هيغل يعلن الحرب على المتحرشين داخل الجيش الأميركي

توقيف ثاني ضابط مكلف بمنع الاعتداءات الجنسية بالتورط في عمل جنسي في أقل من أسبوعين

هيغل يتحدث أمام موظفي وزارة الدفاع في ألكسندريا بفرجينيا مساء الثلاثاء (أ.ف.ب)
TT

أمر وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل مساء أول من أمس القوات المسلحة بإعادة تدريب وتأهيل عشرات الآلاف من المجندين العسكريين والضباط المكلفين بمنع الاعتداءات الجنسية بعد وقوع فضيحة جنسية جنائية أخرى زلزلت أركان البنتاغون.

وقدم هيغل هذا الأمر عقب كشف الجيش الثلاثاء أن رقيبا عسكريا من الدرجة الأولى، مكلفا بالتعامل مع قضايا الاعتداءات الجنسية في قاعدة «فورت هود» العسكرية بولاية تكساس، وضع قيد التحقيق بشأن مزاعم تتعلق بتورطه في اعتداء جنسي وتهم أخرى ذات صلة. وينظر المحققون في مزاعم أخرى تشير إلى أن الرقيب أجبر إحدى المجندات على ممارسة الدعارة، وفقا لمسؤول أميركي مطلع على القضية.

ويأتي هذا التحقيق العسكري بعد مرور عشرة أيام فقط على اعتقال ضابط برتبة مقدم يرأس برامج منع وقوع حالات الاعتداءات الجنسي بسلاح الجو الأميركي في مقاطعة أرلنغتون بعد اتهامه بالتحرش جنسيا بامرأة في مكان توقف السيارات. وتظهر تلك الحادثة، إلى جانب الإحصاءات الحديثة مدى توطن الجرائم الجنسية داخل الجيش، مما أثار رد فعل غاضبة من الرئيس أوباما وأعضاء الكونغرس.

وحذر هيغل الأسبوع الماضي من أن قدرة الجيش على التجنيد وأداء مهامه أصبحت مهددة بالخطر نتيجة اعتقاد الأميركيين أن القوات المسلحة غير قادرة أو غير راغبة في التعامل مع أزمة الاعتداء الجنسية داخل صفوفه. وقال مسؤولون في البنتاغون إن هذه الواقعة التي سببت الإحراج لهيغل جعلته أكثر غضبا.

قال جورج ليتل، السكرتير الصحافي لوزارة الدفاع (البنتاغون): «لا يمكنني أن أعبر بقوة كافية عن مدى الإحباط والغضب وخيبة الأمل التي يشعر بها هيغل إزاء هذه الدعاوى المثيرة للقلق وانهيار الانضباط والقيم الأخلاقية التي ينبغي الالتزام بها».

وقال مسؤولو وزارة الدفاع إن هيغل علم بهذا التحقيق العسكري صباح الثلاثاء من مساعده جون ماكهيو. لكن البنتاغون لم يكشف عن القضية حتى مساء الثلاثاء، وذلك بعد عدة ساعات من ظهور هيغل في اجتماع عام لموظفي وزارة الدفاع في مبنى مارك سينتر في ألكسندريا بولاية فرجينيا.

ولم يشر البنتاغون ولا الجيش الأميركي إلى هوية الرقيب؛ لأنه لم توجه إليه أي تهم بعد. وقال البنتاغون في بيان إن عملاء من قيادة التحقيقات الجنائية في الجيش الأميركي يحققون في مزاعم بأن الرقيب أساء معاملة مرؤوسيه، فضلا عن اتهامه بارتكاب اعتداءات جنسية والعمل في البغاء. وقال مسؤولون إنه تم إيقاف الضابط العسكري الذي عمل «مستشارا بوحدة تكافؤ الفرص» وبرنامج منع وقوع حالات الاعتداءات الجنسية في قاعدة فورت هود العسكرية، وهي إحدى المنشآت الكبرى التابعة للجيش الأميركي. ولم يكشف البنتاغون عن توقيت الإعلان عن هذه الادعاءات أو عدد الضحايا.

وعلى الجانب الآخر كان رد الفعل من جانب أعضاء الكونغرس سريعا وغاضبا. وقال الديمقراطي كارل ليفين رئيس لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ: «من المفجع أن تكون مشكلة الاعتداءات الجنسية في جيشنا بلغت حدا لا يمكن التغافل عنه حتى قبل هذه الواقعة الأخيرة والمقلقة للغاية». وقال إن النواب سيقدمون على اتخاذ عدد من التدابير للتعامل مع مشكلة الاعتداءات الجنسية داخل القوات المسلحة مثل إجراء تغييرات في القانون العسكري.

