أنقرة توجه اتهامات مباشرة لدمشق.. وأردوغان يحذر من «سيناريو كارثي»

المتهمون يشتبه في انتمائهم إلى منظمة «تحرير لواء الإسكندرون».. وبين القتلى 3 سوريين

ذوو ضحايا تفجيرات الريحانية ينتحبون خلال مراسم الدفن التي جرت في البلدة قرب الحدود السورية أمس (أ.ف.ب)
TT

استفاقت تركيا من «صدمة» التفجيرين اللذين استهدفا بلدة الريحانية الحدودية القريبة من سوريا، وبدا أن بوصلة الاتهام التي تفرعت في اللحظات الأولى بين النظام السوري و«المتضررين» من عملية السلام مع الأكراد قد استقرت أخيرا باتجاه النظام، بعد إعلان تركيا عن توقيف 9 من مواطنيها على خلفية التفجيرين. وقالت مصادر تركية رسمية لـ«الشرق الأوسط» إنهم قد يكونون أعضاء في ما يسمى «جبهة تحرير لواء الإسكندرون» المتحالفة مع النظام السوري والتي تضم في صفوفها علويين من إقليم هاتاي ذي الغالبية العربية.

واعتبر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن النظام السوري يحاول جر تركيا إلى «سيناريو كارثي» عبر هجمات منها ما شهدته بلدة الريحانية السبت والذي أسفر عن مقتل 46 شخصا. وقال أردوغان خلال لقاء في إسطنبول «إنهم يريدون جرنا إلى سيناريو كارثي»، داعيا الشعب إلى «التنبه وضبط النفس في مواجهة أي استفزاز يهدف إلى جر تركيا إلى المستنقع السوري».

وارتفعت حصيلة التفجيرين اللذين استهدفا بلدة الريحانية إلى 46 قتيلا، بعد وفاة 6 من الجرحى ذوي الإصابات البالغة، فيما بقي في المستشفيات نحو 50 مصابا تتراوح حالتهم بين «الخطيرة والمستقرة» كما أوضحت المصادر. وكانت قوة التفجيرين شديدة، وكانت فرق الإنقاذ تبحث عن ضحايا محتملين تحت الأنقاض كما ذكرت وكالة أنباء الأناضول التي أشارت إلى سيارات عدة مدمرة تماما بفعل قوة التفجيرين. كذلك تحطم زجاج نوافذ معظم المباني حتى مائتي متر من منطقة التفجيرين. وأفاد المصدر نفسه بأن عددا كبيرا من عناصر الشرطة العلمية كانوا يتنقلون بملابسهم البيضاء الخاصة داخل منطقة الطوق الأمني.

ويخشى المسؤولون الأتراك من أن تؤدي هذه الاعتداءات إلى زيادة التوتر بين أبناء محافظة هاتاي التي كانت تطالب سوريا باستعادتها قبل تحسن علاقاتها مع تركيا، باعتبارها أرضا سورية ضمت إلى تركيا بالقوة. ويغلب على أبناء المحافظة الطابع العلوي - النصيري الموجود في سوريا. وقد أثارت هذه المسألة حساسيات بين بعض أبناء المنطقة العلويين والمعارضين السوريين الذين كانوا يسكنون في أنطاكيا وجوارها، مما حمل السلطات التركية على الطلب من السوريين النازحين الانتقال إلى الداخل التركي لتجنب التوترات.

وبعد تأزم العلاقات مع تركيا، عاد شعار «تحرير لواء الإسكندرون» إلى الظهور، وأفادت تقارير أمنية تركية في وقت سابق بتأليف جماعة تطلق على نفسها «طيبة» و«صقور الإسكندرون»، لكن السلطات التركية حجبت موقعها الإلكتروني، كما ظهرت «جبهة تحرير الإسكندرون» التي يتزعمها علي الكيالي، وهو من أبناء محافظة هاتاي. وقيل إن هؤلاء يقاتلون إلى جانب النظام السوري.

