«القاعدة» في الكويت.. تؤثر في الجوار وتتأثر به

كانت في الكويت ثلاث خلايا تضم 24 عنصرا

سليمان أبو غيث الكويتي الذي سحبت جنسيته المتحدث باسم «القاعدة» ابان وجوده في افغانستان وهو محتجز في أميركا حاليا
TT

تأثرت الكويت وأثرت في مجريات أعمال تنظيم القاعدة الإرهابية بالمنطقة، فرغم مرور عقد كامل على بداية الأعمال الإرهابية في المملكة العربية السعودية، في مايو (أيار) 2003، فإن الكويت دخلت رسميا على خط المواجهات الأمنية بعدها بعامين، وتحديدا في يناير (كانون الثاني) 2005.

بدأت شرارة المواجهة في يناير 2005 أثناء رصد مفرزة تابعة لجهاز أمن الدولة أحد المنتمين إلى خلية «أسود الجزيرة»، التابعة لتنظيم القاعدة، في منطقة ميدان (حولي) وسط مكاتب لتأجير السيارات، يدعى فواز العتيبي لتأجير سيارة يتنقل بها. بعدما رصدت الأجهزة الأمنية سيارته، تم تعميم أوصافها على جميع نقاط التفتيش، وخلال محاولة اعتقاله من قبل الملازم أول حمد الأيوبي ومرافقه الرقيب أيمن الرشود، اشتبك معهما، وحدث تبادل لإطلاق النار، قتل خلاله العتيبي والأيوبي والرشود، وتمكن المطلوب ناصر خليف العنزي (قتل لاحقا في مواجهات مع قوى الأمن) من الفرار، لتبدأ بعدها واحدة من أشرس عمليات الملاحقات الأمنية في الكويت خلال العقد الماضي.

* «القاعدة» في الكويت بتمويل سعودي

* كشفت التحقيقات التي أجريت وقتها مع المعتقلين من المنتمين إلى خلية «أسود الجزيرة»، حقيقة وجود ثلاث خلايا تعمل في الكويت، تضم قرابة 24 عنصرا، يقود إحداها عامر خليف العنزي (توفي خلال التحقيق معه في أمن الدولة لقصور في عضلة القلب)، والثانية يقودها محسن الفضلي (وهو مطلوب للأمن الكويتي والأمن السعودي معا، لا يزال متواريا عن الأنظار، ويعتقد أنه موجود في إيران)، والثالثة يقودها خالد الدوسري (مطلوب، لا يزال متواريا عن الأنظار، ويعتقد أنه موجود في العراق)، ونقلت المصادر الصحافية، في حينه، أن الخلايا الثلاث تعمل بشكل متسق ومنفصل في الوقت نفسه لضمان حشدها لتنفيذ أي عملية إرهابية وتفكيكها لتشتيت الرقابة الأمنية عليها، وأن جميع هذه الخلايا الكويتية تمولها وتشرف عليها «كتائب الحرمين» بالمملكة العربية السعودية، التابعة لتنظيم القاعدة، عن طريق أبو زيد السعودي الذي ألقت القوات الأمنية السعودية القبض عليه قبل سقوط الخلايا الكويتية بأيام.

وتعددت المواجهات في الكويت خلال شهر يناير بين قوى الأمن والمطلوبين المنتمين إلى خلايا «القاعدة»، حيث انتقلت من (ميدان حولي) إلى منطقة (أم الهيمان) في الجنوب الكويتي، ومنها إلى (السالمية)، حيث قتل وأصيب عدد من رجال الأمن، وقتل 8 مطلوبين خلال تبادلهم إطلاق النار مع الأمن، وبينهم ناصر خليف شقيق رئيس خلية «أسود الجزيرة»، لتستقر بعدها المعركة في منطقة (مبارك الكبير)، حيث تم إلقاء القبض على من تبقى منهم، ومن بينهم رئيس الخلية عامر خليف.

