مقاتلو العمال الكردستاني في «استراحة المحارب» ونساؤه لا يجدن فسحة للتفكير بالحب والزواج

الحزب يحصل على تمويله من تبرعات أنصاره وله مشاريع استثمارية

TT

بعد أن وضعت الحرب أوزارها في تركيا بعد صراع دام استمر لما يقرب من أربعين عاما وظهور بوادر انفراج حل سلمي طال انتظاره للصراع القومي بين أكراد تركيا وحكوماتها المتعاقبة جاء تتويجا لسياسة الانفتاح التي بدأها رئيس الوزراء الحالي رجب طيب أردوغان منذ بدايات توليه السلطة وأثمرت عن فتح قنوات الاتصال مع الحزب الكردستاني، وتحديدا مع زعيمه المعتقل عبد الله أوجلان منذ عام 1999. دخل محاربو هذا الحزب فيما يعرف بفترة «استراحة المحارب»، وهي مرحلة جديدة وغير مألوفة بالنسبة للجيل الحالي من مسلحي الحزب الذين شبوا مع سلاحهم، وكانت البنادق جزءا من شخصيتهم طوال أربعة عقود مضت.

يتوقع أن تسكت أصوات المدافع والبنادق لإعطاء عملية السلام فرصة ثمينة لن تتكرر لحل الصراع داخل تركيا، والحزب الكردستاني جاد في ذلك، حيث بادر من قبل ولسبع مرات متفاوتة بوقف القتال من طرف واحد، لكن الحكومات التركية وبضغط من المؤسسة العسكرية رفضت مرارا الاستجابة لتلك المبادرات ما كبد البلد مزيدا من الخسائر البشرية، حتى جاء أردوغان ليدخل بتصميم وعزم أكيدين عملية سلام يريد لها أن تعيد الاستقرار لهذا البلد الشرق الأوسطي الذي بات يلعب دورا محوريا في أحداث المنطقة. وتحدى أردوغان المؤسسة العسكرية العريقة بالتوجه نحو السلام، وبدأه بإجراء مفاوضات سرية مع قيادات حزب العمال في أوسلو، العاصمة النرويجية، ليعلنها أخيرا بإرسال ممثليه جهارا إلى جزيرة إيمرالي لمفاوضة زعيم الحزب المعتقل عبد الله أوجلان، إيمانا منه بأن مفتاح الحل يكمن في إيمرالي، وأن قيادة الجبل ستبقى خاضعة لسطوة وسيطرة أوجلان على الحزب حتى وهو داخل محبسه. وقد نجح في ذلك، حيث أطلق أوجلان مبادرته السلمية في عيد نوروز من هذا العام فيمارس وتبعتها خطوات جدية للتطبيع وحل القضية بالطرق السلمية.

المقاتلون اعتادوا على نمط معين من العيش، فماذا سيفعلون مع هذا التطور الجديد بحياتهم ومسيرتهم النضالية؟

لقد كان رئيس اللجنة القيادية للحزب بجبل قنديل مراد قره يلان صريحا في طمأنة المقاتلين بقوله «إن النضال من أجل السلام لا يختلف عن النضال الثوري والكفاح المسلح، بل قد تكون المهمة أصعب، مما يفرض على الحزب مواصلة نضاله هذه المرة من أجل تحقيق السلام». فهل أقنع قوله هذا من شبوا على القتال ونصب الكمائن والمرابطة في الخنادق بجبال كردستان تركيا؟

الكاتب والصحافي الكردي دياري محمد وهو أحد المقربين من الحزب أكد لـ«الشرق الأوسط» أن المقاتلين «يأتمرون بأوامر قيادتهم مهما كانت تلك الأوامر، لقد تربوا على ذلك. لا أحد منهم يناقش قرارات قيادة الحزب الكبرى والمصيرية، لأن هناك قيادة جماعية للحزب حاليا، وفي السابق كان لأوجلان القول الفصل في الكثير من القرارات، وباعتقاله أصبحت القرارات بيد القيادة الجماعية، وهي بالطبع كانت بطريقة أو أخرى على اتصال بالزعيم داخل محبسه». ويضيف «هذه المرحلة الجديدة لا تعني انتهاء الثورة، فقيادة الحزب ترى أنه لم يحن الوقت بعد للتخلي عن السلاح، لذلك فإن جميع المقاتلين الذين سيعودون إلى جبل قنديل سيحتفظون ببنادقهم وأسلحتهم إلى حين حصول الحزب على ضمانات دستورية كافية لحل قضيتهم القومية في تركيا، لذلك تستطيع أن تسمي المرحلة فعلا بـ(استراحة المحاربين) فمن يدري، هناك أعداء للسلام يحاولون بشتى الطرق عرقلة مسيرتها، ولذلك فإن قيادة الحزب ليست مستعدة للمراهنة على مستقبل العملية، ومن دون الضمانات القانونية والدستورية والدولية لا يمكن لهذا الحزب أن يتخلى عن سلاحه، وهذا يعني بأن المرحلة الحالية هي مرحلة انتقالية يتقرر مصيرها وفقا للتطورات القادمة، وأعتقد بأن المقاتلين سيحتفظون ببنادقهم ويواصلون نضالهم».

