فابيوس يبحث العملية الديمقراطية في تونس

هولاند سيؤدي زيارة إلى الجمهورية التونسية بداية الشهر المقبل

TT

بدأ وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أمس (الثلاثاء) زيارة لتونس لبحث العملية الديمقراطية في هذا البلد الذي يحكمه الإسلاميون، وذلك قبل زيارة سيقوم بها الرئيس فرنسوا هولاند.

ومثل وضع الانتقال السياسي في تونس ومخاوف فرنسا من عودة توتر الأوضاع الأمنية، إلى جانب الإعداد لزيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى تونس أهم الملفات التي طرحها لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسية في زيارته أمس إلى تونس.

وكان لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسية قد صرح قبل الزيارة بأن الحكومة الفرنسية «قلقة ومنتبهة» للوضع السياسي في تونس لكنها لا تتدخل ولن تدعم طرفا سياسيا على حساب الأطراف الأخرى. إلا أن تصريحا نسب لمانويل فالس وزير الداخلية الفرنسي خلال شهر فبراير (شباط) الماضي تحدث فيه عن «الفاشية الإسلامية» في تونس، قد أثار موجة احتجاجات على الضفة الجنوبية من المتوسط، وهو ما أوحى بوجود مخاوف فرنسية حقيقية مما قد تفرزه فترة الانتقال الديمقراطي في تونس.

واكتفت وزارة الخارجية التونسية بالإشارة إلى أن الزيارة تندرج في إطار التحضير للزيارة التي ينتظر أن يؤديها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى تونس خلال شهر يوليو (تموز) القادم وهي الزيارة الثالثة إلى بلدان المغرب العربي بعد الجزائر التي زارها في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2012 والمغرب التي زارها في شهر أبريل (نيسان) الماضي.

إلا أن متابعين للظرف السياسي الذي تمر به تونس خلال هذه الفترة يرون أن الزيارة ستكون حاسمة لعدة أسباب من بينها أهمية دعم الطرف الفرنسي للملف الاقتصادي التونسي سواء على مستوى دول الاتحاد الأوروبي أو لدى المنظمات الدولية المانحة، والطمأنة النهائية للجانب الفرنسي بعدم الهيمنة على مفاصل الدولة واحترام طابعها المدني والابتعاد عن القوة والعنف لمعالجة الخلافات السياسية بين العلمانيين والإسلاميين إضافة إلى موقف حركة النهضة من التيار السلفي الجهادي.

ولفت فرنسوا غويات سفير فرنسا في تونس في مناسبات صحافية سابقة انتباه القوى السياسية التونسية إلى البنود المثيرة للجدل حول مكانة الإسلام والمرأة وغيرهما في مسودة الدستور الجديد، وقال، إنها «تشكل موضوع حوار بين تونس وفرنسا قد يؤدي إلى إلغائها من النص قبل إحالة مشروع الدستور على المجلس التأسيسي(البرلمان».

وتسعى فرنسا إلى تأكيد دعواتها السابقة إلى التمسك بالقيم الكونية على غرار التداول السلمي الديمقراطي للسلطة ونبذ استعمال العنف للوصول إلى الحكم، وضمان ممارسة الحريات العامة والفردية.

والتقى الضيف الفرنسي عددا من كبار المسؤولين التونسيين وانطلقت زيارته بالتقاء نظيره التونسي عثمان الجارندي ليعقد بعد ذلك جلسة مباحثات مع علي العريض رئيس الحكومة قبل أن يتباحث مع مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) واختتم زيارته بمقابلة المنصف المرزوقي في قصر الرئاسة بقرطاج. وعقد رئيس الدبلوماسية الفرنسية سلسلة من اللقاءات مع قيادات الأحزاب السياسية الرئيسة في المعارضة بالإضافة لاستقباله بعض أفراد الجالية الفرنسية المستقرة في تونس.

وصرح فانسان فلوريان الناطق المساعد باسم وزارة الشؤون الخارجية بأن لوران فابيوس سيجدد التعبير للتونسيين عن ثقة فرنسا بعملية الانتقال السياسية وتضامنها في هذه المرحلة العصيبة من تاريخهم.

وأضاف أن فرنسا التي هي أول شريك لتونس لن تدخر أي جهد من أجل مساندة هذا البلد الصديق، الذي ألهم منذ عامين التغييرات التاريخية الحالية في العالم العربي.

وفي هذا الشأن قال صلاح الدين البرهومي أستاذ التاريخ الحديث بالجامعة التونسية لـ«الشرق الأوسط»، إن العلاقة بين فرنسا وتونس أعقد مما تبدو فهي تتخذ طابعا سياسيا واقتصاديا في نفس الوقت، ففرنسا لا تزال على الرغم من التطور الحاصل في علاقتها بتونس ترى أنها فضاء حيوي لا يمكن التفريط فيه وهي تتنافس مع قوى سياسية أخرى من بينها الولايات المتحدة الأميركية للمحافظة على مجالها الحيوي ممثلا في مستعمراتها القديمة ممثلة في بلدان المغرب العربي. وأضاف البرهومي أن حالة «الضيق الاقتصادي» والانكماش الذي تعاني منه اقتصادات الدول الأوروبية جعلتها تبحث لها عن متنفس قد تجده في بلدان الربيع العربي المحتاجة لاستثمارات ضخمة للرفع من مستوى أدائها الاقتصادي والتخفيف من حدة طلبها الداخلي على التنمية والتشغيل. واعتبر أن فرنسا لا تهتم بالملف الأمني ولكنها تربط بين الوضع الأمني وتأثيره على الاستثمار الاقتصادي فهي على حد قوله كانت تدعم النظام السابق وقدمت له المساعدات المختلفة حتى آخر أيامه وهذا يدخل في باب المناورات التي يقوم بها رأس المال للمحافظة على الأمن والاستقرار الشرطان الضروريان لكل عملية استثمارية على حد تعبيره.

وأعطت كثير الأطراف السياسية أهمية مضاعفة لزيارة لوران فابيوس إلى تونس بعد أن تأجلت زيارة الرئيس الفرنسي إلى تونس أكثر من مرة بسبب الأوضاع الداخلية غير المستقرة. ومن المنتظر أن يؤدي فرنسوا هولاند أول زيارة إلى تونس خلال شهر يوليو (تموز) القادم وذلك منذ توليه رئاسة الجمهورية الفرنسية. وكانت زيارة هولاند إلى تونس مبرمجة خلال شهر مايو (أيار) الحالي.

وارتكزت المباحثات التونسية - الفرنسية على عملية الانتقال الديمقراطي في تونس والتي لا تنظر إليها فرنسا بأعين مطمئنة خاصة بعد اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد خلال بداية شهر فبراير الماضي، بالإضافة إلى العلاقات الثنائية الرابطة بين الطرفين باعتبار أن فرنسا تمثل أهم شريك اقتصادي لتونس قدمت فرنسا خلال السنتين الماضيتين، نحو 360 مليون دينار تونسي ما يساوي 180 مليون يورو من المساعدات والقروض.