تفجيرات الرياض.. عشر سنوات وعشرة دروس

المتطوعون للحروب غالبا ما يتحولون إلى إرهابيين - تفجيرات «الحمراء» أدت إلى تدمير البنية التحتية للتنظيم بأكمله داخل السعودية

تفجيرات «الحمراء» أدت إلى تدمير البنية التحتية للقاعدة (« الشرق الأوسط»)
TT

قبل عشر سنوات، هزت العاصمة السعودية الرياض ثلاثة تفجيرات انتحارية شبه متزامنة لمجمعات سكنية يسكنها مغتربون أجانب. وتوفي أكثر من 30 شخصا وجُرح 160 آخرون، وذلك جراء أعنف هجوم إرهابي تشهده المملكة في تاريخها. وجاءت التفجيرات صدمة لمعظم السعوديين، وسلبت من البلاد طبيعتها البريئة نسبيا على خلفية المخاوف التي خلفتها أعمال العنف الداخلية. وبعد عقود من الهدوء، أصبحت المملكة العربية السعودية فجأة مسرحا لحملة إرهابية درامية طويلة الأمد سقط جراءها العديد من الضحايا، وأفزعت الكثير من المستثمرين في النفط، قبل أن يتم سحق «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية» أخيرا في عام 2006.

من الصعب أن نبالغ في تقدير التداعيات السياسية لمثل هذه التفجيرات. فقد أحدثت تحولا هائلا في المواقف السعودية تجاه التيار الإسلامي المتطرف، وتم إجراء تأهيل كامل لجهاز الأمن الداخلي السعودي. ساعدت الحملة الإرهابية، ورد الفعل السعودي حيالها، في تغيير التصورات الغربية عن المجتمع السعودي، والتي كان الكثير منها، بالنظر إليها بأثر رجعي، معيبا ومتحيزا. وأخيرا، عادت الحملة بنتائج عكسية على تنظيم القاعدة، فقد أدت إلى القضاء عليه نهائيا داخل المملكة العربية السعودية. وباختصار، كان منحنى التعلم من هذه التجربة هائلا لجميع الأطراف المعنية. فعلى وجه التحديد، علمتنا هذه التجربة عشرة دروس مهمة عن الإرهاب والمملكة العربية السعودية:

الدرس الأول: أن الحملات الإرهابية لا تحتاج إلى أسباب هيكلية عميقة. ففي صيف عام 2003، عزا كثير من المراقبين وقوع أعمال العنف إلى ضائقة جوهرية في المجتمع السعودي نابعة من مزيج من حالة الجمود الاقتصادي والثقافة السياسية المحافظة والتشدد الديني. لكن، كما أوضحت في كتابي الذي يحمل عنوان «الجهاد في المملكة العربية السعودية»، كانت معظم أسباب هذه التفجيرات خارجية: أصبح الإرهابيون أكثر تطرفا وتلقوا تدريباتهم بالخارج، وفرضت توقيت وقوع التفجيرات الأحداث التي وقعت في أفغانستان وباكستان. وكغيرها من العديد من الحملات الإرهابية الأخرى، كانت هذه الحملة نتيجة للتطورات داخل التنظيم.

الدرس الثاني: الحروب تؤثر على الإرهاب الدولي بطرق لا يمكن التنبؤ بها. لا أحد كان يتوقع حسب اعتقادي أن سقوط العاصمة الأفغانية كابل قد يؤدي إلى وقوع عمليات إرهابية في الرياض. ويمكننا أن نتبين بأثر رجعي أن تنظيم القاعدة كان لديه منطق استراتيجي بإرسال جيشه من المتدربين السعوديين إلى المملكة ليكونوا أمام خيارين، إما الموت أو الاعتقال شبه المؤكد في أفغانستان. وبالمثل، كان للغزو الأميركي للعراق عام 2003 تأثير غير متوقع في تقويض حملة تنظيم القاعدة في المملكة العربية السعودية من خلال خلق جبهة قتال للإسلاميين السعوديين أقل إثارة للجدل - وأكثر استحقاقا للدعم المادي - من الجبهة الداخلية.

