رئيس السنغال: قررت تقليص ولايتي الرئاسية من سبع إلى خمس سنوات.. وأعمل على وضع قانون لذلك

ماكي صال يقول في حوار مع «الشرق الأوسط» إن موقف بلاده من قضية الصحراء لم يتغير منذ عهد الرئيس سنغور

الرئيس السنغالي ماكي صال
TT

لم يتغير شارع روم أو شارع ليوبولد سيدار سنغور في العاصمة السنغالية دكار كثيرا. فالبنايات المنتصبة على طرفيه، والتي تعود إلى أكثر من ثمانية عقود، شاهدة على جزء من عمر المدينة التي اختارها الفرنسيون لإدارة مستعمراتهم في غرب أفريقيا.

كان روم، الذي حمل الشارع اسمه في وقت سابق، أحد الولاة الفرنسيين، وكان القصر الذي ينتصب بهيبة وشموخ أفريقي في قلب الحي، قصرا له، يحرسه حتى اليوم رجال أمن يرتدون ملابس تقليدية حمراء، ويحملون سيوفا براقة، بينما بدت أسلحتهم الأوتوماتيكية مختفية خلف أظهرهم.

رسم المستعمر للسنغال مصيرا شبيها بفرنسا، وورث ساسة البلد بلاغة لغوية نادرة نهلوها من لغة موليير. لكن السنغال، هذا البلد الغرب أفريقي، يتكون من مزيج من الإثنيات ويشكل المسلمون الغالبية العظمى من سكانه. وهي بسبب تاريخها الثقافي الكبير تعتبر البلد الأكثر إسلاما في أفريقيا جنوب الصحراء، والأكثر قربا إلى العروبة.

في قصر روم، الذي صار القصر الجمهوري، وأقام فيه حتى الآن أربعة رؤساء هم: الشاعر ليوبولد سيدار سنغور، وعبدو ضيوف، وعبد الله واد، وماكي صال، التقت «الشرق الأوسط» الرئيس الرابع للجمهورية منذ الاستقلال عام 1960. شاب في الثانية والخمسين من عمره يتحدث الفرنسية بلغة عالمة، لكنه أيضا يتقن اللغة الإنجليزية لضرورات البحث المنجمي، فقد درس الجيولوجيا، وكادت خلفيته المهنية تطوح به إلى أقاصي الدنيا خاصة إلى «ألاسكا» في أميركا لو لم تستهوه السياسة وتغوه.

بيد أن اللغة أسعفته لاحقا في السياسة كما في الدبلوماسية، لينسج علاقات قوية مع الساسة الأميركيين، ويصبح أحد أقرب الرؤساء الأفارقة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي تنتظر دكار زيارة له لم يحدد موعدها بعد.

يفتح الرئيس صال قلبه لـ«الشرق الأوسط»، متحدثا بعفوية، طارحا هموم بلاده في منطقة تعيش حالة من عدم الاستقرار بسبب الحرب في مالي، ووطأة الأزمة الاقتصادية في أوروبا، من دون أن ينسى أن يبشر بالواقع الجديد الذي يجعل من بلاده السنغال وأفريقيا بشكل عام الأكثر نموا والأقل تأثرا بالأزمة الاقتصادية العالمية.

ويبدو أن دراسة الجيولوجيا مكنت الرئيس الرابع للبلد الأفريقي الوحيد، الذي لم يعرف قط انقلابا عسكريا، أثناء خوضه غمار العمل السياسي، من الحصول على الصبر والمرونة والقدرة على الصمود أمام الوضعيات الصعبة، وحب الميدان أيضا. ومن هنا يعتقد الرئيس صال أن السياسة تعني ضرورة الوجود في الميدان، والحديث مع الناس، ومعرفة مشاكلهم والقدرة على الملاحظة، لأن القدرة على الملاحظة، إلى جانب القدرة على الاستماع، يمكن أن تساعدا بشكل كبير في حل الكثير من المشاكل. وانطلاقا من هذه القناعات، يحرص الرئيس السنغالي على التواصل مع مواطنيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل «فيس بوك»، ويغرد أحيانا على «تويتر»، وهي من بين مميزاته إلى جانب مميزات أخرى من قبيل أنه الرئيس الأفريقي الوحيد الذي تنازل طواعية عن سنتين من ولاية حكمه، ويعتزم سن قانون لانتخاب الرئيس لولايتين لا تتجاوز الواحدة منهما خمس سنوات. فإليكم رئيس السنغال، الذي يحب الشعر كثيرا لكنه ليس شاعرا مثل سنغور، ويعتبر أغاني أم كلثوم في غاية الروعة رغم أنه لا يفهم معاني كلماتها، ويحب الاستماع إلى الموسيقى لكن ليس لدرجة الرقص.

