حقوقيون مغاربة يشددون على مكافحة الإرهاب دون الإخلال بحقوق الإنسان

في الذكرى العاشرة لتفجيرات 16 مايو 2003 في الدار البيضاء

سعاد البكدوري الخمال رئيسة جمعية ضحايا الإرهاب في المغرب تتوسط مشاركين في ندوة الدار البيضاء حول الجرائم الإرهابية وحقوق الإنسان (تصوير: منير محيمدات)
TT

أجمع أساتذة وحقوقيون مغاربة أمس في الدار البيضاء خلال يوم دراسي حول «الجرائم الإرهابية وحقوق الإنسان»، على ضرورة التصدي للجرائم الإرهابية مع احترام حقوق الإنسان مؤكدين على أن الرد الديمقراطي واحترام القانون هو السبيل الأمثل لمكافحة الإرهاب وقال محمد نشناش رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان: «نحن نعترف أن الدولة هي المسؤولة على أمن المواطنين ومصالحهم ولكن نعتقد أن أسلوب مواجهة الإرهاب لا يمكن أن يكون فقط عن طريق العمليات الأمنية» مشددا على أن احترام حقوق الإنسان والدفع بالديمقراطية في كل الظروف ومشاركة المواطنين في جميع الحالات هو أحسن طريقة لمواجهة الإرهاب والأحداث الدامية.

وأوضح نشناش لـ«الشرق الأوسط» أنه كان يعتقد في البداية أن الإرهاب وراءه إسلاميون ومتطرفون في عدد من المؤسسات أو الاتجاهات الإسلامية المتشددة لكن يظهر اليوم أن الإرهاب فوضوي. وزاد قائلا: «لاحظنا في الولايات المتحدة وفرنسا وغيرهما أن هناك عمليات إرهابية أولا ليس خلفها إسلاميون من جهة، وليس حتى أي اتجاهات عقائدية من جهة أخرى».

وبخصوص ما حدث في المغرب من جرائم إرهابية اعتبر نشناش أنه كان هناك تطرف ديني لجهة معينة جعلت البلد الآمن يصبح مستهدفا في كثير من الحالات وأنه إثر ذلك وقعت محاكمات وجرت اعتقالات عشوائية في السنوات العشر الماضية، ولم يكن هناك تحكم في طريقة المعاملات لأنه حتى الأجهزة الأمنية لم تكن متعودة على مثل هذه الأحداث التي ذهب ضحيتها عدد من الأبرياء.

وقال نشناش «من ارتكب جرائم يجب أن يحاكم ويتابع ولكن لا يجب أن تزر وازرة وزر أخرى فلا يعقل أن يعتقل الناس فقط من أجل نيتهم وليس فعلهم وهذا ما يجعل الملف ما زال لم يفعل بعد لأنه هناك بعض المخالفات التي يجب مواجهتها وحلها بعقلانية وباحترام حقوق الإنسان والقانون».

وترى سعاد البكدوري الخمال رئيسة الجمعية المغربية لضحايا الإرهاب أنه بعد عشر سنوات من أحداث 16 مايو (أيار) 2003. ورغم كون المدة طويلة فإن المعاناة والإحساس بالألم ما زال قائما وقالت الخمال التي فقدت ابنها وزوجها في الأحداث «كان شعارنا خلال السنوات العشر الماضية هو عدم نسيان ما وقع لأن الذكرى أو الذاكرة هي وسيلة لمحاربة الظاهرة الآفة التي تنخر البلد وتهدده» وأشارت إلى أن الدليل على ذلك هو المقاربة الأمنية التي تعمل على تفكيك الخلايا الإرهابية من حين لآخر بيد أنها أكدت أن المقاربة الأمنية وحدها غير كافية ولا بد من تضافر الجهود خاصة مع فعاليات المجتمع المدني حتى يتسنى لها احتضان الأطفال والشباب من السقوط في أحضان الفكر المتطرف موضحة أن ما ينبغي محاربته ليس هو الإرهاب وإنما التطرف لأنه يكون فكرة وعندما يتعمق في الشباب يصبح فعلا وعملا إجراميا.

