صراع بين الجيش والحكومة الإسرائيلية حول الميزانية العسكرية

ألوف الإسرائيليين يخرجون إلى الشوارع مجددين حملة الاحتجاج الكبرى

TT

لم تفد الجيش الإسرائيلي صرخاته التي حذر فيها من «أخطار الصواريخ السورية» و«التهديدات الحربية والتسلح النووي من إيران»، إذ ما زالت وزارة المالية تصر على تقليص ميزانيته بـ1.15 مليار دولار (من 17 مليارا حتى الآن إلى 15.85 مليار دولار)، وهو في المقابل يصر على عدم المساس بها. وشهدت أروقة الحكم الإسرائيلية صراعا مريرا، أمس، حول الموضوع، أجّل الحسم فيه يوما آخر بسبب تفاقم الخلافات.

وحاول قادة الجيش وفي مقدمتهم رئيس الأركان بيني غانتس، ووزير الدفاع موشيه يعلون، مسنودين برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، صد محاولات وزارة المالية، مهددين بوقف التدريبات العسكرية الحالية بوتيرة محمومة تحت شعار «الاستعدادات لمواجهة الأخطار»، لكن المالية أصرت على أن في الجيش تبذيرا كبيرا ومصاريف سمينة كثيرة تقليصها لا يؤثر على قدرات الجيش الحربية. واتهم العسكريون وزير المالية، يائير لبيد، بالخوف من كبار الأغنياء فلا يفرض عليهم ضرائب. ورد الوزير بأن الجيش يجعل من ميزانيته بقرة مقدسة.

وجند جنرالات كبار سابقون في المعركة، فحذروا من «الانعكاسات الخطيرة التي قد تترتب على تقليص ميزانية الدفاع. وأوضحوا أن مثل هذا التقليص سيلزم خفض عدد التدريبات وتجميد مشاريع تتعلق بالتزود وابتياع العتاد والأسلحة مما سيمس بمستوى الأمن بشكل ملحوظ. وقالوا إن «التغييرات الإقليمية لا تسمح بإدخال تقليصات على ميزانية الدفاع رغم الاعتقاد السائد بأن التهديد الفوري بنشوب حرب قد تضاءل بشكل ملموس». وفي غضون ذلك قال وزير الاقتصاد نفتالي بينت من حزب المستوطنين «البيت اليهودي» إنه حان الوقت لأن تتحمل الدوائر الأمنية بعض العبء الملقى على عاتق الجمهور الإسرائيلي في ما يخص ميزانية الدولة. واعتبر بينت أن النقاش حول ميزانية الدفاع يتعلق بالقيم والمبادئ، وهو ليس نقاشا اقتصاديا محضا. وأضاف بينت أنه خلال جلسة اللجنة المالية التابعة للكنيست، أمس، أن الإجراءات التقشفية التي ينص عليها مشروع الميزانية تستهدف سد العجز الكبير في الميزانية ولا تتناول القضايا الأساسية لدولة إسرائيل نظرا لضيق الوقت.

يذكر أن ميزانية الجيش الإسرائيلي تضخمت في السنوات الأخيرة بشكل هائل، إذ بلغت في سنة 2006 نحو 12 مليار دولار. وقفزت من سنة إلى أخرى بطريقة الخداع والحيل إلى 17 مليارا، إذ كانت الحكومة تقرر تقليصها بنصف مليار، لكن الجيش ووزارة الدفاع، مسنودين بموقف نتنياهو، كانا يطلبان زيادات طارئة. فيزحف المبلغ إلى أعلى، سنة تلو الأخرى حتى بات بهذه الضخامة. وتعمد مسؤولون في وزارة المالية أن ينشروا في وسائل الإعلام معلومات عن رواتب التقاعد للضباط، وإذا بها تصل إلى نحو 5000 دولار في الشهر، علما بأن سن التقاعد في الجيش هي 46 عاما، وكل ضابط برتبة رائد فما فوق يحصل على تعويضات إنهاء الخدمة بقيمة 1.1 مليون شيقل على الأقل (300 ألف دولار).

وكانت الحكومة قد قررت تقليص موازنة الدولة بمبلغ 20 مليار شيقل (5.6 مليار دولار)، لسد العجز. وجاءت اقتراحات المالية بتقليص كبير في ميزانيات التعليم والصحة والرفاه ومخصصات التأمين. ووجهت ضربات اقتصادية قاسية للشرائح الاجتماعية المتوسطة والفقيرة، لدرجة فرض ضريبة على دفن الموتى. وراح الوزراء يصارعون، كل يحاول منع تقليص وزارته. وجرت الاتصالات على قدم وساق على مدار الساعة بين ممثلي الوزارات المختلفة وبين وزارة المالية. وأشارت صحيفة «معاريف» إلى أن ستة وزراء يهددون بالتصويت ضد الميزانية، منهم وزير المياه والطاقة سيلفان شالوم، ووزير حماية البيئة عمير بيرتس، ووزير الاتصالات جلعاد أردن، ووزير المواصلات يسرائيل كاتس. وانضم إليهم يوم أمس وزير السياحة عوزي لانداو، والوزير أروي أرئيل. فقال وزير المالية إن وزراء ونواب الأحزاب الائتلافية يتصرفون معه كما لو أنهم في المعارضة.

وفي المقابل، خرج إلى الشوارع في تل أبيب، الليلة قبل الماضية، نحو 12 ألف شخص يتظاهرون ضد الضربات الاقتصادية. وتظاهر بضع مئات في حيفا ومثلهم في القدس الغربية احتجاجا على الموازنة. وأكد عدد من قادة المتظاهرين على أن حملة الاحتجاج الجماهيري الاجتماعي، التي سادت إسرائيل في صيف 2011، سوف تتجدد، وأن خروج 12 ألفا في أول طلقة في الحملة يعتبر مشجعا جدا. وقد رفعوا شعارات تطالب بالعدالة الاجتماعية مثل: «الشعب يريد عدالة اجتماعية» و«خذوا من الأثرياء وليس منا». واتهمهم لبيد بأنهم «يتظاهرون ضد أنفسهم». وتهدد البلديات الإسرائيلية بمباشرة إعلان إضراب عام، ابتداء من اليوم، احتجاجا على تقليص ميزانياتها.