وفي ما يلي نص الحوار.

* أنتم الرئيس الرابع للجمهورية السنغالية منذ استقلالها عام 1960. ما هي الدروس التي استخلصتموها من تجارب سابقيكم في الحكم انطلاقا من الشاعر الرئيس ليوبولد سيدار سنغور وصولا إلى عبد الله واد؟

- التجربة التي يمكنني استخلاصها من حكم كل واحد من الرؤساء الذين سبقوني هي تجربة في غاية الأهمية، لأن كل واحد منهم لديه خصوصيته، ليوبولد سيدار سنغور أسس الدولة بعد الاستقلال، وكان هو أول رئيس للجمهورية، إنه شاعر لكنه استطاع تأسيس إدارة وحاول أن يطور الدبلوماسية، ورغم أن الحرية لم تكن كبيرة في ذلك العهد فإنه استطاع أن يدير الانتقال ما بين المجموعات الدينية والسياسية. أما عبدو ضيوف فقد ورث سنغور بطريقة دستورية بوصفه الوزير الأول (رئيس الوزراء)، وعند وصوله إلى الرئاسة جاء بالتعددية الحزبية الكاملة، وقام بما يمكنه على الصعيد الاقتصادي في ظرفية صعبة، حيث تزامن حكمه مع برنامج تقويم هيكلي للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وخفض قيمة الفرنك الغرب أفريقي، إنها فترة صعبة على المستوى الاقتصادي، لكن النتائج ظهرت عندما وصل عبد الله واد إلى السلطة سنة 2000 مع آمال كبيرة جدا، وطفرة ديمقراطية وأخرى إعلامية، تمثلت في مجيء الإنترنت وإذاعات الـ«إف إم». ولعب الرئيس واد أيضا دورا في تدعيم الديمقراطية، وخلال سنوات حكمه الأولى عمل على تشييد بنية تحتية كدعامة للتنمية، بعد ذلك كانت النتائج مثار نقاش أكثر على المستوى الديمقراطي.

وبالنسبة لي، فقد جئت لأرث من كل هذه الفترات بلدا شابا، بلدا لديه مطالب كبيرة تمتد من تشغيل الشباب حتى الأمن الغذائي، حيث يجب علي أن أحقق المستوى المطلوب، وأن أضع السنغال على سكة التطور، ذلك أن بلدنا لديه الإمكانيات والطاقات لتحقيق ذلك، كما يجب علي السهر على الحكم الرشيد والشفافية لأننا في عصر الرقميات والإنترنت، فالمواطن في سنة 2013 ليس هو مواطن سنة 1960 ولا سنة 1980، ولا حتى سنة 2000. واليوم تبقى مطالب المواطن بخصوص الأخلاقيات والمسؤولية أكبر بكثير. إذن لدي فسحة أقل للمناورة، ولكن في الوقت نفسه هنالك آفاق أكبر في العالم مع تطور الأقطاب الاقتصادية، مثل الوافد الجديد المتمثل في مجموعة البريكس (روسيا والبرازيل والصين والهند وجنوب أفريقيا)، ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وبالتالي على أفريقيا العمل من أجل تنويع تعاونها. ودوري هو منح السنغال كل الحظوظ لتلتحق بالعالم المتقدم.

