سترد، وستكون السماء السورية مفتوحة أمام طائرات إسرائيل، مما يهدد مواقع الجيش السوري النظامي، والمرافق الحيوية السورية، على غرار ما حدث في جنوب لبنان. ويصبح هذا التهديد واقعيا، بعد إقرار نصر الله، ضمنيا، بأن سوريا عاجزة عن الحفاظ على الدولة، في معرض دفاعه عن إغلاق جبهة الجولان منذ اتفاق الهدنة. وقال إن المقاومة في لبنان كانت لها خصوصية، خلافا لسوريا، بغياب الدولة القوية. وبالتالي، تصبح المقاومة في سوريا مشروعة، إذا ما تم الافتراض أن الدولة في سوريا غائبة، وهو إعلان يُضاف إلى ما نُقل عن قادة معارضين سوريين أن البنية التحتية للجيش السوري القادرة على مواجهة إسرائيل باتت متهالكة، وما أثبته الخرق الجوي الإسرائيلي لسوريا بأن دفاعاتها الجوية شبه معطلة. وقد حذر، أول من أمس، الناطق الأسبق بلسان الجيش الإسرائيلي روي بن يشاي بشكل مبطن كلا من حزب الله اللبناني ونظام الأسد من مغبة تحويل الجولان إلى جبهة حرب مع إسرائيل، قائلا إن «كلا الطرفين يعرف ما هو الثمن الذي سيدفعانه في حال تنفيذ تهديداتهما بهذا الشأن».

وأضاف المسؤول العسكري السابق أنه ليس من مصلحة النظام السوري ولا حزب الله فتح «جبهة الجولان»، مضيفا أن «نصر الله غارق حتى أذنيه في مشكلاته الداخلية في لبنان، ويشعر أنه تورط في سوريا ولن يتورط أكثر، والأسد غارق في شؤونه الداخلية، ولن يتورط في مواجهة مع إسرائيل يعرف سلفا أنها ستعود عليه بالوبال».

وفي ظل صعوبة مشاركة حزب الله عمليا، بالقتال في الجولان، يُقرأ موقف نصر الله على أنه هجوم استباقي على إسرائيل التي نقلت تقارير غربية عن عزمها إقامة منطقة عازلة في الجولان، تشبه الشريط الحدودي في جنوب لبنان بين عامي 1985 و2000. ولا تقديرات، حتى الآن، بأن جبهة سوريا ستكون مفتوحة، لأن ذلك من شأنه أن يقضي على ما تبقى من الجيش السوري، ويدفع حزب الله للتهلكة العسكرية، ويضعه أمام تحديات في مواجهة جمهوره غير المقتنع بالقتال خارج الحدود.