10 سنوات من التنسيق الأمني الخليجي ضد «القاعدة»

السعودية.. حلقة الربط المنسقة لأمن الخليج وهدف «التنظيم» الأول

إرهاب القاعدة لم يستثن المدنيين
TT

خلال العقد الماضي، الذي شهد منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، بداية حرب شرسة مفتوحة بين مجاميع تنظيم القاعدة وبين دول الخليج، بوتائر مختلفة الحدة والهدوء من بلد إلى بلد، تمكن التنسيق الأمني المشترك بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجمهورية اليمن من إسقاط عناصر تنظيم القاعدة وإفشال مخططات خطط لها التنظيم لاستهداف زعزعة أمن دول الخليج واليمن.

* الإمارات والسعودية والكويت

* لعل التعاون الأكبر خلال العقد الماضي كان بين دولة الكويت والمملكة العربية السعودية من جهة، والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومن غير المستغرب أن تكون المملكة العربية السعودية حلقة الربط بين دول مجلس التعاون لاعتبارين، أولهما أنها الرابط الجغرافي بين الدول المنضوية تحت مجلس التعاون، والثاني أنها أكثر دول المنظومة تعرضا لعمليات إرهاب «القاعدة»، لكون التنظيم اتخذ من السعودية مسرحا لعملياته المختلفة على مدى العقد الماضي، وكان بين فينة وأخرى ينتقل منها إلى دول مجاورة. وشهد العقد الماضي تعاونا أمنيا مشتركا بين اليمن من جانب، ودول مجلس التعاون في مجال ملاحقة عناصر «القاعدة» الذين تنقلوا تحت ظل تكثيف الملاحقات الأمنية بين حدود دول مجلس التعاون الخليجي واليمن.

وفي أكثر من مرة كان يعلن عن إلقاء القبض على خلية تابعة لـ«القاعدة» بفضل التنسيق الأمني، وتشكيل وزراء داخلية دول مجلس التعاون غرفة عمليات مشتركة مهمتها التنسيق بين المجلس في مجالات مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات.

* خلايا «القاعدة» في الإمارات

* وربما كان آخر تعاون ما أعلنته الإمارات الشهر الماضي بإلقائها القبض على خلية كانت تنوي القيام بأعمال إرهابية وتسعى لتجنيد أشخاص جدد وتروج لتنظيم القاعدة وتعمل على دعمه ماليا، وهي الخلية الثانية لـ«القاعدة» التي تلقي الجهات الأمنية الإماراتية القبض عليها خلال ستة أشهر حيث سبقتها خلية أخرى تم الإعلان عنها من قبل قائد شرطة دبي ضاحي خلفان نهاية العام الماضي وكانت نتيجة عملية مشتركة مع المملكة العربية السعودية وكانت تنوي القيام بعمليات تفجير داخل الأراضي الإماراتية وكذلك السعودية، ولديها توجه لتنفيذ عمليات داخل دول أخرى بالمنطقة.

وتاريخيا كانت الإمارات مسرحا لعمليات كر وفر مع أعضاء «القاعدة»، بدأت في أكتوبر (تشرين الأول) 2002 عندما اعتقلت الإمارات مخطط تفجير المدمرة «كول» الأميركية على سواحل خليج عدن اليمني ومخطط تفجير السفارتين الأميركيتين لدى كينيا وتنزانيا عام 1998، المطلوب عبد الرحيم النشيري وسلمته للولايات المتحدة الأميركية كما كان ينوي تفجير مراكز مالية إماراتية. وتفيد المصادر الصحافية بأن الإمارات ألقت في 2007 القبض على المطلوب الليبي عادل عبد الخالق بتهمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة وأنه حكم عليه بالحبس ونفذ جزءا من العقوبة بين الإمارات والبحرين.

وأحبطت الإمارات في 2010 عملية لـ«القاعدة» بالتعاون مع السلطات الأميركية والبريطانية حينما عثرت شرطة مطار دبي الدولي على طردين مفخخين أراد تنظيم القاعدة إرسالهما إلى الولايات المتحدة الأميركية إلا أن قوى الأمن عثرت على الأول في دبي والثاني في مطار هيثرو اللندني قبل انفجارهما، وفي العام ذاته قبض على شقيقين باكستانيين في الإمارات بناء على معلومات استخباراتية باكستانية بتهمة الاتصال والتنسيق مع قيادي في «القاعدة» لتمويل عمليات التنظيم وتجنيد أعضاء جدد.

