نواب أميركيون يطالبون بعزل إيران عن أسواق النفط العالمية

تقارير بحثية أكدت أن السوق العالمية قادرة على استيعاب فقدان الإنتاج الإيراني

TT

بعد فشل العقوبات الاقتصادية في منع إيران من المضي قدما في برنامجها النووي، اقترحت مجموعة من النواب والمحللين الأميركيين عزل إيران تماما عن أسواق النفط العالمية. ويرى مؤيدو هذه الخطوة أن زيادة إنتاج النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد جعلت من المجدي اقتصاديا مقاطعة النفط الإيراني بشكل كامل. ومن شأن هذه الخطوة، في حال نجاحها، أن تؤدي إلى تهميش رابع أكبر منتج للنفط في العالم، كما يمكنها إجبار إيران على تغيير سياستها النووية.

وعلى الجانب الآخر، انتقد بعض الاقتصاديين والمسؤولين في إدارة الرئيس أوباما هذا الاقتراح، مشيرين إلى أن هذه الخطوة من شأنها أن تحدث اضطرابا في أسواق النفط وتؤثر سلبا على تحالفات الولايات المتحدة وترفع أسعار الطاقة.

ويقول مسؤولون بالبيت الأبيض إنهم يدرسون بدائل لفرض مزيد من العقوبات على صادرات النفط التي تمد إيران بالجزء الأكبر من العملة الصعبة. وفي الوقت نفسه، تعمل الإدارة الأميركية والكونغرس على اتخاذ تدابير مالية جديدة لسد الثغرات التي تسمح لإيران بالحصول على العملة الصعبة - ولا سيما الذهب - من خلال النفط والغاز.

ويكمن السبب وراء هذه الجهود الحثيثة في رفض إيران قبول القيود المفروضة على برنامجها النووي الذي يتقدم بسرعة كبيرة، والذي يخشى المسؤولون الأميركيون من قدرته على إنتاج أسلحة نووية قريبا. وكانت العقوبات قد أدت إلى تقليل عائدات النفط الإيرانية بنسبة 40 في المائة خلال العام الماضي، ويرى عدد من المشرعين والمحللين أن الظروف مواتية لمحاولة تقليل العائدات بصورة أكبر قد تصل إلى 100 في المائة.

وقال مستشار بارز بمجلس الشيوخ شارك في المناقشات حول الاقتراح بمطالبة الدول بالتوقف عن استيراد النفط الإيراني، أو مواجهة خطر عدم القدرة على الوصول إلى النظام المصرفي الأميركي، إنه «إذا ما كنا نتحدث عن الأشياء التي يمكنها التأثير حقا على الاقتصاد الإيراني، فيأتي في مقدمتها حظر تصدير النفط الإيراني للأسواق الخارجية». وقال المستشار، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه يناقش مداولات داخلية لمجلس الشيوخ، إن هناك «اهتماما كبيرا على مستوى الحزبين الجمهوري والديمقراطي» بهذه الخطة.

ومن بين الذين يبحثون عن طرق جديدة للحد من صادرات النفط الإيرانية بشكل كبير السيناتور روبرت مينينديز، وهو نائب ديمقراطي عن ولاية نيوجيرسي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية، والسيناتور مارك كيرك، وهو نائب جمهوري عن ولاية إلينوي وعضو لجنة المخصصات بالكونغرس وأحد أبرز الصقور الذين يطالبون بفرض عقوبات على إيران. ويقول مستشارون بالكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي إنه من المتوقع أن يقوم الكونغرس بالموافقة على مشروعي قانونين قبل العطلة الصيفية.

ويعتمد مؤيدو هذا الاقتراح على الاستنتاجات التي توصل إليها التقرير المستقل الذي تم إعداده من قبل شركة «روبيني غلوبال إيكونوميكس» البحثية ومجموعة «توفير الطاقة المستقبلية للولايات المتحدة»، وهي مجموعة غير ربحية تتخذ من واشنطن مقرا لها. ويقول التقرير إن أسواق النفط باتت أكثر استقرارا، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل خمس سنوات، عندما أدى الطلب المتزايد من قبل الدول الآسيوية إلى حدوث مشكلة في الإمدادات العالمية وارتفاع الأسعار. واليوم، أدى تباطؤ النمو الأوروبي وزيادة إنتاج النفط العراقي والأميركي إلى حدوث فائض يقدر بنحو 4 مليون برميل يوميا، حسب التقرير.

وأضاف التقرير أن السوق العالمية قادرة على استيعاب فقدان معظم، أو كل، الإنتاج الإيراني، الذي يصل لنحو 1.5 مليون برميل يوميا، وهو الاحتمال الذي لم يكن يمكن التفكير فيه قبل عام من الآن. ورغم أن إيقاف الصادرات الإيرانية يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات مؤقتة في الإمدادات، فإن «السوق يمكنها أن تتعافى الآن»، على حد قول بول دومجان، وهو العضو المنتدب لشركة «روبيني»، وأضاف: «هذا هو أفضل وقت لتجربة ذلك».