* السيد الرئيس لديكم مسار سياسي مثالي، لقد كنت وزيرا للمعادن ثم وزيرا للداخلية فوزيرا أول (رئيسا للوزراء)، ورئيسا للجمعية الوطنية (البرلمان)، والمعروف أنك درست الجيولوجيا، فإلى أي حد أفادتك دراستك هاته في معرفة عمق المشهد السياسي في السنغال؟

- لديكم الحق.. الجيولوجيا علم ينظر إلى ما تحت، أي إلى أعماق الأرض، بينما السياسة بالأحرى تعبير فوق أرضي وحتى هوائي. بيد أنني أعتقد أن ما مكنتني الجيولوجيا من الحصول عليه في السياسة هو أولا الصبر وأيضا المرونة والقدرة على الصمود أمام الوضعيات الصعبة، وحب الميدان، فالسياسة هي أيضا ضرورة الوجود في الميدان، والحديث مع الناس، والالتقاء بهم ومعرفة مشاكلهم، والقدرة على الملاحظة، والجيولوجي الجيد هو الجيولوجي الذي يلاحظ، لأنه عن طريق حجر تلتقطه يمكنك أن تعيد قراءة وبناء تاريخ الأرض، وفي السياسة أيضا فإن القدرة على الملاحظة، إلى جانب القدرة على الاستماع، يمكن أن تساعد بشكل كبير، وهذه هي الأمور التي يمكنني القول إنني استخلصتها من مهنتي الأصلية، لكنكم تعرفون أن كل شيء يقود إلى السياسة، والجيولوجيا ليست بالضرورة أفضل طريق للوصول إلى القمة في السياسة، ولكن في النهاية، في بعض الحالات، كان هنالك بعض الجيولوجيين الذين استطاعوا قيادة بلدان وحكومات.

* بلدكم يعتبر مثالا يحتذى للتطور الديمقراطي في منطقة مضطربة، لقد أشرتم إلى سابقيكم من الرؤساء، سنغور وضيوف وواد، وأود أن أسألكم هنا: هل يمكن الجزم بأن مفهومي السلطة الشمولية والرئيس الأبدي قد انتهيا إلى غير رجعة، ولن يجدا في المستقبل مكانا لهما في السنغال؟

- بالتأكيد لقد انتهى عهد الحكم الفردي بشكل تام. اليوم لدينا مؤسسات مفتوحة وشابة. اليوم العالم يسير بسرعة، إنه قرن السرعة بامتياز، لأن كل ما يحدث الآن يبث على الإنترنت في اللحظة ذاتها، ويصبح متاحا في جميع أنحاء العالم. إذن لم يعد بإمكاننا أن نكون ذلك الرئيس الأبدي الذي يعرف كل شيء، والقادر على كل شيء؛ كل هذا انتهى.. والرئيس الآن يجب أن يملك رؤية ويكون مسيرا لبلده مثل المؤسسات الكبيرة، مع ضرورة تحقيق نتائج، وبالطبع لا بد أن تكون له حساسية تجاه المناطق الهشة ومكافحة الفقر فيها، وأن يكون عادلا بخصوص إعادة توزيع الثروات، والاهتمام بأي انعدام للمساواة لأن ذلك قد يؤدي إلى العنف الذي قد يضع على المحك كل ما هو موجود. وبالنسبة لي فإن الرئيس هو من يعرف أن يكون عادلا ويملك طموحات كبيرة لبلده؛ ولكن هذا يدخل في الحيز الزمني الذي يمنحه الدستور، وبعد الرئاسة فإن أي رئيس سابق لديه دور يمكن أن يلعبه؛ ولهذا قررت تقليص ولايتي الرئاسية من سبع إلى خمس سنوات، وأعمل الآن على وضع قانون يحدد الولاية الرئاسية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، مما يعني أن أي شخص لن يكون بإمكانه الاستمرار أكثر من عشر سنوات على رأس السنغال.

* على مستوى العلاقات الدبلوماسية للسنغال، من المؤكد أن لديكم خارطة طريق بالنسبة لدول الجوار والمحيط، ولكن أيضا بالنسبة للعالم العربي والإسلامي.. ما هي معايير هذه الدبلوماسية؟

إنها دبلوماسية الصداقة والتعاون، دبلوماسية مبنية على ما نقتسمه من قيم الإسلام، دين السلام والتسامح، الذي يربط أفريقيا والعالم العربي منذ عدة قرون، أي منذ القرن الثاني عشر. هذه العلاقات تتجلى مرة أخرى اليوم بشكل فعال في تعاوننا مع الدول العربية، دول المغرب العربي والخليج، وهذا يترجم في نوع من العلاقات القوية جدا والتي يدعمها الدين الواحد، وهو محور قوي في سياساتنا.. لدينا محور كلاسيكي وتقليدي مع أوروبا والولايات المتحدة والغرب، لكن لدينا في الوقت نفسه محورا استراتيجيا مع الشرق والبلدان العربية والإسلامية، حيث لدينا تعاون يتطور يوما بعد يوم، وأتمنى خلال رئاستي للسنغال العمل على تقوية التعاون مع الدول العربية.