ودعت الخمال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى تسريع وتيرة تعويض ضحايا الإرهاب الذين ما زال الكثير منهم ينتظرون تعويضاتهم منذ عشر سنوات كما طالبت بضرورة التحسيس بالمواطنة وقيم التسامح لمكافحة التطرف.

ومن جهته، أبرز المحجوب الهيبة المندوب الوزاري لحقوق الإنسان أن مكافحة الإرهاب لا ينبغي أن تؤدي إلى المساس بالمعادلة الاجتماعية وحقوق الإنسان مشيرا إلى أنها معادلة صعبة ولكن ليست مستحيلة. وقال: «نستخلص من الجهود الدولية والوطنية صعوبة الموازنة بين مكافحة الإرهاب وضمان حقوق الإنسان».

وذكر الهيبة أن التفكير في البداية كان منصبا على مرتكبي الأعمال الإرهابية، وتم إغفال الضحايا لكن منذ السنوات الأربع الأخيرة تم الحديث عن التكفل بالضحايا والاهتمام بهم. وشدد على أنه لا يجب اتخاذ أي مبرر آخر في الجرائم الإرهابية سوى أن الحركات المتطرفة لا تؤمن بالحق في الحياة وبالبشر.

وقال النقيب محمد مصطفى الريسوني في مداخلة له تحت عنوان «الإرهاب عدو لحقوق الإنسان» إن ظاهرة الإرهاب يجب ألا تحيد عن المقتضيات القانونية والحقوقية الواجبة التطبيق، ويجب أن يخضع كل متهم في هذه الجريمة لمحاكمة عادلة تستوفي جميع شروطها الثابتة. ودعا الريسوني إلى عدم الخلط بين الإرهاب محليا كان أو دوليا والمقاومة التي تستهدف تحرير الأراضي والتصدي للعدوان واستعادة السيادة والاستقلال باعتبارها عملا مشروعا يقره القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949 والبروتوكولين الملحقين بها لسنة 1977.

وأوضح الريسوني أن محاربة الإرهاب يجب أن تعتمد على منظورين أساسيين أولهما أمن وقائي يقتضي مجموعة من الأعمال والإجراءات التي يجب أن تقوم بها الدول داخليا والمجتمع الدولي بصفة عامة وثانيهما أمن حمائي يقتضي صدور القوانين، وتكثيف التعاون الدولي وإعداد جهاز متخصص ميدانيا سواء على صعيد البحث التمهيدي لدى الضابطة القضائية أو لدى الجهات القضائية.

وفي موضوع متصل تنظم اليوم «اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين» وقفتين احتجاجيتين، الأولى أمام المجلس الوطني لحقوق الإنسان والثانية أمام البرلمان وذلك وفقا لبيان أصدرته اللجنة بمناسبة ذكرى أحداث 16 مايو 2003 في الدار البيضاء، أوضحت فيه أن شكلهما الاحتجاجي يأتي جراء انعدام مبادرة جادة لإنهاء معاناة مئات المعتقلين الإسلاميين وعائلاتهم، كما عزت اللجنة أسباب تنظيم الوقفتين تحت شعار «عشر سنوات على أحداث 16 مايو، وما زلنا نطالب بكشف الحقيقة الغائبة» إلى استمرار الدولة في سياسة التعذيب الممنهج على مدار عشر سنوات للمعتقلين الإسلاميين.

وبشأن ذلك أوضح نشناش لـ«الشرق الأوسط» أن هناك حالات ما يسمى بـ«السلفيين» من دون محاكمة حيث اعتقلوا حسب نياتهم اعتقالات احتياطية واستباقية متعلقة بجرائم الإرهاب وقال: «معقول أن تحتاط الدولة لكن ليس من المعقول استمرار اعتقال الناس بتهمة أنهم كانوا يفكرون في شيء ما» مشيرا إلى أن هذه القضايا إذا كانت فيها حجة يجب أن يحاكموا بها وإذا لم تكن يجب أن يفرج عنهم.