وتمت إدانة المنتمين إلى خلية «أسود الجزيرة»، وعددهم 25 متهما، تراوحت عقوبات حبسهم بين خمس سنوات والسجن المؤبد، وانتهت محكومية 9 منهم، بينما يقضي 16 منهم عقوبة الحبس، كما أعيد فتح ملفهم العام الحالي بعد محاولة عدد من المسجونين منهم تقديم استرحام لإنهاء عقوبتهم، أو تخفيضها بعد إعلان توبتهم وندمهم على انضمامهم إلى «القاعدة»، وذكر مقرر لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الكويتي، النائب طاهر الفيلكاوي، وجود نية لإطلاق برنامج إصلاحي وتأهيلي لنزلاء أمن الدولة في السجن المركزي، يشمل المدانين بالانضمام إلى خلية «أسود الجزيرة».

وبحسب مصادر أمنية، فإن المفرج عنهم من المنتمين إلى خلية «أسود الجزيرة» تخلوا عن فكر «القاعدة» ويعيشون حياة هادئة حاليا، وتمكنوا من الاندماج في المجتمع ولم يتم تسجيل أي ملاحظة أمنية على سير حياتهم.

والحديث عن ارتباط خلايا الكويت بخلايا «القاعدة» السعودية، يعيد للأذهان ارتباط عدد من المطلوبين الكويتيين بآخرين سعوديين، حيث شهدت منطقة (الجوف) شمال السعودية في يوليو (تموز) 2003 عملية (الصوير) وهي بلدة قريبة من مدينة سكاكا، عاصمة منطقة الجوف، التي انتهت بمقتل المطلوب تركي الدندني وكان معه في المسجد كويتيان؛ هما راجح العجمي، وعبد الرحمن جبارة الذي كان أيضا مذكورا في قائمة المطلوبين للسلطات السعودية.

وتعتبر الأجهزة الأمنية الكويتية راجح العجمي منتميا إلى تنظيم القاعدة وأنه حاول أكثر من مرة التوجه إلى أفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، إلا أن مسعاه لم ينجح فعاد إلى الكويت، وحقق معه أمن الدولة وأدرج اسمه ضمن لائحة المراقبة، كما اتهم بمساعدة أحد كوادر «القاعدة» بالتسلل إلى المملكة العربية السعودية بعدما نفذ عملية راح ضحيتها مهندس أميركي وأصاب صديقه في الكويت عام 2003، لكن المحكمة برأت العجمي من هذه التهمة.

أما عبد الرحمن جبارة، فهو من مواليد الكويت، وتفيد المعلومات بأنه من أصول عراقية ويحمل جواز سفر كنديا، وتردد على أفغانستان أكثر من مرة، وله شقيقان منتميان إلى «القاعدة» أحدهما ألقي القبض عليه في سلطنة عمان وتم تسليمه للولايات المتحدة الأميركية، وتبرأ منه والده بعد ورود اسمه ضمن قائمة المطلوبين للسلطات السعودية بتهم ذات صلة بالإرهاب.

* الخالدي.. من الكويت إلى منظر «القاعدة»

* وسبق عملية الصوير بشهرين إعلان المملكة العربية السعودية إلقاءها القبض على ثلاثة مشايخ اعتبرتهم من رموز التحريض على أعمال العنف؛ وهم: علي الخضير وناصر الفهد وأحمد الخالدي، واستفادت «القاعدة» في المملكة العربية السعودية من خطاب التكفير والتشدد الذي عرفوا به قبل أن يتراجعوا علنا عن فكرهم المتشدد.

وتراجع في ديسمبر (كانون الأول) 2003 الشيخ أحمد حمود الخالدي (ولد في الكويت عام 1970 وانتقل منها ليستقر في المملكة العربية السعودية في 1993)، في لقاء بثه التلفزيون الرسمي السعودي له مع عايض القرني، عن فتاواه، مقرا بخطأ إجازته قتل المعتدي أو المفسد دينا ودنيا، الذي تذرع به المنتمون إلى «القاعدة» للاعتداء على رجال الأمن، معتبرا ما قاله اجتهادات خاطئة ومخالفه لما أجمع عليه أهل العلم.

* الفضلي المطلوب الأخطر

* كما وضع الكويتي محسن الفضلي على قائمة المطلوبين في السعودية عام 2005، ويعتبر من أخطر مطلوبي «القاعدة» لدوره في تجنيد الشباب وتوفير الدعم المالي لعناصر «القاعدة» في السعودية والكويت والعراق، وارتبط اسمه كذلك في قضية تفجير المدمرة الأميركية «كول» في اليمن وتسليح تنظيم القاعدة في العراق، وأدرج بسببهما على قائمة مجلس الأمن الدولي للإرهاب في 2005، وهي قائمة يحظر على الدول والمؤسسات المصرفية التعامل مع المدرج أسماؤهم فيها، وعليها تجميد أصولهم وحساباتهم لدورهم في تمويل عمليات الإرهاب.

وتوارى الفضلي عن الأنظار بعد اتهامه بقيادة إحدى خلايا «أسود الجزيرة» عام 2005، إلا أن معلومات كشفت في 2008 عن مغادرته الكويت بحرا إلى إيران بجواز سفر مزور، ليدخل منها إلى أفغانستان لتنسيق تحركات عناصر القاعدة في حربهم ضد القوات الأميركية، ثم تواترت أنباء عن عودته منها ليستقر في إيران، حيث تولى منصب زعيم «القاعدة» في إيران وهو موقع يتيح له إدارة العمليات من هناك، بما فيها توفير الدعم المالي لـ«القاعدة» والمنتمين إليها في دول العالم.

* أبو غيث الكويتي يتحدث باسم «القاعدة»

* والحديث عن المطلوب الكويتي ووجوده في إيران ضمن قيادة تنظيم القاعدة في إيران، يقود مباشرة إلى سليمان أبو غيث، وهو المتحدث الرسمي باسم «القاعدة» وظهر مع أسامة بن لادن في لقائه الشهير الذي اعترف فيه بمسؤولية تنظيم القاعدة في أحداث 11 سبتمبر، وسحبت الحكومة الكويتية جنسيته بموجب مرسوم أميري بعد ظهوره مع بن لادن، وقد تزوج أبو غيث إحدى بنات أسامة لاحقا.

تنقل أبو غيث خلال العشرة أعوام الأخيرة بين أفغانستان، وإيران التي غادرها إلى تركيا، وتم اعتقاله في مطارها بتهمة دخوله بجواز سفر مزور، فجرى ترحيله إلى الكويت، وتحول مسار رحلته لتهبط في العاصمة الأردنية عمان، حيث قبض عليه وتم تسليمه للسلطات الأميركية.

ودافع أبو غيث ببراءته من تهمة المشاركة في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر 2001، وذلك في محاكمته التي بدأت مجرياتها في مانهاتن بولاية نيويورك الأميركية مارس (آذار) الماضي، وكان لافتا فيها أنها محاكمة مدنية، بينما يواجه بقية المتهمين بالانضمام إلى «القاعدة» محاكمات عسكرية، بعضها يتخذ من معتقل غوانتانامو مقرا لها.

وتتهم السلطات الأميركية أبو غيث كذلك بأنه المتحدث الرسمي باسم تنظيم القاعدة، وأنه استخدم موقعه في التنظيم لتوجيه التهديدات للولايات المتحدة وتحريض الأعداء عليها، كما عمل مع أسامة بن لادن وهدد باستمرار هجمات مشابهة لهجمات 11 سبتمبر.

* خالد شيخ محمد.. باكستاني كويتي

* وباستعراض أسماء من عبروا الكويت وخرجوا منها للمساهمة في أعمال «القاعدة»، يتضح أن هناك دورا كويتيا ملحوظا في مسار أحداث «القاعدة»، بل إن عددا من الناشطين في التنظيم الإرهابي الدولي تم إلقاء القبض عليهم بالكويت، كما أن هناك بعض المؤثرين «القاعديين» عاشوا في الكويت، من أمثال الباكستاني خالد الشيخ محمد المتهم بتدبير هجمات 11 سبتمبر، وهو ما أوقع عددا من وسائل الإعلام في خطأ اعتباره كويتيا وليسا باكستانيا في بدايات اعتقاله مارس 2003، والذي ربما أدى اعتقاله إلى انفراط سبحة العمليات الإرهابية بالمنطقة، كونه يعتبر الرجل الثالث في التنظيم ودينامو التخطيط والدعم اللوجيستي.