لبنان: سلام يجري اتصالات ربع الساعة الأخيرة.. ولا ملامح وفاق على قانون انتخاب

مصادر الرئيس المكلف: الوقت يضيق.. وحكومة من 14 وزيرا محايدا أحد الخيارات

TT

لم تلق تمنيات تمام سلام، الرئيس المكلف تشكيل حكومة لبنانية جديدة، ودعوته الفرقاء اللبنانيين إلى تسهيل التأليف بعد التكليف، آذانا صاغية، مع تسلحه برفض إعطاء الثلث المعطل داخل الحكومة (الثلث زائد واحد) لأي فريق سياسي، سعيا منه للحفاظ على توازنات دقيقة وعدم تمكين أي فريق من أن يشكل الكفة المقررة أو المعطلة داخل الحكومة المقبلة.

ولا تقل التعقيدات التي يواجهها سلام في تأليف حكومته عن التعقيدات التي تحيط بقانون الانتخاب، في الساعات الفاصلة عن موعد الجلسة التشريعية التي دعا إليها رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري والمقررة الأربعاء المقبل 15 مايو (أيار).

المشاورات والاتصالات التي يقوم بها كل من المطران بولس مطر، مكلفا من البطريرك الماروني بشارة الراعي، على خط إيجاد توزيع جديد للدوائر الانتخابية، وحراك النائب السابق لرئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، على خط قانون «اللقاء الأرثوذكسي»، الذي ينص على أن تنتخب كل طائفة نوابها، إضافة إلى اجتماعات تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية على خط القانون المختلط، الذي يزاوج بين صيغتي النسبية والأكثرية، لم تؤد وظيفتها بعد. والأكيد حتى اللحظة أن موعد الانتخابات النيابية بات مؤجلا لأسباب عدة، ظاهرها تقني. ولا يتردد عدد من القوى السياسية في أن يبدي خشيته من أن يسقط التمديد التقني لموعد الانتخابات في حال عدم الاتفاق على قانون انتخاب جديد، ويتحول بعدها إلى تمديد «سياسي» قد يطول أمده على إيقاع الأزمة السورية.

وإذا كانت أكثرية الكتل النيابية تبدي رفضها العودة إلى قانون الستين الأكثري، المعمول به في الانتخابات الأخيرة، بعد تعديلات لحقت به في اتفاق الدوحة عام 2008، فلا تزال حظوظ قانون «اللقاء الأرثوذكسي»، الذي ينص على أن تنتخب كل طائفة نوابها، هي الأقوى. مصادر مسيحية تقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الإجماع المسيحي بين ضفتي (8) و(14 آذار) لا يزال متينا على (الأرثوذكسي)، وبعض هذه القوى وإن كانت تعطي فرصة للتوافق على قانون توافقي بديل، على أن يتضمن الأسباب الموجبة لقانون اللقاء الأرثوذكسي، في مقدمها تحسين التمثيل المسيحي، لكنها إذا ما انتهت الأمور إلى التصويت، في غياب الاتفاق على قانون جديد، فهي لن تتردد في التصويت إلى جانب القانون الأرثوذكسي». وسبق لحزب الله أن أعلن مرارا تصويته إلى جانب «الأرثوذكسي» عندما يطرح على التصويت. وتذهب هذه المصادر إلى حد التأكيد على أن مسيحيي «14 آذار»، حلفاء تيار المستقبل، الرافض الأول لقانون اللقاء الأرثوذكسي، لن يترددوا في التصويت إلى جانب «الأرثوذكسي» إذا انحسر الخيار بينه وبين قانون الستين الأكثري النافذ.

موقف تيار المستقبل، الذي هدد بمقاطعة الجلسة النيابية بعد غد، إذا كان قانون «اللقاء الأرثوذكسي» على جدول أعمالها، عبر عنه أمس رئيس كتلته النيابية، رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، الذي أشار إلى وجوب أن «يصار إلى الاتفاق على قانون جديد يحظى بموافقة ورضا جميع الفرقاء اللبنانيين ويحافظ على قاعدة العيش الواحد بين اللبنانيين، لا أن يصار إلى التفريق بينهم على نسق ما يقترحه ما سمي اقتراح (القانون الأرثوذكسي) الذي ليس فيه أي شيء ينسجم مع الدستور اللبناني ومع اتفاق الطائف».

في الشأن الحكومي، يصر الرئيس سلام على تشكيل حكومة لا يتمتع داخلها أي فريق بأكثرية الثلث المعطل. وقد أكد أمس من دارته في محلة المصيطبة في بيروت أنه يسعى «إلى حكومة مصلحة وطنية»، لافتا إلى أن موعد إعلان حكومته «مرهون بعوامل عديدة وبالمشاورات التي ما زالت قائمة مع العديد من الأطراف السياسية»، مؤكدا انفتاحه الكامل على جميع القوى.