* على مستوى العلاقات مع دول الخليج، ما هي رهاناتكم عليها.. ذلك أنكم زرتم المملكة العربية السعودية، وستقومون قريبا بزيارة لدول خليجية أخرى؟

- بالفعل أنتظر الكثير من هذه العلاقات. في البداية أود أن أشير إلى أنني زرت المملكة العربية السعودية مرتين، إحداهما في الإطار الثنائي والأخرى في إطار قمة مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي، وكنت حينها الرئيس الدوري للقمة قبل أن يخلفني الرئيس المصري محمد مرسي، لكنني أيضا زرت الكويت وقطر كما سأزور المغرب قبل نهاية هذا الشهر، وسأواصل هذه الاتصالات مع الدول الأخرى التي دعتني لزيارتها. لقد شرفنا العاهل المغربي الملك محمد السادس أخيرا بزيارة السنغال، كما سيزورنا أيضا أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح قبل نهاية العام الحالي. وأتمنى من هذه اللقاءات العالية المستوى أن تمكن من خلق تعاون قوي، إضافة للتعاون الثنائي من خلال المؤسسات المالية السيادية لهذه الدول أو أي مؤسسات مالية أخرى. إنني أنتظر أيضا تعاونا وتطويرا لمشاريع استثمار مع القطاع الخاص العربي، فأفريقيا اليوم تعتبر قارة بحاجة إلى الاستثمارات، وهذه الاستثمارات مربحة، والأدلة قائمة على أن الاستثمار في أفريقيا أسرع مردودية من الاستثمار في آسيا أو أي منطقة أخرى من العالم.

إن الجميع يحاول تطوير التعاون مع أفريقيا، لقد شاهدتهم «أفريك تيكاد» مع اليابان (مؤتمر طوكيو الدولي حول التنمية في أفريقيا)، و«أفريك فرانس» مع فرنسا، و«أفريك شين» مع الصين، وبالتالي يجب أن يكون هناك «أفريك غولف» مع دول الخليج والدول العربية. من جهة أخرى، لدينا معرض أفريقي - عربي سينظم في الكويت هذا العام، لكنني أتمنى على القطاع الخاص العربي والشركات العربية التي تستثمر في البنية التحتية والسكة الحديدية والزراعة والإنتاج الغذائي والطاقة أن تأتي للدخول في شراكات ذات طابع خصوصي أو عمومي مع حكوماتنا من أجل تطوير الاستثمار. لقد وضعنا إطارا ملائما، والاستثمارات محمية.. السنغال في جميع الأحوال بلد قانون يحترم بشكل تام مصالح المستثمرين الخصوصيين، وبالتالي فإن الاستثمارات محمية عندنا. وقد تم اختياري لأكون رئيس الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا (نيباد)، لذا فإنني مكلف بتوجيه البرنامج الاقتصادي الأفريقي، وفي هذا الإطار فإنني مكلف أيضا بترقية الاستثمارات في أفريقيا خاصة في مجال البنية التحتية والزراعية.

* لقد زرتم المملكة العربية السعودية، والتقيتم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مرتين، كما التقيتم ولي عهده الأمير سلمان بن عبد العزيز.. ما هو الانطباع الذي خرجتم به عن شخصية خادم الحرمين الشريفين وولي عهده؟

- في البداية أريد أن أهنئ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بمناسبة مرور عشر سنوات على تربعه على عرش المملكة العربية السعودية، إنه ملك مخضرم يعمل على تطوير بلاده بطريقة مدهشة؛ وأظن أن ما قام به سيظل ماثلا لعدة أجيال قادمة من دون أن ننسى ما يتعلق بالتحول النوعي في مكة المكرمة والمدينة المنورة، والحرمين الشريفين. هذا إضافة إلى أنه في المملكة العربية السعودية التي يجب ألا تعتمد في اقتصادها على النفط وحده، نجد أنه تم وضع آليات لتظل مملكة دائمة التطور وقوية.