«القاعدة» تظهر في البحرين ومن الإمارات إلى مملكة البحرين التي يبدو أن موجة الاحتقان الطائفي فيها ربما تجذب متشددين وتساهم بإيجاد أرضية خصبة لتجنيد عناصر جديدة تابعة لـ«القاعدة»، حيث يتوقع أن يلعب التنظيم على ورقة الطائفية لاجتذاب وتجنيد عدد أكبر من العناصر، ويمكن قراءة ذلك خلال ما حدث الشهر الماضي حينما اعتصم ثمانون بحرينيا أمام مركز الفاتح الإسلامي في الجفير يوم السبت 26 أبريل (نيسان) الماضي اعتراضا على نية الحكومة البحرينية إعادة فتح سفارتها لدى الجمهورية العراقية، وكان لافتا خلال التجمع رفع المعتصمين صور زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وأعلام «القاعدة»، وشارك فيه عدد من البحرينيين المعتقلين سابقا في قاعدة غوانتانامو العسكرية حيث يوجد المتهمون بالانضمام لـ«القاعدة» ممن تم إلقاء القبض على أغلبهم خلال الحرب الأميركية في أفغانستان.

وأثار قيام مواطنين بحرينيين برفع صور أسامة بن لادن حساسية القائمين على الأجهزة الأمنية البحرينية، وهو ما كشف عنه لقاء جرى صبيحة اليوم التالي للاعتصام جمع نائب رئيس الأمن العام القائم بأعمال مدير عام الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية طارق بن دينة والأمين العام لحركة العدالة الوطنية عبد الله هاشم المنضمة للاعتصام. وبحسب وسائل إعلام بحرينية فقد أكد نائب رئيس الأمن العام البحريني رفضه لرفع بعض المشاركين في الاعتصام صور زعيم تنظيم القاعدة، معتبرا ذلك تجاوزا للتعبير السلمي عن الرأي باعتبار أن المجتمع الدولي بأسره يعتبر «القاعدة» تنظيما إرهابيا دوليا، وحذر خلال اللقاء من تكرار مثل هذا التصرف الذي يعبر عن تأييد بعض المشاركين في الاعتصام لهذا التنظيم أو التعاطف معه أو اعتناق أفكاره، وزاد بأن ذلك غير مقبول وغير مسموح به باعتباره يتعارض مع موقف مملكة البحرين الذي يدين الإرهاب، ويتعارض مع القرارات الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب.

* سلطنة عمان معبر العناصر

* ومن البحرين إلى سلطنة عمان، حيث أعلنت السلطات الأمنية هناك استنفارها أكثر من مرة لمواجهة موجات نزوح المنتمين لتنظيم القاعدة من اليمن بعد تضييق السلطات اليمنية الخناق عليهم، ولكون الحدود المشتركة بين اليمن وعمان تمتد على عرض البلدين جغرافيا وتتخللها مياه إقليمية مشتركة وحدود جبلية فمن المتوقع أن تحدث اختراقات بين الوقت والآخر. وتعتبر سلطنة عمان من أوائل الدول الخليجية التي ألقت القبض على خلايا تابعة لـ«القاعدة» في أرضها، حيث بدأت ملاحقة الخلايا في 2002 عندما أعلنت عن إلقائها القبض على أول خلية تابعة لـ«القاعدة» ثم سلمتهم للجهات الأمنية الأميركية التي رحلتهم بدورها إلى معسكر غوانتانامو، ويتوقع أن يكون أفراد الخلية غادروا أفغانستان إلى باكستان وعبروا سلطنة عمان في طريقهم إلى اليمن، وهي ذات الخلية التي ضمنت بين أفرادها محمد أبو جبارة شقيق المطلوب على القوائم السعودية عبد الرحمن أبو جبارة الذي قتل خلال عملية الصوير التي جرت في محافظة الجوف السعودية عام 2003 واستهدفت تركي الدندني.