ولأول مرة في تاريخ المنطقة تصل المرأة في التنظيمات السياسية إلى أعلى مراتب المسؤولية في حزب العمال الكردستاني. فحزب الحياة الحرة (بيجاك)، وهو الفرع الإيراني لحزب العمال الكردستاني ويهتدي بفكر أوجلان، أتاح قبل عدة سنوات للمرأة المقاتلة فرصة المشاركة بالقرار السياسي ووصلت يلدا جيا إلى عضوية المكتب السياسي وهو أعلى مراكز القرار بهذا الحزب. وتقول في تصريح لها لموقع «آوينة» الكردي «إن الحزب خصص (كوتا) لنساء الحزب بنسبة 40%، وهذه نسبة ثابتة تنعكس على جميع مفاصل الحزب القيادية والقاعدية». وتفتخر يلدا بأنها انضمت إلى صفوف الحزب قبل ستة عشر عاما وهي في السادسة عشرة من عمرها، ودخلت دورة حاضر فيها أوجلان بنفسه، وتتولى اليوم إعداد الكوادر النسائية وتدريبهن وتثقيفهن. وتقول «هناك قيادة نسوية بالحزب، ترتبط بها التنظيمات الخاصة باتحاد نساء كردستان في الداخل، ومهمتنا هي فتح الدورات الثقافية والتوجيهية خاصة بالنضال الثوري وحقوق المرأة داخل المجتمع وغيرها من المسائل الخاصة بالمرأة».

كثير من نسوة الحزب لا يجدن فسحة للتفكير بالزواج فهو مؤجل عندهن. ولكن ذلك لا يمنع وقوعهن بالحب، خصوصا أنهن في تجوال مستمر بالقرى والمدن الكردية داخل تركيا. ولكن الثابت داخل الحزب أن العلاقات العاطفية محرمة تماما، والعلاقات بين المقاتلين والمقاتلات تغلبها دائما رفقة السلاح والحزب ولا غير ذلك.

وحسب دياري محمد «تنشأ المرأة المقاتلة بالحزب وهي بنعومة أظفارها من قبل أسرتها، الغالب أنه يجب على كل عائلة كردية سواء بالداخل أو الخارج أن تسهم في دعم حزب العمال الكردستاني لمواصلة نضاله القومي، لأنه الأمل الوحيد لأكراد تركيا للتمتع بحقوقهم القومية، فمن كان بإمكانه أن يدعمه بالمال فعل، ومن لم يستطع قدم ابنا أو ابنة لينضم للحزب، ولذلك فإن الشعب الكردي بتركيا بغالبيته العظمى متعاطف مع الحزب وداعم لنضاله. والفتاة التي تدخل الحزب لا تفكر مطلقا بالزواج ما دامت ترفع سلاحها، فإذا صودف وإن وقعت في الحب وأرادت الزواج، فإنها ستترخص من الحزب وتغادر صفوفه من أجل الزواج ولا مشكلة في ذلك، أما من تبقى داخل الحزب فلا يجوز لها عقد أي علاقات عاطفية مع رفاقها بالسلاح. وحالات التخلي عن الحزب من أجل الزواج هي حالات نادرة جدا».

ورب سائل يسأل: من أين يأتي حزب العمال الكردستاني بكل هذه الأموال التي يستطيع بها أن يعيل عشرات الآلاف من المقاتلين ويدبر لهم أقواتهم ومعاشهم، ناهيك عن تسليحهم وتجهيزهم، خاصة أن الحزب لا يتسلم الدعم من أي دولة بالعالم، على اعتبار أنه حزب يعاديه الجميع ومصنف كمنظمة إرهابية إلى سنوات طويلة؟

«الشرق الأوسط» استقصت هذا الأمر من مصادرها الخاصة وتبين لها أن تمويل الحزب يأتي على الغالب من عدة مصادر أهمها تبرعات الأكراد في الداخل والخارج وكما سبق ذكره فإن العوائل الكردية تبادر بدعم الحزب بالأموال في حال لم تستطع رفده بالمقاتلين، وأكثر التبرعات تأتي من الأكراد اللاجئين والمقيمين في شتى دول العالم، وعلاوة على ذلك فإن لهذا الحزب الكثير من المشاريع الاستثمارية في عدد من دول العالم، منها مطاعم وفنادق ومقاه ومحلات تجارية مسجلة بأسماء أعضاء أو مؤيدي هذا الحزب، وهي المصدر الأساسي والأكبر من بين جميع المصادر الأخرى، حتى قيل في وقت سابق بأن الميزانية السنوية لهذا الحزب بلغت في إحدى السنوات بحدود 600 مليون دولار، وهذا مبلغ كبير، وفي العادة تصرف ميزانية الحزب بأمور التسليح والتجهيز، لأن المقاتلين يكتفون بأبسط متطلبات حياتهم، واعتادوا على أبسط أنواع الطعام والتي غالبا ما تكون أطعمة جاهزة يأخذونها معهم بجولاتهم داخل المناطق التركية.