وفي موازاة تعثر سلام، حتى اللحظة، في التوصل إلى مسودة تشكيلة حكومية من 24 وزيرا يمثل داخلها كل من فريقي «8» و«14 آذار» بثمانية وزراء، على أن يتقاسم الرئيس اللبناني ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط وسلام المقاعد الثمانية الباقية، أي وفق توزيع لا يعطي أي فريق الأكثرية داخل الحكومة (8+1)، لاقت الأنباء عن نية سلام الإعلان عن تشكيل حكومة في اليومين المقبلين تضم 14 وزيرا محايدا سلسلة من ردود الفعل من فريق «8 آذار»؛ إذ عكست مواقف حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل، على لسان نوابهم ووزرائهم، رفضا مطلقا لما سموه حكومة «أمر واقع»، وهو ما وصفه محللون سياسيون بأنه عبارة عن «تهديدات مبطنة» لسلام.

لكن مصادر الرئيس المكلف قالت لـ«الشرق الأوسط» أمس إنه «إذا أراد كل طرف أن يطلق على حكومة لا تعجبه تسمية (حكومة أمر واقع)، فهذا شأنه»، مستغربة «كيف يعتبر البعض أن من شأن تشكيل حكومة محايدة أن يهدد الاستقرار الوطني». وأكدت أن رد الرئيس المكلف على هذه المواقف هو «أننا نعيش في بلد ديمقراطي، ولكل طرف الحرية في التعبير عن رأيه كما يشاء»، مشددة على أن سلام «يريد حكومة مصلحة وطنية».

وأوضحت مصادر سلام أن «تشكيل حكومة من 14 وزيرا محايدا هي أحد الخيارات المطروحة والممكنة اليوم، لكن لا يمكن القول إنها الخيار الوحيد، انطلاقا من أن الاتصالات في الساعات المقبلة قد تؤدي إلى تغيير الصورة»، لافتة إلى أن موعد الإعلان عن التشكيلة الحكومية «رهن التطورات؛ إذ إن الرئيس المكلف على اتصال مع الكتل السياسية كافة، وعلى ضوء هذه الاتصالات سيأخذ الموقف الذي يخدم المصلحة الوطنية»، وأضافت: «قد يتم إعلان الحكومة خلال ساعات، أو قد يتريّث لأيام، لكن الأكيد أن الوقت يضيق ولم يعد ممكنا الحديث عن الانتظار لأسابيع».

وتزامنت اتصالات سلام في بيروت مع زيارة مفاجئة قام بها رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط إلى السعودية ليل أول من أمس، حيث التقى رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في منزله بجدة، يرافقه نجله تيمور والوزير وائل أبو فاعور. كما زار جنبلاط رئيس جهاز المخابرات السعودي الأمير بندر بن سلطان.

وأفاد بيان صادر عن مكتب الحريري أنه بحث وجنبلاط «المساعي التي يجريها الرئيس المكلف لتشكيل الحكومة، وفي مختلف المشاريع المطروحة لقانون الانتخابات، إضافة إلى آخر التطورات في سوريا وضرورة مواجهة مشاريع زج لبنان في الصراع السوري بصفتها مشاريع تهدد العيش المشترك ومصالح اللبنانيين الوطنية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية لحساب مصالح خارجية لا تمت إلى لبنان واللبنانيين بصلة».

وقالت مصادر سلام لـ«الشرق الأوسط» تعليقا على زيارة جنبلاط إلى السعودية إن «الرئيس المكلف على تنسيق تام مع جنبلاط الذي يقوم بكل المساعي من أجل تسهيل مهمة سلام»، مؤكدة في الوقت عينه أن «الأخير يعمل وفق قناعاته الوطنية وينتظر حصيلة الاتصالات التي يجريها ليبني عليها ويتخذ قراراه».

وفي سياق متصل، قال الكاتب والمحلل السياسي علي الأمين لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا نص دستوريا يلزم سلام بالاستجابة لطلبات الكتل النيابية حكوميا، وهو يجري استشارات غير ملزمة يقدم على أساسها تشكيلته الحكومية إلى المجلس النيابي، الذي يقرر أن يمنحها الثقة أو يحجبها». ورأى أن «منطق سلام في تشكيل حكومة من دون ثلث معطل وحديثه عن وزراء حياديين، يكتسب قوته من خلال تجربة السنوات الماضية؛ إذ عجزت حكومات الوحدة الوطنية عن إدارة شؤون البلد وتحولت إلى حكومات تضم قوى غير منسجمة وغير قادرة على تقديم برنامج عمل وتعمل وفق منطق المقايضات».

وأشار الأمين إلى أنه من «مصلحة لبنان تشكيل حكومة وسطية، لا غلبة فيها لأي فريق من (8) أو (14 آذار) لكي لا تتحول الحكومة مسرحا جديدا للصراعات، كما يفترض بهذه الحكومة أن تشرف، وفق ما يقوله سلام، على الانتخابات، وبالتالي من المفيد أن تكون مؤلفة من عناصر غير مرشحة للانتخابات وغير منفرة لأي من القوى السياسية».

وفي إطار أبرز المواقف السياسية في بيروت، حذر وزير حزب الله في حكومة تصريف الأعمال محمد فنيش من أنه عندما «تتحول فرصة التوافق على سلام إلى تشكيل حكومة ما يسمى (حكومة الأمر الواقع)، تصبح تهديدا للواقع وللاستقرار الداخلي، وبالتالي لا يمكن أن تكون منسجمة مع عنوان حكومة المصلحة الوطنية التي لا تكون إلا بمشاركة جميع القوى، لا سيما في هذه الظروف السياسية والأوضاع الأمنية والانقسام وما يجري بالمنطقة».