الملك محمد السادس يدخل على خط الأزمة السياسية الناتجة عن قرار «الاستقلال» الانسحاب من حكومة ابن كيران

عاهل المغرب وعد شباط باستقباله لاتخاذ الموقف الملائم.. والبقاء فيها رهين بنتيجة اللقاء

صورة ارشيفية للعاهل المغربي الملك محمد السادس لدى تعيينه عبد الاله ابن كيران رئيسا للحكومة عقب انتخابات نوفمبر 2011 ( أ. ف. ب)
TT

دخل العاهل المغربي الملك محمد السادس على خط الأزمة السياسية التي أثارها قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال (برلمان الحزب) بالانسحاب من حكومة عبد الإله ابن كيران، وذلك بمقتضى الفصل 42 من الدستور، الذي يعتبر الملك ضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها والساهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات الدستورية. وهذه أول أزمة سياسية يعرفها المغرب منذ إقرار دستور أول يوليو (تموز) 2011.

وفي غضون ذلك، قال قيادي في حزب الاستقلال، إن «استمرار حزبه في المشاركة في حكومة ابن كيران يبقى أمرا واردا، وأن الحسم النهائي في قرار الانسحاب من عدمه يظل معلقا بالنتائج التي سيسفر عنها اللقاء الذي سيخص به العاهل المغربي، أمين عام الحزب، حميد شباط».

وكان المجلس الوطني لحزب الاستقلال قد قرر مساء أول من أمس خلال اجتماعه العادي في الرباط، بالإجماع الانسحاب من الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، والاحتكام إلى الملك محمد السادس بشأن هذا القرار، كما خول قيادة الحزب الحسم في هذا القرار.

ومن جهته، أعلن عبد الإله بن كيران، رئيس الحكومة المغربية، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الليلة قبل الماضية، أنه وحده المخول التعليق على موقف حزبه بشأن قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة باعتباره الناطق الرسمي باسم الحزب. ولم يصدر عن ابن كيران أي تعليق، كما أن قياديي الحزب امتنعوا بدورهم عن الإدلاء بتصريحات عقب هذا البيان.

وأعلن حزب الاستقلال أن الملك محمد السادس، الذي يوجد حاليا في فرنسا في زيارة خاصة، اتصل بالأمين العام للحزب مباشرة بعد إعلان المجلس الوطني الانسحاب من الحكومة، وطالب استمرار وزراء الحزب في مهامهم لضمان السير العادي للمؤسسات، الأمر الذي استجابت له قيادة الحزب «خدمة للمصلحة العليا للوطن».

وفي السياق ذاته، قال شباط، إن قيادة الحزب ستحترم وستدافع عن قرار المجلس الوطني، مشيرا في تصريحات صحافية عقب انتهاء أشغال المجلس أن «حيثيات قرار الانسحاب واضحة، وتتمثل في أن الحزب استنفد صبره» وأضاف: «منذ تقديم المذكرة الأولى في الثالث من يناير (كانون الثاني) الماضي، والمذكرة الثانية، واللقاءات التي كانت داخل التحالف الحكومي قلنا إننا سنظل أوفياء لمطالب الشعب المغربي وسنظل داخل الحكومة، لكن ما نلاحظه اليوم هو أن رئيس الحكومة يتهرب من تحمل المسؤولية في كل المشكلات التي تطرح».

وأشار شباط إلى أنه «سيفتح حوارا جادا حول ما إذا كانت ستتم الاستجابة لمطالب المواطنين عبر حزب الاستقلال في الحفاظ على القدرة الشرائية، وفي الخروج بسرعة من هذه الأزمة وفتح حوار اجتماعي حقيقي مع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين»، وهو ما اعتبر تلميحا لرغبة الحزب في الاستمرار في الحكومة إذا ما تمت تلبية مطالبه، وأن موقف المجلس الوطني مجرد ورقة ضغط على حكومة ابن كيران لقبول التعديل الحكومي.