وأكد نائب رئيس الوزراء التركي بشير أتالاي، في مؤتمر صحافي في مدينة أنطاكيا القريبة من الريحانية، أن منفذي الهجوم لم يأتوا من الجهة الأخرى من الحدود بل كانوا موجودين في تركيا. وقال «بحسب معلوماتنا فإن المنفذين أتوا من الداخل». وأضاف أتالاي أن هؤلاء الأشخاص التسعة وكلهم أتراك ينتمون إلى «منظمة إرهابية على اتصال مع أجهزة الاستخبارات السورية» مضيفا أن بعضهم أدلى «باعترافات». وقال أتالاي أيضا إن 38 من القتلى الـ46 تم التعرف إلى هوياتهم وبينهم 35 تركيا وثلاثة سوريين.

وأعلن وزير الداخلية التركي معمر غولر أن منفذي التفجيرين مرتبطون بتنظيمات موالية للنظام السوري. وقال الوزير التركي بحسب ما نقل عنه تلفزيون «تي آر تي» الحكومي على موقعه الإلكتروني إن «الأشخاص والتنظيم الذين نفذوا الهجوم عرفت هويتهم. وتبين أنهم مرتبطون بتنظيمات تدعم النظام السوري وأجهزة مخابراته».

وتوعد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو منفذي التفجيرين من أي جهة أتوا. وقال للصحافيين أثناء زيارة إلى برلين إن «المرتكبين سيدفعون ثمن فعلتهم، سواء أتوا من داخل البلاد أو من خارجها». وعندما سئل بشأن ضرورة الدعوة إلى تحرك حلف شمال الأطلسي قال «إن ذلك ليس ضروريا في الوقت الحاضر». لكن داود أوغلو رأى أن «الوقت قد حان ليقوم المجتمع الدولي بتحرك ضد الرئيس السوري بشار الأسد في ظل تزايد المخاطر الأمنية التي تتعرض لها تركيا وغيرها من جيران سوريا». واعتبر أن تفجيري الريحانية يظهران ضرورة التوصل إلى «حل عاجل» للأزمة السورية. وأشار إلى «المصادفة» بين توقيت الاعتداء المزدوج الذي استهدف مقر بلدية الريحانية، و«تسارع» الجهود الرامية لحل الأزمة في سوريا لا سيما مع الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى واشنطن الخميس. وشدد على أن بلاده لن تغير في سياستها لناحية إيواء اللاجئين السوريين، مؤكدا أن «كل من يلجأ إلى هنا فهو ضيفنا».

وقال داود أوغلو إنه يعتقد أن مقاتلين موالين للرئيس السوري بشار الأسد وراء التفجير. وقال في مقابلة مع قناة «تي آر تي» التلفزيونية التركية «لا علاقة للهجوم باللاجئين السوريين في تركيا. علاقته الكاملة بالنظام السوري». وأضاف «من المعتقد أن الضالعين في هجوم السبت هم الذين نفذوا الهجوم على بلدة بانياس السورية الساحلية منذ أسبوع».

وقد نفت سوريا بشدة الاتهامات التركية. ونقل عن وزير الإعلام السوري عمران الزعبي قوله لوسائل إعلام حكومية «سوريا لم ولن تقدم أبدا على هكذا تصرف لأن قيمنا لا تسمح بذلك.. ليس من حق أحد أن يطلق الاتهامات جزافا». وطالب الزعبي رئيس الوزراء التركي «بالتنحي كقاتل وسفاح» وفق وصفه. وقال في كلمة له أمام ندوة سياسية بدمشق «ليس من حق أحد في تركيا أن يطلق الاتهامات جزافا بحق سوريا بشأن التفجيرات التي وقعت في تركيا، فسوريا لم ولن تقدم أبدا على هذا التصرف لأن قيمنا لا تسمح لنا بذلك».

واتهم الوزير السوري تركيا بأنها «حولت مناطق الحدود إلى مراكز للإرهاب الدولي، وهي التي سهلت وما زالت وصول السلاح والمتفجرات والعبوات الناسفة والسيارات والأموال والقتلة إلى سوريا، لذلك فإن الحكومة التركية ورئيسها يتحملان مسؤولية مباشرة سياسيا وأخلاقيا تجاه الشعب التركي والشعب السوري وشعوب المنطقة».