وفي العام الماضي نقلت وسائل إعلام عمانية تأكيد أمين عام وزارة الخارجية العمانية بدر البوسعيدي تأهب الأمن العماني لمواجهة عمليات نزوح عناصر «القاعدة» من اليمن عبر سلطنة عمان، وقال «لم يتم حتى الآن القيام بأي عمليات اعتقال، لكن أجهزة الأمن في حالة تأهب، بعد تلقيها معلومات تفيد بأن عناصر من تنظيم القاعدة قد يكونون تسللوا من اليمن إلى أراضي السلطنة، وأن عمليات التأكد جارية وستلحقها عمليات تعقب واتخاذ الإجراءات اللازمة». واستكمالا لذلك، أكد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وجود عمليات مراقبة يجريها مركز العمليات المشتركة الخاص بمهام مكافحة الإرهاب، كاشفا عن أن هذا المركز يضم موظفين عسكريين واستخباراتيين من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان.

* قطر.. «الجزيرة»

* أما قطر فلم تشهد سوى محاولة يتيمة من تنظيم القاعدة لتفجير مؤتمر التجارة العالمي الذي عقد في الدوحة عام 2000 بمشاركة إسرائيلية، اتهم فيها الكويتيون محسن الفضلي ومحمد الدوسري وبادي العجمي، إلا أن تنظيم القاعدة استفاد كثيرا من قناة «الجزيرة» القطرية كمنبر إعلامي لنشر أفكاره ونشاطات المنتمين إليه، إضافة إلى إعلانه عبرها عن مسؤوليته عن العمليات التي تشهدها دول العالم.

هذا وقد شهدت الكويت مواجهات بين خلية «أسود الجزيرة» وقوى الأمن في بدايات 2005 إلا أن عناصر كويتية تابعة لـ«القاعدة» نفذت عددا من العمليات ضد الوجود الأميركي في المنطقة، منها عملية منطقة الدوحة (شمال شرقي العاصمة) التي استهدفت مهندسين مدنيين أميركيين وأدت إلى معاقبة المتهم الرئيس فيها بالسجن المؤبد، كما قاتل عدد من الكويتيين في أفغانستان وتدربوا في معسكرات «القاعدة»، وشارك كويتيون كذلك في إدارة التنظيم حيث عمل سليمان أبو غيث ناطقا رسميا باسم «القاعدة» قبل أن تسحب الحكومة الكويتية جنسيته بموجب مرسوم أميري بعد ظهوره إلى جانب رئيس التنظيم الراحل أسامة بن لادن، وكذلك تواترت أنباء عن تولي المطلوب «القاعدي» الأشهر محسن الفضلي مسؤولية تمويل التنظيم وكذلك يشرف عليه حاليا من إيران حيث يوجد بعد هروبه من الكويت بحرا إليها عام 2008، وعلى مدى عام تم تنظيم أكثر من اعتصام أمام السفارة الأميركية لدى الكويت على خلفيات استمرار اعتقال مواطنين ضمن قائمة المتهمين في قاعدة غوانتانامو الأميركية وينفذون حاليا إضرابا عن الطعام، وكان لافتا أن اعتصاما واحدا منها شهد رفع صور بن لادن وأعلام «القاعدة».

* «درون» قلبت المعادلة في اليمن

* تحول اليمن إلى مسرح لعمليات «القاعدة» منذ عام 2000 الذي شهد تفجير المدمرة الأميركية «كول» على سواحل عدن، ثم شهدت صنعاء الهجوم على السفارة الأميركية فيها في 2008، ومع تشديد الخناق على عناصر «القاعدة» في أفغانستان أصبحت الوجهة الحالية لهم اليمن، إلا أن المواجهات الأمنية بين السلطات اليمنية و«القاعدة» تحولت نوعيا خلال العام الماضي بعد السماح باستخدام طائرات أميركية من دون طيار لاستهداف المطلوبين، والتي بدأت مع عملية استهداف المطلوب أنور العولقي قبل عامين. وقال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في تصريحات صحافية العام الماضي إنه هو شخصيا من يمنح الموافقة على كل غارة أميركية بطائرات من دون طيار في بلاده، معتبرا هذه التقنية بأعجوبة فنية ساعدت على عكس المكاسب التي حققتها «القاعدة»، وأكد خلال لقائه مع الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال زيارته للولايات المتحدة للمشاركة في أعمال الدورة الأخيرة للأمم المتحدة، تصميمه على مواصلة الحرب ضد «القاعدة» في بلاده، وكشف عن استعداده للدخول مع «القاعدة» في حوار شريطة إلقائها السلاح وقطع علاقتها بالخارج.