من جهته، قال لحسن فلاح، عضو اللجنة التنفيذية للحزب (أعلى هيئة تقريرية) لـ«الشرق الأوسط»، إن «اللجنة التنفيذية اجتمعت بشكل طارئ الليلة قبل الماضية مباشرة بعد اتصال الملك محمد السادس بالأمين العام للحزب». وأضاف: أن الملك محمد السادس وعد شباط باستقباله، لذلك قررنا الانتظار إلى حين عودة الملك من فرنسا، وعلى ضوء نتائج ذلك الاستقبال سنتخذ الموقف اللازم.

وأوضح فلاح، أن «اللجنة بصدد صياغة المذكرة التي ستقدم إلى الملك محمد السادس وفيها سيوضح الحزب الأسباب التي دفعت مجلسه الوطني إلى اتخاذ قرار الانسحاب من الحكومة، ومن المرجح أن ننتهي من صياغتها مساء اليوم(أمس)».

وأشار فلاح إلى أن «أسباب انسحاب الحزب من الحكومة باتت معروفة، فالجميع أصبح مقتنعا بوجود خلل في التسيير الحكومي، الأمر الذي نبهنا إليه أكثر من مرة إلا أننا لم نلق أي استجابة من رئاسة الحكومة، لذلك لم يبق حل أمامنا سوى تفعيل الدستور واللجوء إلى التحكيم الملكي». وأضاف فلاح أن الملك تفاعل بشكل فوري مع هذا المطلب.

وردا على سؤال حول السيناريوهات المطروحة في الأيام المقبلة، قال فلاح: «لا يمكن التكهن بأي شيء إلا بعد لقاء شباط مع الملك الذي أتوقع أن يعقد في غضون الأسبوع المقبل».

وأضاف المسؤول الحزبي: أن «حلفاءنا في الغالبية، وعشية انعقاد اجتماع المجلس الوطني ظلوا يرددون أن مطالبة حزبنا بالانسحاب من الحكومة مجرد مسرحية لكننا اليوم نقول إن كل شيء وارد». واستدرك قائلا: «لكن إذا كان وجودنا في الحكومة ضروريا للبلاد فسنستمر، لأن ما دفعنا إلى اتخاذ القرار هو أن الأمور لم تكن على ما يرام، أما إذا انتفت الأسباب فسنبقى أعضاء في الائتلاف الحكومي».

وكان المجلس الوطني للحزب قد أعلن مساء أول من أمس أنه قرر الاحتكام للدستور كوثيقة تعاقدية متينة واللجوء للفصل 42 منه الدستور الذي ينص على أن الملك رئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها والحكم الأسمى بين مؤسساتها يسهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي.

وشرح برلمان الحزب الأسباب التي دعته إلى إعلان الانسحاب من الحكومة، وذكر أن حزب الاستقلال «كان سباقا لإثارة الانتباه إلى الخطورة البالغة التي تكتسيها المؤشرات المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية واقترح حلولا وبدائل عملية للأزمة التي زادها الإهمال والعجز الحكومي على المواجهة استفحالا واستعصاء بل على عكس ما كانت ولا تزال تفرضه وتحتمه هذه الأزمة، فإن الحكومة لجأت إلى اتخاذ قرارات وتدابير انعكست سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين وعطلت الحوار الاجتماعي بين فرقاء الإنتاج، وتسببت في سيادة مظاهر الشعبوية والفوضى والارتجال والتخويف والقلق مما ساهم بشكل كبير جدا في الدفع بالبلاد نحو ما يمكن أن نصفه اليوم بالمجازفة والغموض».

وأشار المصدر ذاته إلى أن الحزب استنفد جميع إمكانيات التنبيه والنصح وأوفى بجميع التزاماته تجاه حلفائه وتجاه ما تقتضيه الظروف الدقيقة التي تجتازها البلاد في ظل سيادة معطيات اقتصادية واجتماعية. إلا أن رئاسة الحكومة غضت الطرف عنها.

ورفض نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية المشارك في الحكومة التعليق على قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لا تعليق إلى حين اجتماع الأجهزة المسؤولة داخل الحزب». كما علمت «الشرق الأوسط» أن أحزاب الغالبية لم تجتمع في ما بينها لمناقشة هذا الموضوع.