مسؤول مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية الأميركية: هجمات الحمراء 2003 بداية هروب «القاعدة» إلى اليمن

برايان فيشمان لـ «الشرق الأوسط» : أوامر الهجمات جاءت من سيف العدل من داخل إيران

TT

برايان فيشمان أكاديمي وصحافي وخبير في مكافحة الإرهاب، ومتخصص في شؤون «القاعدة»، مسؤول مكافحة التطرف الإرهابي بمؤسسة «أميركا الجديدة» معهد السياسة العامة، وأستاذ في أكاديمية «ويست بوينت» العسكرية، من أبرز خبطاته الصحافية التي كشف عنها عبر التحليل المنهجي «وثائق سنجار» التي نشرتها «الشرق الأوسط» من قبل، يقول برايان فيشمان إن دراسته لهذه الوثائق، التي أفرجت عنها وزارة الدفاع الأميركية، توفر فهما لعملية صنع القرار داخل تنظيم القاعدة، وتفسر الأسباب التي جعلت قطاعات واسعة من السنة تتخلى عن دعم «القاعدة» بالعراق.

وكشف في حوار مع «الشرق الأوسط» عن أن الوثائق تلقي الضوء على طبيعة عمل المقاتلين الأجانب في المنطقة، ووجهتهم المقبلة في ساحات الجهاد المفتوحة في باكستان والصومال واليمن.

واعتبر أن القيادة المركزية لتنظيم القاعدة أصيبت بضعف كبير، خاصة بعد مقتل زعيم التنظيم أسامة بن لادن في أبوت آباد عام 2011، ثم مقتل الليبي عطية عبد الرحمن، الذي كان يقود العمليات اليومية، إلى حد أنه بات من الممكن التساؤل متى وكيف ستعلن هزيمة التنظيم؟ ورأى أن كلفة مكافحة الإرهاب و«القاعدة» كانت غالية جدا، ومع مقتل زعيم التنظيم في مايو (أيار) 2011، في هجوم نفذه فريق كوماندوز أميركي، ثم مقتل قائد عمليات التنظيم الليبي عطية عبد الرحمن الذي كان يتولى قيادة العمليات اليومية في أغسطس (آب) 2011 في غارة شنتها طائرة أميركية من دون طيار، تلقت «القيادة المركزية لـ(القاعدة)» ضربات مؤلمة، إلى حد أن القضاء عليها كتهديد استراتيجي بات يتوقف على تصفية رجلين تلاحقهما وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) من دون هوادة، بحسب فيشمان.

وقال الخبير في مكافحة الإرهاب في «مؤسسة أميركا الجديدة» وفي «مركز وست بوينت لمكافحة الإرهاب» برايان فيشمان: «لم يبق سوى أيمن الظواهري زعيم التنظيم الحالي، وهذا كل شيء تقريبا».

وإذا تم القضاء على الظواهري، فإنه لن يبقى في واجهة التنظيم أي شخص يتمتع بالكاريزما والشرعية والحظوة يحل مكانهما، والتنظيم لن يستسلم بالتأكيد، كما رأى الخبراء.

وعمل فيشمان في السابق مديرا لقسم الأبحاث في مركز مكافحة الإرهاب، وكان أستاذا في قسم العلوم الاجتماعية في «ويست بوينت». وكان فيشمان أيضا أحد المساهمين المنتظمين في تقارير مشروع «هارموني» في مركز مكافحة الإرهاب، وأعد «الاختلال والانهيار: دروس مستفادة من داخل تنظيم القاعدة في العراق»، وشارك في إعداد «المقاتلين الأجانب في تنظيم القاعدة». وجاء معه الحوار في ذكرى مرور 10 سنوات على تفجيرات الحمراء بالرياض على النحو التالي:

* كانت الهجمات على مجمع الحمراء عام 2003 بمثابة نقطة تحول في استراتيجية المملكة العربية السعودية في مجال مكافحة الإرهاب، هل ترى أن هذا كان بداية النهاية لتنظيم القاعدة في المملكة العربية السعودية؟

- استهدفت تلك الهجمات والتمرد المدعوم من تنظيم القاعدة عام 2003 مجموعة واسعة من المرافق، وهو ما جعل الحكومة السعودية تدرك المخاطر التي يمثلها تنظيم القاعدة وجماعات مماثلة داخل المملكة العربية السعودية. وكانت الحملة الأمنية التي شنتها الحكومة السعودية فعالة للغاية. ومنذ ذلك الحين، أصبح هناك تعاون متزايد على المستوى الاستخباراتي، ولذا أعتقد أن من المهم إدراك أنه بينما كان هناك 19 سعوديا ضمن منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، وفي ظل استمرار جمع التبرعات والقيام بمثل هذه الأنشطة في السعودية، بدأ تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يتجه إلى اليمن منذ عام 2003، وكان للحكومة السعودية دور أساسي في المساعدة على التعامل مع التهديدات التي يشكلها فرع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

* ما رأيك في التقارير التي تشير إلى وجود كبار قادة تنظيم القاعدة في إيران؟ وما العلاقة بين تنظيم القاعدة وطهران؟