وعلى الجانب الآخر، ثمة اعتراض على هذا التحليل من جانب آخرين، حيث يرى روبرت ماكنالي، وهو رئيس شركة «رابيدان غروب» الاستشارية، أن مستوى الطاقة الإنتاجية الفائضة للنفط الخام ما زال منخفضا نسبيا، وأن معظم هذه الطاقة الإنتاجية الفائضة موجود في المملكة العربية السعودية. ورغم تأكيد المملكة على قدرتها على إنتاج أكثر من 12 مليون برميل يوميا، فإن الكثير من المحللين يشككون في ذلك.

وبينما يؤكد التقرير الصادر عن شركة «روبيني» ومجموعة «توفير الطاقة المستقبلية للولايات المتحدة» على وجود استقرار في أسعار النفط، تصل أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها، حيث يصل متوسط سعر سلة خامات منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) إلى أكثر من 100 دولار للبرميل للمرة الأولى على الإطلاق خلال العامين الماضيين والأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، وفقا لبيانات «أوبك».

ويقول ماكنالي إن خطر امتلاك إيران للقنبلة النووية يفوق أي اضطرابات قد تحدث في سوق النفط، مشيرا إلى أنه يتعين على الولايات المتحدة استخدام مخزونها من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي للتغلب على مشكلة توقف الصادرات الإيرانية.

وعلاوة على ذلك، يتطلب إيقاف صادرات النفط الإيرانية جهودا دبلوماسية حثيثة، بما في ذلك إقناع بقية البلدان التي ما زالت تستورد النفط الإيراني بالاعتماد على مصادر أخرى، حتى ولو كان ذلك بأسعار أعلى. وتشمل قائمة الدول المستوردة للنفط الإيراني كلا من الصين واليابان وكوريا الجنوبية، رغم قيامها بتقليل واردتها خلال العام الماضي.

وتحث الإدارة الأميركية البلدان الأربعة على تقليص وارداتها من النفط الإيراني، في الوقت الذي يرى فيه بعض المسؤولين الأميركيين أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى نتائج عكسية تؤثر على الاقتصاديات، وتؤدي إلى رد فعل عنيف على سياسة العقوبات الأميركية، فعلى سبيل المثال، كانت الصين أكثر دعما للجهود الدبلوماسية من خلال مجموعة الخمسة زائد واحد – الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا)، بالإضافة إلى ألمانيا – للضغط على إيران.

وقال مسؤول بارز بالإدارة الأميركية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه يتحدث عن مداولات داخلية بشأن السياسة الأميركية تجاه إيران: «سيكون هناك عقوبات جديدة، ولكن لا ينبغي لنا أن نغفل عن الهدف، وهو الضغط على إيران، وليس الدخول في معارك مع الشركاء التجاريين».

وعلاوة على ذلك، يتعارض اقتراح فرض مزيد من الضغوط الاقتصادية على إيران مع توصيات مجموعة من الدبلوماسيين والمسؤولين الأميركيين السابقين الذين يرون أن العقوبات فشلت في تغيير سلوك النظام الإيراني. وخلال الشهر الماضي، أشار تقرير موقع من 35 مسؤولا أميركيا سابقا إلى فشل 30 عاما من المحاولات لعزل ومعاقبة إيران. ويرى بعض النقاد أن العقوبات القاسية المقترحة من شأنها أن تضر بالشعب الإيراني، ولكنها لن تغير من سياسة طهران النووية. وأضاف التقرير: «يبدو أنه من غير المؤكد أن تؤدي الضغوط وحدها إلى تغيير قرار القادة الإيرانيين».

ومع ذلك، يأتي التفكير المتزايد في فرض عقوبات أكثر صرامة على صادرات النفط الإيرانية في الوقت الذي تبحث فيه الإدارة الأميركية والكونغرس عن زيادة ضغوطها الاقتصادية على إيران. وخلال الأسبوع الماضي، قدم مشرعون أميركيون مشروع قانون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي يهدف إلى منع إيران من الوصول إلى مليارات الدولارات المحتفظة بها في المصارف الخارجية – وهي الأموال التي تصل إلى نحو ثلث إجمالي العملة الصعبة لطهران.

وعلاوة على ذلك، يفكر الكونغرس في كيفية التغلب على ما وصفه بعض المسؤولين بـ«الثغرة الذهبية» لإيران، التي تتمثل في ضعف قانون العقوبات الحالي بالشكل الذي يسمع لطهران بالحصول على العملة الصعبة عن طريق الحصول على الذهب من الأسواق الخارجية.

* خدمة «واشنطن بوست»