المعارضة المسلحة في حلب تقاتل على جبهتين

«الهيئة الشرعية» تتوعد بملاحقة مسلحي المنطقة الصناعية

TT

تعتبر حلب العصب الصناعي لسوريا، واشتهرت منذ القدم بصناعات النسيج وحلج القطن وصناعة صابون الغار، وتطورت هذه الصناعات في العصر الحديث لتشمل الأجهزة الكهربائية بأنواعها والمعدات والآلات الصناعية وقطع الغيار والملابس الجاهزة والبلاستيك والصناعات الكيماوية.

وتطور الحراك الثوري بشكل بطيء في أكبر المدن السورية من حيث عدد السكان، 5 ملايين نسمة، خلال الأشهر الأولى من عمر الثورة السورية المطالبة بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، إلا أن دخول الجيش السوري الحر لحلب في يوليو (تموز) 2012 حولها إلى أهم مركز للمعارك بين الجيشين الحر والنظامي.

وتنقسم محافظة حلب التي تبعد 355 كيلومترا عن العاصمة دمشق، إداريا إلى 8 مناطق هي منطقة إعزاز، ومنطقة الباب، ومنطقة جرابلس، ومنطقة السفيرة، ومنطقة عفرين، ومنطقة عين العرب، ومنطقة منبج، وحلب المدينة التي تحارب فيها المعارضة على جبهتين: جبهة خارجية ضد القوات الموالية لنظام الأسد، وجبهة داخلة ضد «الفاسدين» و«المتسلقين» من حملة السلاح.

وفي آخر مستجدات الجبهة الأولى، تمكن الجيش الحر أمس من اقتحام السجن المركزي، الذي يوجد فيه 4 آلاف سجين، وفقا لما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان. وأضاف المرصد، أن «اشتباكات عنيفة تدور بين مقاتلين من الكتائب المقاتلة والقوات النظامية داخل أسوار السجن» الواقع عند طرف مدينة حلب الشمالي، وذلك «بعد تمكن الكتائب المقاتلة من اقتحامه إثر تفجير سوره بسيارتين مفخختين».

لكن التحدي الأكبر الذي يواجه ثوار حلب يكمن في الجبهة الثانية، الداخلية، في ظل ظهور عدد كبير من الكتائب والألوية العسكرية التي تدعي قتال قوات النظام، بينما تمارس أنشطة إجرامية تسيء للحراك الثوري في المدينة.

وفي محاولة للتصدي لهؤلاء، أعلنت الهيئة الشرعية، أقوى السلطات النافذة على الأرض في حلب، قبل أيام البدء بحملة أمنية لإخراج المسلحين من المنطقة الصناعية، شرق حلب، في محاولة لرد المصانع والورش إلى أصحابها «بعد وصول الهيئة شكاوى من الملاك بأن مسلحين استباحوا أموال الناس»، على حد قول رئيس الهيئة الشرعية، الشيخ حسن الكياري. وأضافت مصادر بارزة في المعارضة لـ«الشرق الأوسط» أن «مسلحين كانوا من شبيحة نظام الأسد في حلب، يحملون السلاح الآن ويدعون أنهم تابعون للجيش السوري الحر، ينفذون تلك الانتهاكات والممارسات التي نرفضها، علما بأن تلك المجموعات لا وجود لها أبدا على الجبهة الأمامية، ولم تقاتل القوات النظامية بتاتا». وأشارت إلى أن «بعض المجموعات تبين أن لها دورا سلبيا، وتتضمن لصوص بين أفرادها، ما دفع الهيئة للتحرك».

