مفتي صيدا يتمرد على قرار مفتي الجمهورية.. ويقرر البقاء في موقعه

فصول أزمة دار الفتوى اللبنانية تتوالى.. وقباني: جهات سياسية تثير النزاع لمواجهتي

TT

تتوالى فصول أزمة دار الفتوى اللبنانية مع استمرار الخلاف القائم بين مكوناتها واعتراض عدد كبير من أعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، بينهم رؤساء الحكومات اللبنانية، الأعضاء حكما في المجلس، على أداء مفتي الجمهورية اللبنانية محمد رشيد قباني. وفي تطور جديد ينذر بمزيد من الانقسام «السياسي» الفاقع داخل دار الفتوى، عين قباني أمس بالتكليف الشيخ أحمد نصار مفتيا لمدينة صيدا وأقضيتها، باعتبار انتهاء مدة تكليف المفتي الحالي سليم سوسان، المقرب من تيار المستقبل. لكن سوسان أعلن رفضه الامتثال لقرار المفتي واستمراره في القيام بمهامه، انطلاقا من ثقة الناخبة، محذرا من أن تؤدي هذه الخطوة إلى «كثير من الإرباك وكثير من تداخل الأمور بعضها في بعض وقد تؤدي إلى فتن في مواقع هذا القرار».

وتأتي هذه الخطوة بعد قرابة شهر تقريبا على إصرار قباني على إجراء انتخابات المجلس الشرعي، رافضا الاعتراف بتمديد المجلس القديم لنفسه، وإعلانه فوز عدد من الأعضاء بالتزكية نتيجة مقاطعة واسعة. ولم يعترف رؤساء الحكومات اللبنانية، وهم الرئيس المكلف تمام سلام، وكل من رؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة، ممثلا نفسه والرئيس سعد الحريري، بنتائج الانتخابات التي أجراها قباني، وسارعوا في 17 أبريل (نيسان) الماضي إلى إعلان بطلان هذه النتائج بالتزامن مع تصديقها من قبل قباني.

ورأى عضو المجلس الشرعي المحامي محمد مراد لـ«الشرق الأوسط» أن «ما صدر عن المفتي يستدعي التذكير بأنه سبق لقباني أن كلف سوسان بمهام الإفتاء في صيدا لسنوات متتالية، واستطاع هذا الرجل المعطاء أن يحدث حالة تضامنية في المدينة وأعطى لموقع الإفتاء فاعلية منقطعة النظير». وقال إن مرد قرار قباني إلى أن سوسان «لم يستجب لرغباته الشخصية عندما أعلن خلافا للقانون والأحكام القضائية عن موعد إجراء انتخابات المجلس الشرعي»، لافتا إلى أن قباني «راح بعدها يعرض على الكثير من المشايخ، ما اعتبره عرضا مغريا، لجهة التكليف بمهام الإفتاء في صيدا، فأدرك المعنيون سلفا ما سيقدم عليه المفتي». وذكر مراد أن «أعضاء الهيئة الناخبة وأعضاء المجلس الشرعي في صيدا تداعوا إلى توقيع عريضة طالبوا فيها المجلس الشرعي بإصدار قرار باستمرار عمل سوسان بمهام الإفتاء، لما يشكل من ضمانة واستقرار لعمل المؤسسات الإسلامية في صيدا، عقد على إثرها جلسة طارئة للمجلس قرر فيها استمرار عمل سوسان كما عدد من المفتين في المناطق». وشدد مراد على أن «قرار قباني لا يشكل انتهاكا للقانون، فحسب إنما يشكل اعتداء صارخا على إرادة الناخبين في صيدا»، مؤكدا أنه «لا قيمة قانونية على الإطلاق لهذا القرار، خصوصا أن قرار المجلس الشرعي نشر في الجريدة الرسمية في التاسع من الشهر الحالي، كما أنه لا قيمة معنوية له أيضا إذ يراد من خلاله الفتنة لا الوحدة».

وكان المفتي قباني قد استبق أي انتقادات قد توجه إلى خطوته هذه بالتأكيد، خلال تسليمه قرار التكليف لنصار أمس، على أن «ما تسمعون عنه من خلافات حول دار الفتوى لا يهم دار الفتوى ولا مفتي الجمهورية في شيء، باعتبار أن مفتي الجمهورية يقوم بواجباته النظامية سواء في دعوته بانتخاب مجلس شرعي جديد بعد تمديد متكرر لمدة ثلاث سنوات زيادة على مدته الأساسية البالغة أربع سنوات». واعتبر أن «السياسة التي هي أصلا سياسة أمور الناس ورعايتهم ومصالحهم ومصالح البلاد أصبحت اليوم صراعات نفوذ وتحولت إلى لعب سياسية كما يسميها السياسيون أنفسهم»، مؤكدا أنه «لن يسمح بإدخال دار الفتوى ومفتي الجمهورية في لعبة هذه الصراعات».

وأعرب قباني عن اعتقاده أن «الغاية عند هؤلاء الذين ينازعون مفتي الجمهورية في صلاحياته وقراراته وتمديدهم زورا لمجلسهم المنتهية ولايته عند مدخل دار الفتوى، هي محاولة فرض تعديلات خطيرة على دور دار الفتوى وصلاحيات المفتي، يرفضها مفتي الجمهورية». واتهم «جهات سياسية معينة بإثارة النزاع من خلف الستار لمواجهة مفتي الجمهورية».

من ناحيته أعرب المفتي سوسان، في مؤتمر صحافي عقده في مكتبه بدار الإفتاء في صيدا، عن شعوره «بحزن وبألم لما وصلت إليه أوضاع المؤسسات الدينية والمرجعيات في الطائفة السنية»، بينما «كان ينبغي في ظل هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان وتمر بها المنطقة أن نعمل جميعا من أجل وحدة الصف».

وأكد سوسان، الذي استقبل أمس منسق عام تيار المستقبل في الجنوب الدكتور ناصر حمود في زيارة تضامنية، استمراره في موقعه من «خلال ثقة الهيئة الناخبة، ومن خلال ثقة كل القوى السياسية في صيدا والمجتمع المدني بهيئاته ومؤسساته وجمعياته التي ضرب بها عرض الحائط». وأعلن أنه «سيبقى في موقع الإفتاء حتى تأخذ الأمور أوضاعها القانونية خدمة لصيدا وخدمة لأقضيتها وحتى يصار إلى إجراء انتخابات للمفتين».