كما وصفت الديمقراطية نيكي تسونغاس، العضوة في لجنة الخدمات المسلحة بمجلس النواب، الأنباء المتعلقة عن الاعتداء الجنسي المفترض في قاعدة «فورت هود» العسكرية بأنها «بغيضة تماما». وأضافت: «من المؤلم القول إن الجيش لديه مشكلة ثقافية تتعلق بالاعتداءات الجنسية والسلوكيات السيئة الجنسية لا يتم التعامل معها على النحو الملائم». وقال الجمهوري هواردماك كيون، رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ، إنه «شعر بالغضب والاشمئزاز»، وإن إيمانه بقدرة الجيش على التحقيق في الجرائم الجنسية قد «اهتز بشدة».

وقالت الديمقراطية كيرستن غيلبراند، وهي أيضا عضوة في لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ، إنها ستقدم مشاريع قوانين جديدة (اليوم) الخميس لتغيير القانون العسكري بحيث تكون النيابة العامة المستقلة، وليس القادة العسكريون، المسؤولة عن التعامل مع الجرائم الجنسية والجرائم الخطيرة الأخرى، ولكن القادة العسكريين قاوموا مثل هذا المقترح بشدة. وأضافت قائلة: «لقد حان الوقت للعمل بجدية من أجل إصلاح نظام العدالة العسكري العقيم».

وبالإضافة إلى التوجيه بضرورة إعادة تدريب وتأهيل مئات من منسقي منع حالات الاعتداء الجنسي، أمر هيغل بتطبيق المعاملة ذاتها على جميع المجندين العسكريين. وسيشمل هذا القرار نحو 20 ألف مجند داخل الجيش وسلاح الجو والبحرية والمارينز.

وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الاثنين أن مجندين عسكريين ارتكبوا سلسلة من الفضائح والاعتداءات الجنسية خلال العام الماضي. لكن وزارة الدفاع الأميركية لا تدرك حجم المشكلة لأنها لا تتعقب الجرائم الجنسية التي يرتكبها المجندون الجدد ضد المدنيين قبل انضمامهم للخدمة العسكرية.

وفي الأسبوع الماضي، أصدرت وزارة الدفاع الأميركية تقريرا يشير إلى أن عدد الأفراد العسكريين الذي تعرضوا لاعتداءات جنسية وجرائم أخرى ارتفع بنحو 35 في المائة خلال العامين الماضيين على الرغم من الجهود المكثفة لمواجهة المشكلة. وقدرت إحدى الدراسات التي أجرتها وزارة الدفاع الأميركية أن 26 ألف جندي عانوا من اتصال جنسي قسري العام الماضي. ولم يقدم سوى جزء ضئيل من هذا العدد حتى الآن، (3.374)، مذكرات تتعلق بالاعتداء الجنسي إلى الشرطة أو أعضاء النيابة العامة العسكرية.

وقال مسؤولون عسكريون إن معظم الضحايا يترددون في توجيه اتهامات؛ لأنهم يخشون انتقام رؤسائهم أو أن يتعرضوا للنبذ داخل وحداتهم، أو أن المحققين لن يتعاملوا مع قضيتهم بشيء من الجدية.

وألقى النواب ومحامو الضحايا باللوم على عدم رغبة كثير من القادة في التعامل مع هذه المشكلة بصراحة وشفافية. وقال أعضاء في الكونغرس إنهم شعروا بالغضب عندما علموا بحالتين بسلاح الجو قامت فيها قيادات عسكرية بالعفو عن مرتكبي الجرائم الجنسية المدانين، مؤكدين أن هذه القرارات تثني الضحايا الآخرين عن الإبلاغ عن حالات الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي التي يتعرضون لها.

وقال آنو باعواتي، وهو نقيب سابق في مشاة البحرية والمدير التنفيذي لجمعية «خدمة شبكة العمل النسائي» وهي جمعية قانونية: «من الواضح أن الجيش لا يمكنه معالجة أزمة العنف الجنسي. وإذا أردنا تغيير الثقافة العسكرية على نحو مجد، فنحن بحاجة إلى كسر أبواب الصمت والتأكد من أن قواتنا التي تضررت من حالات الاعتداء الجنسي تحصل على نفس العدالة القانونية التي ينعم بها جميع المدنيين الذين يقومون بحمايتهم والدفاع عنهم».

* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»