ووجهت الهيئة أول من أمس نداء إلى أهالي حي الإنذارات، المحاذي للمنطقة الصناعية، لمغادرة منازلهم مؤقتا، والابتعاد عن الأماكن المكشوفة والقريبة من الشوارع هناك، وذلك بسبب تمترس لصوص مسلحين في الحي. ونقلت شبكة «حلب نيوز» أن الهدف من الحملة على الحي هو رغبة الهيئة، والكتائب الموالية لها، في محاسبة المخطئين الفارين من المنطقة الصناعية. ووفقا لمركز حلب الإعلامي، تمكنت الهيئة أمس من السيطرة على مقرات جبهة «غرباء الشام» في حي الإنذارات، واعتقلت الكثير من عناصرهم في مقرهم الرئيس بحي الصاخور بعد أن تمكن القيادي في الجبهة حسن جزرة من الهروب مع عدد من مرافقيه. وتتألف الهيئة الشرعية من معظم الألوية والتشكيلات المقاتلة بحلب، وأبرزها «لواء التوحيد» و«جبهة النصرة» و«لواء الإسلام» و«أحرار الشام»، كما تضم تشكيلات قضائية وعسكرية تطبق الشريعة الإسلامية، مثل «الهيئة الشرعية السورية»، و«المجلس الإسلامي السوري»، وغيرهما. وقد تأسست كإدارات محلية لإدارة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وفق الشرعية الإسلامية.

ويدعي المسلحون أن تلك المنشآت الصناعية التي تعمل، أو توقفت عن العمل «تعود ملكيتها لشخصيات مؤيدة للنظام السوري». لكن الهيئة، بحسب المصادر، «ترفض تلك الادعاءات، وتصر على محاربة السارقين، حتى لو صحت أسبابها، لأن الملكيات تعود لسوريين ولا يمكن السيطرة عليها وسرقتها».

وتشمل السرقات الكابلات الضوئية الخاصة بالشبكات الهاتفية، وكابلات النحاس، وغيرها من المنتجات الصناعية، إضافة إلى سرقة آلات بعض مصانع المنطقة المذكورة. وشنت الهيئة الشرعية حملتها ضد المسلحين في المنطقة الصناعية، من غير دعم مباشر من قيادة الأركان في الجيش السوري الحر. وعما إذا كانت الحملة لاقت إجماعا شعبيا، قالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن «جميع التشكيلات تجمع على أن الهيئة الشرعية لا تأخذ الخوات، ولم تدن بممارسات التشبيح، فضلا عن أنها القوة العسكرية والأمنية الوحيدة الفاعلة في حلب». وأوضحت المصادر أن طرق الحماية في حلب «إما تؤخذ بالحماية الشخصية، وإما عبر الهيئة الشرعية».

يشار إلى أن مجلس القضاء الموحد بمدينة حلب أصدر أمس بيانا حول «التوتر الحاصل بين الهيئة الشرعية وغرباء الشام»، بحسب ما وصفته، جاء فيه أن «مجلس القضاء الموحد إذ يراقب عن كثب ما يحصل بين الهيئة الشرعية ومن ساندها من ألوية وكتائب وبين جبهة غرباء الشام، فإن المجلس يدعو الجميع لضبط النفس ويؤكد أن ما يحصل هو ما يطلبه النظام ويتمناه».

وقال ياسر النجار عضو المجلس الأعلى للثورة السورية في حلب لـ«الشرق الأوسط» إن «معركة تحرير السجن ستكون طويلة ولن تنتهي بسهولة وربما تستمر عدة أيام نظرا لضخامة المكان واتساع مساحته». وشدد النجار على أن «حياة السجناء مهمة جدا بالنسبة للجيش الحر الأمر الذي دفع المقاتلين لتجنب استخدام الهاون واعتماد العمليات الاقتحامية، حيث جرت عملية الاقتحام بالتنسيق مع كتائب داخل قوات النظام، تم تأمين انشقاقها قبل الهجوم».

ويؤكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» تحرير هذا السجن سيضعف النظام استراتيجيا، لا سيما أنه تحول بعد الثورة إلى ثكنة عسكرية تضم قوات من الفرقة الرابعة. ولفت إلى أن الجيش الحر حاول مرارا بعد إحكام حصاره للسجن، منح جنود النظام فرصة للاستسلام وإطلاق السجناء مقابل الخروج آمنين من السجن، لكنهم لم يستجيبوا.