مكالمة هاتفية للرئيس الأميركي مع ملك المغرب تطوي صفحة الخلاف حول توسيع مهام «مينورسو» في الصحراء

مسؤول مغربي لـ «الشرق الأوسط»: اتصال أوباما ليس بروتوكوليا.. ويجسد عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين

TT

طوت مكالمة هاتفية أجراها الرئيس الأميركي باراك أوباما مع العاهل المغربي الملك محمد السادس، أول من أمس، صفحة سوء الفهم والخلاف، الذي أثاره مشروع مقترح أميركي قدم لمجلس الأمن يقضي بتوسيع مهام بعثة «مينورسو» في الصحراء لتشمل حقوق الإنسان. وقال مسؤول مغربي رفيع المستوى أمس لـ«الشرق الأوسط»، في اتصال هاتفي من العاصمة السنغالية دكار، إن المكالمة الهاتفية للرئيس أوباما مع الملك محمد السادس طوت صفحة «سحابة الصيف» التي عرفتها مؤخرا العلاقات المغربية - الأميركية.

وذكر بيان للديوان الملكي أن هذا «الاتصال المهم تم الاتفاق بشأنه خلال الأيام الأخيرة بعد تبادل الرسائل بين قائدي البلدين». وأشار البيان ذاته إلى أن الملك محمد السادس «بعث يوم 12 أبريل (نيسان) الماضي برسالة إلى الرئيس أوباما عبر فيها عن الأهمية التي تكتسبها قضية الصحراء المغربية بالنسبة للمملكة والشعب المغربيين والمخاطر التي قد تنجم عن أي تغيير في طبيعة مهمة بعثة (مينورسو)». وأضاف البيان أنه في معرض رده على الرسالة الملكية بعث الرئيس أوباما برسالة إلى الملك محمد السادس يوم 18 أبريل الماضي. وواصل البيان أن قائدي البلدين نوها خلال هذا الاتصال الهاتفي بالنتائج الإيجابية التي تم التوصل إليها بفضل تبادل هذه الرسائل، في إشارة ضمنية إلى سحب واشنطن لمقترحها بشأن توسيع مهام «مينورسو» في الصحراء.

وفي سياق ذلك، أعرب العاهل المغربي عن شكره للرئيس أوباما على انخراطه الشخصي والفعال وعلى التعليمات الواضحة التي أعطاها في هذا الصدد لإدارته، مؤكدا بذلك تشبثه بالمستوى الممتاز للعلاقات مع المغرب.

وخلال هذه المكالمة الهاتفية وجه الرئيس الأميركي دعوة إلى العاهل المغربي لزيارة واشنطن في غضون سنة 2013. كما وجه الملك محمد السادس دعوة إلى الرئيس أوباما لزيارة المغرب. ونوها معا بما ستتيحه هاتان الزيارتان من آفاق. ورغم أنه لم يعلن في الرباط أو واشنطن عن موعد الزيارتين، فقد علمت «الشرق الأوسط» من مصادر دبلوماسية أفريقية في العاصمة السنغالية أن الرئيس أوباما سيزور دكار في غضون الأسابيع المقبلة في إطار جولة أفريقية. لكنه لم يتسن التأكد ما إذا كانت الجولة ستشمل المغرب أيضا أم لا.

وفي غضون ذلك، قال المصدر المغربي ذاته، لـ«الشرق الأوسط»، إن الاتصال الهاتفي للرئيس أوباما مع الملك محمد السادس ليس اتصالا بروتوكوليا، وإنما اتصال يجسد عمق العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين البلدين، ويهدف إلى الحفاظ على مستوى العلاقات المغربية - الأميركية، ويأخذ بعين الاعتبار وجهة النظر المغربية في بلورة القرار الأممي الأخير بشأن الصحراء، وهذا ما يؤكد ما نشرته «الشرق الأوسط» عقب اندلاع أزمة المقترح الأميركي بشأن «مينورسو»، حينما أشارت إلى أن مسودة القرار الأميركي كانت خطوة منعزلة للسفيرة سوزان رايس، المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة. ويرى المراقبون أن المكالمة الهاتفية للرئيس أوباما مع العاهل المغربي تحمل في طياتها أكثر من معنى، ضمنها تأكيد عمق الشراكة الاستراتيجية بين الرباط وواشنطن، وتوضيح معالم التوجه الأميركي في منطقة شمال أفريقيا، واعتبار المغرب حليفا وشريكا استراتيجيا من الدرجة الأولى، وهو ما جعل هؤلاء المراقبين ينظرون إلى أن مكالمة أوباما ستكون لها انعكاسات إيجابية على قضية الصحراء لجهة تأكيد ثبوت الموقف الأميركي من نجاعة المبادرة المغربية الهادفة إلى منح الصحراء حكما ذاتيا موسعا.

وذكر بيان الديوان الملكي المغربي أن الرئيس الأميركي أشاد بالتقدم الملموس والإصلاحات التي أطلقها الملك محمد السادس في كل المجالات، والتي تجعل من المغرب نموذجا بالنسبة للمنطقة برمتها. وأشار البيان إلى أن العاهل المغربي والرئيس الأميركي اتفقا أيضا على تكثيف مشاوراتهما السياسية وإجراء اتصالات شخصية ومباشرة منتظمة لهذه الغاية.

كما قرر قائدا البلدين، كما يضيف البيان «تعزيز العلاقات الثنائية التاريخية والعميقة، وذلك في جميع مجالات التعاون خاصة في إطار الحوار الاستراتيجي القائم منذ 2012 بين البلدين الحليفين».

وأوضح بيان الديوان الملكي المغربي أنه «تم خلال المكالمة الهاتفية إيلاء أهمية خاصة للتعاون في مجال الدفاع والأمن ومحاربة الإرهاب»، وأن «الرئيس الأميركي عبر عن الأمل في تعميق التشاور مع الملك محمد السادس حول القضايا الدولية الراهنة خاصة ملفات سوريا ومالي وفلسطين بالنظر للمعرفة والخبرة المغربيتين بشأن مختلف هذه القضايا».

وتوقف المراقبون كثيرا عند هذه النقطة «خاصة أن المغرب لعب دورا تاريخيا في عملية السلام في الشرق الأوسط، إلى جانب خبرة المغرب في المنطقة (مالي والساحل) وحنكة الجيش المغربي الذي ربح حربا ضروسا في الصحراء مع جبهة البوليساريو الانفصالية المدعومة من الجزائر، من دون نسيان الموقف المغربي الثابت إزاء الأزمة السورية»، وفقا للبيان.

وتطرح المكالمة الهاتفية لأوباما مع ملك المغرب، والتي لم تخل من رمزية سياسية، عدة أسئلة بشأن موقف جبهة البوليساريو وعرابتها الجزائر من عودة العلاقات الأميركية - المغربية إلى سكتها الطبيعية، والدفء الذي ميزها خلال العقود الماضية، بعدما راهنتا على إحداث شرخ في العلاقات بين الرباط وواشنطن، وهو ما لم يتحقق بعدما سحبت الإدارة الأميركية مشروع مقترحها القاضي بتغيير طبيعة مهمة «مينورسو»، وهو المشروع الذي رسمت له جبهة البوليساريو والجزائر سيناريوهات متعددة لو تحققت أهدافها فإنها كانت ستصيب المغرب في مقتل.