بري يعلق جلسة البرلمان إلى غد.. و«الكتائب» تشذ عن 14 آذار وترفض «المختلط»

عون يتهم جعجع بالخيانة لتخليه عن «الأرثوذكسي»

تمام سلام رئيس الحكومة المكلف (يمين) لدى لقائه الوزير اللبناني السابق فوزي حبيش ونائب البرلمان هادي حبيش أمس (تصوير: دالاتي ونهرا)
TT

التأم مجلس النواب اللبناني شكليا أمس، في الموعد المحدد. وافتتح رئيسه نبيه بري الجلسة ثم رفعها مباشرة «حرصا على ما سماه بالتوافق العام»، معلنا تأجيل الجلسة إلى غد، بعد تسلّمه اقتراح قانون انتخاب مختلط يزاوج بين النسبية والأكثرية، وقعته كتلة جبهة النضال الوطني وأحزاب «14 آذار» باستثناء حزب الكتائب.

وفي خطوة لاحقة لتسلمه مشروع القانون المختلط من نواب «14 آذار»، بعد سقوط الإجماع على قانون «اللقاء الأرثوذكسي»، الذي ينص على أن تنتخب كل طائفة نوابها، قرر بري إحياء لجنة التواصل النيابية، وترأس أولى جلساتها ظهر أمس. وقالت مصادر نيابية مشاركة لـ«الشرق الأوسط» إن «الجلسة كانت استطلاعية، واقتصرت على عرض مشروع القانون المختلط». ثم عاودت اللجنة الاجتماع عند السادسة مساء، على أن تواصل اجتماعاتها خلال اليومين المقبلين، قبل انعقاد الجلسة العامة المقبلة في السادسة من مساء غد.

وكان مكتب الرئيس بري قد شهد لقاءات مكثفة مع النواب قبيل انعقاد الجلسة بهدف التوصل إلى توافق، بينما عقد نواب كتل «المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«جبهة النضال الوطني» والمستقلون اجتماعا في مجلس النواب، انتهى إلى الإعلان عن صيغة مشروع القانون المختلط، في غياب نواب حزب الكتائب الذين أبدوا اعتراضهم على بعض النقاط في مشروع القانون من دون أن تثمر المفاوضات التي استمرت في الفترة الفاصلة عن انعقاد الجلسة في الحصول على موافقة علنية.

وأعلن منسق اللجنة المركزية في حزب «الكتائب» النائب سامي الجميّل «أننا سنؤمن النصاب لأي جلسة يطرح فيها طرح توافقي لكننا سنتحفظ عن التصويت بما لا نقتنع به». وأوضح «أننا لم نوقع المشروع المختلط بسبب تحفظاتنا عليه»، داعيا إلى الابتعاد عن «الاستنسابية» في «تقسيم المحافظات». وينطلق مشروع القانون المختلط المقترح من طرح قدمه أساسا الرئيس بري إلى اجتماعات لجنة التواصل النيابية المصغرة، ويقسم لبنان إلى 26 دائرة انتخابية. ويزاوج القانون المختلط بين النسبية والأكثرية، إذ يصار إلى انتخاب 46% من النواب على أساس النسبية مقابل انتخاب 54% من النواب على أساس الصيغة الأكثرية. ويحرم هذا الاقتراح، وفق ما أعلنه نائب القوات جورج عدوان من مجلس النواب، الناخبين المسيحيين من القدرة على إيصال 10 نواب بأصواتهم إلى المجلس النيابي، مقارنة مع قانون «اللقاء الأرثوذكسي». وقال عدوان: «تنازلنا عنهم حتى يكون لبنان واحدا موحدا وحتى يشعر الجميع بالاطمئنان وترتاح كل المكونات».

وكان عدوان قد أكد «أننا لا نريد أن نطرح قانونا يتحدى أحدا، ولا نريد أن يشعر أحد أنه مبعد أو مغبون أو مغلوب على أمره نتيجة هذا القانون أو سجلنا عليه أي انتصار سياسي لأن الوقت هو وقت انتصار لبنان وجمعه لمواجهة كل ما يجري من حولنا وأن نجتمع ونتوافق مع بعضنا البعض، وليس الوقت لتسجيل نقاط لا في الحكومة ولا في المجلس النيابي ولا بأي موقع آخر، وقوة لبنان تنطلق من هذه المسلمات». ودعا «الفريق الآخر إلى أن يتقدم خطوة من جهته ولنضع أيدينا ونشبكها لنقدم للبنانيين قانون انتخابات يشعر الجميع بالاطمئنان له».

تقنيا، يوضح الخبير الانتخابي ربيع الهبر لـ«الشرق الأوسط» أن القانون المختلط المطروح «قد يكون واحدا من القوانين التي تعزز الوحدة الوطنية بشكل أو بآخر، لكنه لا يحصل للمسيحيين المناصفة الحقيقية». وقال: إنه «قد يساهم في إيصال قرابة 53 نائبا مسيحيا بأصوات الناخبين المسيحيين إلى البرلمان في حال كانت الأحزاب المسيحية موحدة في الانتخابات، أما مع حالة الانقسام القائمة فهو سيحرم المسيحيين من القدرة على إيصال ما بين 12 و15 نائبا إلى البرلمان».