أما الدرس الثالث: فهو أن المتطوعين للحروب غالبا ما يتحولون إلى إرهابيين على الرغم من أنهم لا تكون لديهم في بادئ الأمر نوايا شريرة. لم يكن معظم السعوديين في أفغانستان عام 2001 يعتزمون الانضمام إلى تنظيم القاعدة، ولكنهم كانوا يرغبون في تلقي التدريب ليتمكنوا من القتال في الشيشان أو غيرها من مناطق الحرب. لقد أصبحوا مقاتلين أجانب تدفعهم الرغبة في مساعدة المسلمين خلال أي حرب خارجية. وبمجرد وصولهم إلى أفغانستان، قام تنظيم القاعدة بغسل أدمغتهم لينضموا بعد ذلك إلى مشروع الجهاد العالمي لابن لادن. وقبل عام 2003، كان العديد من السعوديين ينظرون إلى عمليات القتال الخارجية باعتبارها أنشطة غير ضارة نسبيا تختلف عن الأعمال الإرهابية. ومع ذلك، كان جميع منفذي تفجيرات الرياض تقريبا من المقاتلين الأجانب القدامى، وسرعان ما حدثت تبعات خطيرة.

الدرس الرابع: لا يؤيد كل الجهاديين استراتيجية الإرهاب العالمي التي كان يتبناها أسامة بن لادن. وفي الواقع، أطلق على الإسلاميين الأكثر تطرفا في المملكة العربية السعودية مسمى «الجهاديين الكلاسيكيين»، فهم يوافقون على القتال في مناطق الحرب مثل الشيشان، في حين لا يوافقون على القتال في مناطق لا يوجد أي نزاع عليها مثل المملكة العربية السعودية. وقبل عام 2003، أخطأ العديد من المراقبين الغربيين في النظر إلى الجهادية الكلاسيكية باعتبارها جهادية عالمية والمبالغة في تقدير حجم الدعم الموجه لتنظيم القاعدة داخل المملكة العربية السعودية. أصبح الدعم النسبي لكل من الجهادية الكلاسيكية والعالمية واضحا للغاية بعد عام 2003، حينما توافد المتشددون السعوديون من الشباب على العراق تاركين «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية» في أمس الاحتياج إلى مجندين.

الدرس الخامس: لا يعتبر التيار الإسلامي المتطرف تهديدا لوجود النظام السعودي. ففي عام 2003، اعتقد بعض المراقبين الغربيين أن السعودية ربما لا تتحمل هذا، وتوقع كثيرون أن يتصاعد العنف إلى حالة تمرد حقيقية واضحة. نحن نعلم الآن أن تنظيم القاعدة لم تكن أمامه فرصة للنجاح مطلقا، لأنه لم يحظ بدعم شعبي، ونظرا لأن محور التنظيم كان متمثلا في شبكة مغلقة من المحاربين القدامى الأفغان، بحيث كان من السهل اعتقالهم بمجرد التعرف عليهم.

ويتمثل الدرس السادس: في أن الإرهابيين عادة ما يقومون بحسابات استراتيجية خاطئة جدا. كان قرار تنظيم القاعدة إطلاق حملة إرهابية في المملكة العربية السعودية مدمرا، نظرا لأنه أدى لتدمير البنية التحتية للتنظيم بأكمله داخل المملكة، بما في ذلك شبكات اللوجيستيات التي ربما كان بإمكانهم الاستمرار في الانتفاع بها لفترة أطول بكثير.

وكما توقع عبد الرحمن الراشد في هذه الصحيفة منذ عشرة أعوام «أطلق المتطرفون، باستهدافهم نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، النار على أقدامهم، في حين أطلقوا النار على رؤوسهم بتنفيذهم تفجيرات الرياض».