- ثمة تقارير كثيرة تشير إلى وجود بقايا أفراد أسرة بن لادن في إيران، بما في ذلك سليمان أبو غيث، الذي ألقي القبض عليه من فترة قصيرة مع آخرين، وهو الآن محتجز في الولايات المتحدة. ويقال إن تفجيرات الحمراء عام 2003 قد صدرت بناء على تعليمات من سيف العدل، الذي كان في إيران في ذلك الوقت. وتعد العلاقة بين أعضاء تنظيم القاعدة الذين يعيشون في إيران، والحكومة الإيرانية، أحد أكبر الألغاز خلال السنوات العشر الماضية، أو نحو ذلك، ويعود السبب في ذلك إلى أن هناك بعض الحالات التي يقوم فيها أعضاء «القاعدة» الموجودون في إيران بالمساهمة في العمليات الإرهابية، بما في ذلك الهجمات التي شهدتها المملكة العربية السعودية عام 2003. في الوقت الذي نعلم فيه أن تنظيم القاعدة وإيران لديهما أهداف وآيديولوجيات مختلفة تماما، ولا يتبنيان وجهات النظر نفسها تجاه ما يحدث في العالم، وخير مثال على ذلك ما يحدث في سوريا الآن، حيث تدعم الحكومة الإيرانية نظام الأسد، بينما يعمل تنظيم القاعدة مع بعض جماعات المعارضة.

* اعتقد كثيرون أن موت بن لادن سيضع حدا لتنظيم القاعدة والإرهاب العالمي، ولكن هذا لم يحدث، وخير مثال على ذلك الهجوم على ماراثون بوسطن في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى كشف مؤامرات إرهابية جديدة في المملكة المتحدة وكندا، ما رأيك في ذلك؟

- أعتقد أن الآيديولوجية التي يتبناها تنظيم القاعدة لم تختف تماما؛ ولكنها ما زالت موجودة. أعتقد أن التهديد الذي شكله تنظيم القاعدة قد تضاءل بشكل كبير، ولكن من الناحية الضمنية هناك بعض العوامل السلبية التي نتجت عن تدخل الغرب بصورة مباشرة في قلب العالم الإسلامي، سواء كان ذلك في أفغانستان أو العراق. وبمرور الوقت، زادت الولايات المتحدة من ضغوطها على تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية باليمن، على سبيل المثال، وهو ما حد من قدرة التنظيم على شن أي هجوم من الخارج على الولايات المتحدة أو الغرب عموما. ومع ذلك، فقد أدى هذا إلى زيادة مخاطر قيام بعض المسلمين الذين يعيشون في الدول الغربية بأعمال إرهابية، رغم أن هذا الأمر نادر الحدوث لأسباب كثيرة، منها أن الغالبية العظمى من المسلمين الأميركيين أو البريطانيين مندمجون في مجتمعاتهم، ويعيشون مثلهم مثل أي شخص عادي هناك، ويقومون برعاية أطفالهم. وعموما «القاعدة» لن تختفي تماما بالتأكيد، سيكون هناك دائما شخص ما يحمل البندقية أو يحاول وضع قنبلة يدوية الصنع باسم التنظيم، علينا أن نتعلم كيف نتعايش مع هذا الوضع، كما نتعايش في الولايات المتحدة مع واقع أنه من وقت لآخر سيظهر شخص ليقتل شرطيا أو رجلا أسود ويقدم نفسه على أنه من «النازيين الجدد». ومع ذلك، أعتقد أن الاستراتيجية التي نتحدث عنها بها بعض القصور، كما لها إيجابيات أيضا تتمثل في تقليل مخاطر شن هجمات من إرهابيين موجودين خارج البلاد، ولكنها تزيد من خطر وقوع أعمال متطرفة من الداخل.

* برايان فيشمان

* برايان فيشمان هو زميل أبحاث في مجال مكافحة الإرهاب بمؤسسة «نيو أميركا فونداشن»، وزميل بمركز مكافحة الإرهاب في مدينة ويست بوينت، ومدير متطوع بمؤسسة «بلانتير تكنولوجيز». وشغل سابقا منصب مدير أبحاث مركز مكافحة الإرهاب، وعمل أستاذا بقسم العلوم الاجتماعية في «ويست بوينت». وألف فيشمان عددا من الدراسات حول الإرهاب وتنظيم القاعدة، بما في ذلك تحقيقات قيمة حول المقاتلين الأجانب في تنظيم القاعدة في العراق، والدعم الإيراني للميليشيات الشيعية التي تقاتل القوات الأميركية في العراق. وألف كتابا باسم «خطوط الصدع في الجهاد العالمي: الشروخ العملية والاستراتيجية والآيديولوجية»، وقد قام بتحريره بالتعاون مع عساف مقدم، وينظر إلى هذا الكتاب باعتباره أفضل الكتب التي تناولت مسألة تجنيد الإرهابيين من منظور الإرهاب.

ويعد فيشمان عضوا في مجلس العلاقات الخارجية، وكان رئيس التحرير مجلة «سنتينل» التي يصدرها مركز مكافحة الإرهاب الأميركي، وقام بالتدريس كأستاذ مساعد في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورج تاون وكلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا. وقبل انضمامه إلى مركز مكافحة الإرهاب، كان فيشمان يشغل منصب مساعد الشؤون الخارجية والقانونية للنائب لين وولسي.

وحصل فيشمان على درجة الماجستير في الشؤون الدولية من جامعة كولومبيا، كما حصل على درجة البكالوريوس من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس.