لبنان ينتقل إلى «التوتر الانتخابي» بعد نزع فتيل «التوتر الحكومي»

بري يدرج «الأرثوذكسي» بندا وحيدا على جدول أعمال جلسة الغد

TT

اتجهت الأمور نحو التأزم مجددا في لبنان، على خلفية قيام رئيس مجلس النواب نبيه بري بإدراج مشروع قانون انتخابات معروف باسم «القانون الأرثوذكسي»، بندا وحيدا على جدول أعمال جلسة برلمانية تنعقد غدا، بعد ساعات قليلة على تراجع «التوتر الحكومي»، إثر زيارة الرئيس المكلف تمام سلام لرئيس مجلس النواب نبيه بري نفى بعدها نيته إعلان حكومة «أمر واقع»، تخلو من «حزب الله» وحلفائه، نتيجة وصول المفاوضات بينهما إلى حائط مسدود.

وارتفع «التوتر الانتخابي» مع وضع بري القانون «الأرثوذكسي» بندا وحيدا على جدول أعمال الجلسة النيابية، إثر اجتماع فاشل مع هيئة مكتب المجلس، التي يغلب عليها حضور قوى «14 آذار» التي ترفض بعض مكوناتها المشروع المذكور الذي ينص على أن تنتخب كل طائفة لبنانية نوابها حصرا، وهو ما ترى فيه قيادات سياسية «خطرا وجوديا» على لبنان، وفي مقدمها تيار «المستقبل» ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.

وقال نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري لـ«الشرق الأوسط» أنه ينظر بغير ارتياح لما قام به المجلس الدستوري برد قرار الطعن بقانون تعديل المهل الدستورية للانتخابات. وأشار مكاري إلى أن اللقاء مع الرئيس بري كان «إيجابيا للغاية، لكننا فوجئنا بعد خروجنا من الاجتماع ببيان يضع الأرثوذكسي» بندا وحيدا على جدول الأعمال».

وأضاف ردا على سؤال عن احتمال كون الموضوع «مناورة»، قال مكاري: «لم يتولد لدينا انطباع مماثل، فالرئيس بري على ما يبدو يطرح المشروع لإقراره»، معربا عن اعتقاده أن «ثمة قرار عمليات من (حزب الله) بضرورة إقرار القانون».

وقالت مصادر قيادية في تيار المستقبل، الذي يرأسه الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، إن «المستقبل» فتح باب الاتصالات من أجل التوصل إلى بديل للقانون الأرثوذكسي، في اتصالات يجريها مع النائب جنبلاط ومع «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب»، مشيرا إلى أن النجاح في الوصول إلى صيغة بديلة يمكن أن تعدل «الأرثوذكسي» بصورة جذرية سيحضر الكتلة إلى البرلمان، وإلا فإنها سوف تقاطع.

ومن شأن اتفاق مماثل (إن حصل) أن يضع قوى «8 آذار» المكونة من حزب الله وحلفائه في موقع ضعيف، لأن المجلس النيابي منقسم بين كتلتين كبيرتين، هما «8 آذار» و«14 آذار»، وقد أمن الاتفاق الذي عقد بين الكتل المسيحية في الجانبين، مضافا إليه الكتلة الشيعية الأكثرية الملائمة للمشروع الذي من شأنه نظريا أن يؤمن المقاعد الشيعية وأكثرية المقاعد المسيحية لقوى «8 آذار»، مما يعطي هذا الفريق الأغلبية البرلمانية اللازمة في الانتخابات.

وفي المقابل، قالت مصادر قريبة من بري لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يطرح المشروع بندا وحيدا، بل دعا إلى جلسة لبحث قانون الانتخاب، لكن «الأرثوذكسي» هو المشروع الوحيد الذي حظي بموافقة اللجان البرلمانية.

وأشارت المصادر إلى أن الرئيس بري كان وعد النواب قبل فترة بعقد جلسات مفتوحة لإقرار قانون جديد للانتخابات، وقال آنذاك إن المجال لا يزال مفتوحا للتوصل إلى اتفاق حوله، وهو ما يزال يسعى إلى تأمين التوافق. واستغربت المصادر قيام بعض النواب من أعضاء الهيئة بتسريب «الخلاف» إلى وسائل الإعلام، على الرغم من الاتفاق معهم على ترك الأمور مفتوحة للنقاش حتى غد (الأربعاء)، حيث ستنعقد الجلسة.

وعما إذا كان الرئيس بري مستعدا لترؤس جلسة تغيب عنها مكونات أساسية كـ«المستقبل» و«التقدمي»، قال المصدر إن الرئيس بري يتعاطى مع وقائع لا مع إعلان نيات، فهو سيحضر إلى المجلس الأربعاء، وإذا كان هناك نصاب تنعقد الجلسة، مشيرا إلى أن الرئيس بري سيرى «نوعية الحضور طائفيا»، قبل القيام باتخاذ أي قرار بشأن الاستمرار في الجلسة.

أما في الموضوع الحكومي، فقد خف التوتر مع تأكيد مصادر الرئيس المكلف أنه لن يعلن الحكومة قريبا، بعد معلومات عن نيته تأليف حكومة أمر واقع. وزار سلام الرئيس بري للمرة الأولى منذ تكليفه تشكيل الحكومة قبل شهر و6 أيام. وقالت مصادر سلام لـ«الشرق الأوسط» إن اللقاء كان جيدا جدا، وقد تمت فيه «إزالة المخاوف وإعادة الطمأنينة». وتبرأت المصادر من أي إعلان عن حكومة «أمر واقع»، مشيرة إلى أن الرئيس سلام لم يتحدث عن حكومة مماثلة.

وأوضحت أن سلام مستمر في مساعيه، مفترضة حصول لقاءات واتصالات أخرى مع قوى «8 آذار» لكسر الجليد وإعادة البحث الجدي في موضوع تأليف الحكومة.

وقال سلام، بعد لقائه بري، إنه «مع المصلحة الوطنية، وتحت هذا العنوان سعيت للتوصل إلى ما يرضي ضميري وأبناء بلدي ووطني هي مهمة، كما كل المهمات، تتطلب التواصل والتفكير والمتابعة للوصول إلى النتائج المرضية، وأنا مستمر في ذلك، ومنذ البداية قلت إنني لست متسرعا، ولكن لا أحب التأخير، وهذا مرتبط بما أشعر به من رغبة حميمة وضاغطة لتشكيل حكومة، لأن البلد في ظل حكومة تصريف أعمال يزيد تراجعا».

وأضاف: «إننا في مرحلة صعبة تتطلب حكومة تأخذ في عين الاعتبار كل المستجدات. وفي ظل استمرار التشاور، لا بد أن تأخذ في عين الاعتبار ما نحن مقبلون عليه». وأكد «الحاجة الماسة إلى الانتخابات لتعزيز مؤسساتنا الديمقراطية»، موضحا أنه «سنعاود التشاور والتواصل لنرى على ماذا ستستقر الأمور».

ولفت إلى أنه «تخلل هذه الفترة الكثير من الكلام والكثير من الإعلام ولكن لن أقوم بشيء إلا تحت سقف المصلحة الوطنية. ومن هذا القبيل لا أعول إلا على الكلام الإيجابي».

وكانت مخاوف ثارت من اضطراب أمني في البلاد بعد رفع قوى «8 آذار» وتيرة انتقاداتها لسلام، وحديثها عن معلومات عن قيامه بخطوة حكومة «أمر واقع»، وتوقيع رئيس الجمهورية مراسيمها بمباركة من النائب وليد جنبلاط، الذي قال أمس إنه تعرض لحملة «تهديد»، قائلا إنه «لن ينجر للدخول في سجالات عقيمة مع البعض من فريق 8 آذار، الذي يبني مواقفه على التآمر والشك والتخوين»، وقد بعث بعدد من الرسائل الصاروخية الإعلامية في الصحف، التي، بسبب استخفافنا بها، لن نتوقف عندها، أو نعلق على مضمونها، لأنها صادرة عن عقل مريض، غالبا ما تتحكم بمواقفه وسياساته نظرية المؤامرة ويندفع إلى مهاترات لا طائل منها».

وجدد جنبلاط «موقفه المرتكز إلى تأليف حكومة جديدة، سماها الرئيس المكلف حكومة مصلحة وطنية، وسميناها نحن حكومة وحدة وطنية».

وقد قدم الرئيس المكلف مجموعة من الضمانات، أبرزها التأكيد على إقرار القضايا الأساسية بالتوافق والاستقالة، في حال خروج أي من فريقي المعادلة لأسباب ميثاقية أو وطنية، وربما تكون الصيغة الأفضل لتحقيق ذلك هي 8 - 8 – 8، لأنها توفق بين حسن التمثيل والعدالة في المشاركة، دون الوقوع في لعبة التعطيل والتورم في الأوزان السياسية. لذلك، يرفض الحزب التقدمي الاشتراكي الأجواء التصعيدية، ويدعو إلى الصبر والتروي، وهو لا يزال عند قناعاته الأساسية في الملف الحكومي».

وأشار جنبلاط إلى أن زيارته الأخيرة إلى السعودية اتسمت بأجواء من الود والصراحة كالعادة، وشكلت مناسبة للتشاور والتباحث في التطورات الإقليمية والعربية والوضع اللبناني. وقال: «لقد لمستُ من قيادة السعودية كل الحرص على الوحدة الوطنية في لبنان والاستقرار والسلم الأهلي، وإصرارها على الوقوف إلى جانب اللبنانيين، وهي على مسافة واحدة منهم جميعا. واللبنانيون لن ينسوا دعم المملكة للبنان في سنوات الحرب الأهلية الصعبة، ودورها في اتفاق الطائف وإعادة الإعمار، ودعم العملة الوطنية، بالإضافة إلى دورها في المساعدة على تخطي آثار العدوان الإسرائيلي في يوليو (تموز) 2006».