إن الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك كريم جدا، فقد التقيت به مرتين، وأكن له الكثير من الاحترام والتقدير لشخصه أولا ثم لأريحيته الكبيرة وإنسانيته، حيث تفاعل معنا بإيجابية العام الماضي عندما دعمنا بمساعدة إنسانية عاجلة (في إشارة إلى دعم المملكة للسنغال خلال كارثة فيضانات دكار). كما أنني التقيت بالأمير سلمان بن عبد العزيز خلال زيارتي الأولى للسعودية، وما زلنا نحن السنغاليين نذكر له زيارته لبلادنا في عقد التسعينات من القرن الماضي، واهتمامه وحرصه على العلاقات بين بلدينا، كما لمست فيه إحساسه بالمسؤولية الاستثنائية لبلاده حيث يوجد الحرمان الشريفان، وما يتطلبه ذلك من علاقات مع أفريقيا ومع العالم الإسلامي ككل، وقد وجدت منه آذانا مصغية. لذا نأمل تطوير العلاقات مع القيادة السعودية بشكل أكبر.

* السنغال بلد مستقر، لكنه يعيش في منطقة مضطربة وغير مستقرة، تجسدها الأزمة في مالي.. كيف ترون نهاية هذه الأزمة، وهل لديكم مقاربة خاصة لذلك؟

- الوضع في الساحل صعب من الناحية الأمنية، لكننا نحن الأفارقة والمجموعة الدولية نعمل جاهدين لمساعدة مالي على استعادة الاستقرار، وإيجاد حلول مستدامة هي حلول تعتمد على مكافحة الفقر، فلا بد من منح آفاق جديدة لشعوبنا، فما دامت بلداننا هشة في ما يتعلق بالأمن الغذائي والتشغيل والزراعة فمن البديهي أن تكون الحلقة الأضعف والأكثر عرضة لعدم الاستقرار؛ لكنني أعتقد أنه في ما هو أبعد من الجانب المتعلق بتأمين الأراضي، بدأنا في إطار المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأفريقي وكل المجموعة الدولية في التفكير من أجل تقديم حلول مستدامة للوضع في الساحل على شكل تنمية مستدامة ومكافحة الجفاف والتصحر، وفتح آفاق للإنتاج الغذائي وتشغيل الشباب، ولهذا فإنني أوجه دعوة لشركائنا، خاصة من العرب، للمضي معنا ودعمنا في هذه السياسة الجديدة لضمان الأمن الغذائي.

* السيد الرئيس، أعلنتم مؤخرا عن قلقكم من احتمال تسلل متطرفين إلى السنغال بسبب الأزمة في مالي، ما هي خطتكم لمنع هؤلاء الأشخاص من التحول إلى قنابل موقوتة؟

- تعرفون أن كل بلد يجب عليه أن يدافع عن أراضيه ضد أي مخاطر أو تهديدات يمكن أن تكون عامل عدم استقرار.. التهديدات متنوعة، وبلدنا على غرار بقية البلدان اتخذ الإجراءات اللازمة لتأمين أراضيه ولضمان أمن مواطنيه، والتوجه والتركيز الآن على المشاكل الحقيقية للتنمية؛ وهذا نقوم به أولا كحكومة، لكننا نقوم به أيضا بالتعاون مع بلدان المنطقة وفي المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وبالتالي فإن السنغال تتخذ كل الإجراءات الأمنية لأن الحاجة إلى الأمن مهمة، فالمخدرات حاضرة، وتدفق الأسلحة الخفيفة في المنطقة وتهريب السجائر حاضران كذلك، هذا إلى جانب وجود كل أنواع العصابات التي يمكنها على المدى البعيد أن تهدد استقرار أي بلد، ولذا فمن واجبنا بالطبع أن نؤمن مواطنينا وأن نؤمن بلدنا.