ويرى الهبر أن «من سيئات الصيغة المقترحة كيفية تقسيم الدوائر في بعض المحافظات لا سيما في جبل لبنان، إذ درجت العادة على تقسيمه إلى دائرتين: جبل لبنان الجنوبي وتضم بعبدا عاليه والشوف، وجبل لبنان الشمالي ويضم المتن وكسروان وجبيل». ويلفت إلى أن التقسيم الوارد في القانون المختلط «أراح جنبلاط، من خلال ضم 20 ألف ناخب شيعي في بعبدا إلى دائرة جبل لبنان الشمالي». ويعتبر الهبر أن «اعتراض الكتائب هو على هذه النقطة بالتحديد، لا سيما أن الثقل الكتائبي قائم في منطقة المتن، ومع إضافة 20 ألف ناخب شيعي قد تتغير المعادلة لصالح الفريق الآخر ويحرمون من استقلاليتهم على المدى الطويل»، مشيرا إلى أن «هذا التعديل في التقسيم يخدم بشكل رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون ومع ذلك رفضه».

وتعتبر الأحزاب السياسية، عرابة القانون المختلط، فما قدمته هو مسودة قابلة للنقاش والتعديل، وهو ما أكده النائب عن كتلة المستقبل أحمد فتفت لـ«الشرق الأوسط»، معتبرا أنه «لم يفصل على قياس أي فريق سياسي». لكنه أشار في الوقت عينه إلى أن «الأمر الوحيد الذي يصعب مناقشته أو تعديله هو تقسيم الدوائر الانتخابية، وكل ما عدا ذلك قابل للنقاش». وأكد فتفت أن «اعتراضات الكتائب بسيطة وكان بالإمكان التوصل إلى مخرج معهم قبل تقديم مشروع القانون، خصوصا أنهم يعترفون أنه جيد من الناحية التقنية»، مشيرا إلى أن «المسألة لا تتعدى (الغنج) الكتائبي»، على حد تعبيره.

وفي موازاة الغياب التام لقياديي حزب «الكتائب» ونوابه بعد ظهر أمس، جاء الاعتراض الأبرز على لسان رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون من مجلس النواب، الذي شن ونوابه حملة قاسية على مسيحيي «14 آذار» وتحديدا حزب القوات اللبنانية، لتخليه عن المضي بقانون «اللقاء الأرثوذكسي».

واعتبر عون من مجلس النواب «ميثاق العيش المشترك نقض وللأسف أتى النقض بقبول بعض المسيحيين»، متهما «قسما مهما من المؤيدين بأنهم تركوا (الأرثوذكسي) ونكثوا بالوعود المقطوعة وأسقطوا القانون الأهم بالنسبة للمسيحيين». وأعرب عن اعتقاده بأن «همهم كسب المقاعد واستمرار لغة الاستيلاء المستدام على السلطة».

وقال النائب في كتلة عون زياد أسود لـ«الشرق الأوسط» إن «السيرة الذاتية للفريق الآخر، في إشارة إلى جعجع، لن تتغير وسمتها التخاذل والغدر، وهو اليوم يتنازل عن حقوق المسيحيين بهدف تحقيق مكاسب شخصية وتقوية محاور إقليمية على حساب مكونات الوطن». ورأى أن «الخيانة تكمن في التراجع عن تأييد (الأرثوذكسي) من قبل من أصرّ في بكركي على المضي به ومناقشته من دون الوقوف عند آراء الآخرين».

واتهم أسود جعجع بأنه «خائن للحقوق المسيحية، وباعها بأبخس الأثمان، ليبادل المناصفة في الوطن بالمحاصصة داخل فريقه السياسي». وأكد أنه «لا مجال للنقاش بأي صيغة قانون انتخاب آخر لا يراعي المناصفة»، مشددا على «أننا لن نتنازل عن أي مقعد مسيحي حتى لو اجتمع العالم كلّه».

وبادر رئيس حزب القوات سمير جعجع إلى عقد مؤتمر صحافي بعد ظهر أمس، رد فيه على عون. وقال: «نأسف لأنّ البعض بدأ يزايد علينا في حين أنّ (القانون الأرثوذكسي) لم يكن لديه أي أمل بأن يقرّ». وأضاف: «قيل إنّ (القوات) نكثت بوعدها لكننا لم نعطِ وعودا لأحد»، موضحا أن فريقه «لم يستمر بالقانون الأرثوذكسي لأن لا أمل بأن يصبح نافذا».

وأكد أن الأولوية هي «الوصول إلى قانون توافقي انطلاقا من القانون المختلط الذي طرحه بري». وكشف أن «النقاش والتفاوض للوصول إلى قانون انتخابي أخذ وقتا ونقاشا طويلا وصل إلى حد المقاطعة مع (المستقبل) في كثير من الأوقات قبل التوصل للقانون». ودعا جعجع إلى «الالتفاف حول المشروع المختلط ووضع كل الجهد اللازم للتوصل إلى أفضل قانون موجود بعد (الأرثوذكسي) وهو (المختلط) وللضغط أيضا لكي يصبح قانونا نافذا».