على غرار مراقبين غربيين، بالغ أسامة بن لادن في تقدير الدعم الشعبي السعودي لتنظيم القاعدة. وكما هو الحال بالنسبة للعديد من الإرهابيين، فقد الاتصال بجمهور أنصاره الأصليين، حيث استسلم لإغراء القيام بعمل إرهابي فيما كان الانتظار هو الخيار الأفضل.

سابعا: كان أعضاء تنظيم القاعدة السعودي أشبه بالإرهابيين في جميع المناطق الأخرى. كانوا رجالا شبابا من بيئات حضرية انضموا لبعضهم البعض عبر شبكات اجتماعية، في الأغلب بحثا عن صداقات حميمة وحبا في المغامرة. ثمة دليل محدود على وجود «عامل قبلي» أو «تطرف جنوبي» في ملفاتهم الشخصية. كانت الآيديولوجية المحفزة لهم في شكل بدائي جدا، وليس نظاما دينيا مفصلا. كان الاعتقاد الأكثر شيوعا هو أنه كانت تتم إبادة المسلمين من قبل غير المسلمين. فقط عدد محدود من أعضاء التنظيم هم من كان لديهم اهتمام قوي جدا بأدق نقاط آيديولوجيتهم. ثامنا: يمكن أن تمد التكنولوجيا يد العون للإرهابيين، لكنها عادة ما تحابي الحكومات على المدى الطويل. في الجزء الأول من الحملة استغل المسلحون شبكة الإنترنت والهواتف الجوالة والكاميرات الرقمية في تحقيق أقصى استفادة تكتيكية ممكنة. ومع ذلك، سرعان ما لاحقت السلطات هؤلاء المسلحين وطورت إمكانات تعقب ومراقبة عرقلت بشكل حاد قدرة أعضاء تنظيم القاعدة على التواصل أو التنقل.

تاسعا: تعمل جهود مكافحة الإرهاب على أفضل نحو ممكن حينما يتم استهداف الإرهابيين وتحديد مواقعهم. لقد كان رد الفعل السعودي تجاه تفجيرات الرياض ناجحا نسبيا لأنها كانت مقيدة. يعج التاريخ بأمثلة لحكومات استجابت للإرهاب بشن هجوم ضد عدو خفي، ومن ثم توليد تظلمات جديدة أدت لتفاقم المشكلة. وعلى عكس الجزائر ومصر في تسعينات القرن العشرين، لم تقم المملكة العربية السعودية بحملة اعتقالات ضخمة، ويبدو أنها قد امتنعت عن التعذيب الممنهج. علاوة على ذلك، فقد طورت برنامجا لإعادة تأهيل السجناء والذي، على الرغم من بعض القضايا المثارة، يعتبر أفضل من معظم البدائل. بالطبع ليس كل شيء ورديا: على غرار الولايات المتحدة ودول أخرى، تواجه السعودية مشكلة مع المحتجزين ممثلة في الأفراد الذين يبدو أن الحكومة لا ترغب في محاكمتهم، مع كونهم خطرين جدا بحيث لا يمكن إطلاق سراحهم.

أخيرا وليس آخرا، لم ينته الأمر بعد. ليس من المحتمل أن تبدأ حملة إرهاب في المملكة العربية السعودية عما قريب، لكن التهديد من الهجمات الخاصة المميزة سوف يستمر على الأقل لمدة 10 سنوات أخرى. إن فرع تنظيم القاعدة اليمني «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» يحقق تقدما ويرغب في تحويل معركته إلى المملكة العربية السعودية. لتنظيم القاعدة تاريخ طويل، وإرث منفذي تفجيرات الرياض محفوظ في الدعاية على الإنترنت ولدى الأفراد الذين يعرفونهم معرفة شخصية. سوف يرغب شخص ما في إنهاء ما بدأه بن لادن قبل عشر سنوات. ونحن مدينون لضحايا التفجير الأول بمنع حدوث ذلك.

* باحث «نرويجي» من جامعة ستانفورد بأميركا متخصص في الجماعات الدينية الإسلامية.. له أطروحة جامعية عن «القاعدة والجهاد في السعودية»

* خاص بـ«الشرق الأوسط»