* السيد الرئيس، نعرف أن دكار ساندت دائما الحق المغربي في الصحراء، ودعت دائما إلى عودة المغرب إلى حظيرة الاتحاد الأفريقي، ونعرف حتى الآن أن عدم عودة الرباط إلى الاتحاد راجع إلى قبول عضوية ما يسمى «الجمهورية الصحراوية» في الاتحاد. بالنسبة لكم كقائد شاب يحمل رؤية جديدة لحل الأزمات السياسية في المنطقة، كيف ترون نهاية هذه الأزمة؟

- يجب أن أقول لكم وأنتم تعرفون ذلك من دون شك أن موقف السنغال منذ بداية هذه الأزمة (قضية الصحراء)، ومنذ عهد الرئيس سنغور وحتى الآن، لم يتغير أبدا، وهذا ليس راجعا إلى شخص الرئيس، وإنما ذلك راجع إلى قوة ومتانة العلاقات بين المغرب والسنغال. إذن، أنا لدي الموقف نفسه بخصوص الصحراء الغربية، ونحن نتفق مع المملكة المغربية.

وفي ما يخص الاتحاد الأفريقي فإننا كنا دائما ندافع عن الموقف المغربي، واليوم فإن أفضل استراتيجية، حسب وجهة نظرنا، هي جلب المغرب للجلوس إلى جانب أصدقائه في الاتحاد الأفريقي، للعمل على الرفع من مستوى النضال وزيادة فعاليته، وهذا سيجعل مهمة أصدقاء المغرب أكثر سهولة، لأننا عادة عندما تكون لدينا محادثات فإنهم يكونون غير موجودين (المغاربة) والأصدقاء هم من سيصعدون إلى المحافل، وسيكون إبداء وجهة النظر أكثر فعالية عندما يكون المغرب موجودا، وهذا سيعطي إمكانيات أكثر لهذه البلدان للمجيء والمشاركة في الموقف نفسه.

بالطبع، نحن نحترم الموقف السيادي للمغرب، لكني أعتقد أنه من غير المستبعد أن يتطور هذا الموقف بخصوص مسألة الاتحاد الأفريقي، ولكن بالطبع فإن مغربية الصحراء يجب أن تبقى كاملة، ويجب أن تبقى كما في المساعي المغربية (الحكم الذاتي)، ونحن ندعمها في هذا الموقف.

* العالم يعرف أزمة اقتصادية، هل أثرت هذه الأزمة على بلدكم؟

- حتما.. كانت هنالك تأثيرات على الجميع. صحيح أن أفريقيا لم تكن من المناطق التي ضربتها الأزمة بقوة، لكنها تعرضت لانعكاسات بعيدة لهذه الأزمة. فأوروبا ضربتها الأزمة بقوة، ونحن مرتبطون بها من خلال السعر الثابت لليورو مقابل الفرنك الغرب أفريقي.. إذن وضعية اليورو تؤثر مباشرة على اقتصادنا، كما أن ندرة المصادر في أوروبا تؤثر مباشرة على حجم المساعدة العمومية للعملية التنموية. فنحن نعاني بشكل غير مباشر، لكننا لم نعان من تأثيرات مباشرة لأننا في أفريقيا ليست لدينا إمكانية الوصول إلى هذه الأسواق، ونظام العملة لدينا، والمصارف لدينا لا تخاطر كثيرا، لذا لم تعان من الخسائر نفسها التي شهدتها نظيرتها في أوروبا والولايات المتحدة خلال الأزمة؛ لكننا اليوم بحاجة إلى تطوير الائتمان في أفريقيا، خاصة في ما يتعلق بأسعار فائدة منخفضة.

القارة الأفريقية لم تعد غير مستقرة كما كان الوضع عليه في العقود السابقة، اليوم أفريقيا هي قارة يمكن بكل تأكيد القيام بأعمال فيها. إذ أن نظم التقويم في بلداننا يجب مراجعتها على ضوء الجهود التي نقوم بها الآن في ما يتعلق بالشفافية والفرص والحد من المخاطر، ويجب علينا بالأحرى تحسين نوعية امتياز البلدان الأفريقية من أجل أن يكون الائتمان بأقل سعر ممكن مما يجذب الاستثمارات بسهولة أكبر.

* في السنغال والمنطقة بشكل عام هناك حديث عما آل إليه التحقيق في ما يعرف بقضية «كريم واد» نجل الرئيس عبد الله واد، ودخوله السجن.. بماذا تردون على من يتهمكم بتصفية الحساب مع من كان خصما سياسيا لكم؟

- أولا، أريد أن أقول لكم إنني لست ممن يحقد أو يصفي الحسابات مع الغير، ولدي تقدير للرئيس عبد الله واد لسنه، ولكونه شخصية فذة سجلت صفحات مضيئة في تاريخ السنغال. صحيح أنني اختلفت معه من بعد في تسيير البلد، لكن ذلك لا يفسد للود قضية. علاقاتي مع ابنه كانت هي الأخرى مبنية على الاحترام حتى لو اختلفنا سياسيا. واليوم الأمر يتعلق بملف لدى القضاء، وبتحقيقات خاصة بالعدالة. وبالتالي عندما تنصفه المحكمة سأكون أول من يرحب بذلك.

* السيد الرئيس لقد ولدتم سنة 1961، بعد الاستقلال بسنة، خلال طفولتك ومراهقتك هل فكرت يوما أن تصبح رئيسا للجمهورية؟

- لا على الإطلاق، لم يسبق أن فكرت في هذا؛ ولكن عندما كنت طالبا كنت في بعض الأحيان ألهو في الحي الجامعي مع زملائي الطلاب، وألعب لهم دور الزعيم السياسي، فقد كنت أنشط في الحركات الطلابية وكنت قائدا، لكني لم أفكر حينها أن أكون رئيسا للجمهورية. وأعتقد أن هذا الطموح أو بالأحرى النداء الخفي تشكل عندي عندما كنت رئيسا للجمعية الوطنية (البرلمان)، أما شغلي لمنصب الوزير الأول فلم يكن بالضرورة طموحا، لكن عندما كنت في الجمعية الوطنية، ودخلت في معركة أعتبرها غير عادلة، قلت لنفسي الآن يجب الذهاب بعيدا. وكمؤمن بالله لدي القناعة الراسخة بأن الله وحده هو القادر على منح السلطة في النهاية، ولذا قلت إنه يجب الدخول في هذه المعركة.. ودخلتها. وذهبت بشكل ديمقراطي إلى لقاء مواطني بلدي، وعملت بجد خلال ثلاث سنوات، وبإرادة الله اختارني الشعب السنغالي.

* ما الذي كنت تحلم به في الماضي؟

- كنت أحلم بأن أكون مهندسا جيدا في شركة كبيرة للمعادن أو الجيولوجيا، وكدت أهاجر إلى ألاسكا في أميركا، لأنني عندما تخرجت حلمت في لحظة معينة بالهجرة للبحث عن العمل كمهندس جيولوجي. وبما أنني كنت ناشطا سياسيا فإن السياسة كانت أكثر قوة. ففي ذلك العهد كانت هناك معركة من أجل التغيير في السنغال، فبقيت في البلاد، وعملت في الشركة الوطنية للبترول حتى فوز الرئيس عبد الله واد سنة 2000، لأصبح مديرا عاما للشركة ثم وزيرا للطاقة، وواصلت مسيرتي السياسية بعد ذلك.

* لقد كان الرئيس سنغور شاعرا.. هل تحب الشعر؟

- أنا لست شاعرا، حتى أكون صادقا. الشعر موهبة وأنا أحب الشعر كثيرا لكنني لست شاعرا وإنما فني ومهندس. أحب النثر أيضا خاصة عندما تكون فيه الجمل مكررة وبسيطة، وأنتم تعرفون أن الشعر ليس جملا بسيطة.

* وماذا عن الموسيقى هل أنت مولع بها؟

- أحب الاستماع للموسيقى، لكنني لست محبا لها لدرجة الرقص. أحب الاستماع للموسيقى سواء كانت سنغالية أو موسيقى عالمية، كما أستمع للموسيقى العربية التي أجد أنها في غاية الحساسية والدقة، ونتذكر دائما أغاني أم كلثوم مع أننا لا نفهم معاني الكلمات، لكنها أغان في غاية الروعة. فالأغنية العربية، من وجهة نظري، لديها جمالها تماما كما تستمعون للأغاني الهندية مع أنكم لا تفهمون شيئا من الكلمات. بالتأكيد هناك موسيقى أخرى أكثر شهرة وعالمية مثل «الجاز»، وأنواع أخرى استمعت لها كثيرا عندما كنت طالبا، لكن الآن ليس لديّ الكثير من الوقت للاستماع للموسيقى، باستثناء بعض الليالي حين تقدم لي زوجتي بعض الأشرطة للاستماع لها من أجل الاسترخاء.