رحلة اللاجئين السوريين لأوروبا تنتهي في مراكز احتجاز باليونان

الأمم المتحدة تقول إن عددهم تجاوز 1.5 مليون في دول الجوار

TT

أعلنت الأمم المتحدة الجمعة أن عدد اللاجئين السوريين الذين لجأوا إلى الدول المجاورة منذ بداية الصراع في بلادهم تجاوز 1.5 مليون نسمة، وأعربت عن قلقها من تدفقهم بكثرة منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، بوتيرة نحو 250 ألف لاجئ جديد شهريا. وقال الناطق باسم المفوضية العليا للاجئين للأمم المتحدة دان ماكنورتون في ندوة صحافية إن «عدد اللاجئين السوريين الذين غادروا بلادهم تجاوز المليون ونصف المليون». وأوضحت المفوضية أن نحو 473 ألف لاجئ سوري استقروا في الأردن و470 ألفا في لبنان، و347 ألفا في تركيا، ونحو 147 ألفا في العراق، و67 ألفا في مصر، ونحو 10 في بلدان شمال أفريقيا. لكن الوكالة الأممية رجحت أن يكون العدد الحقيقي «أكبر بكثير».

ومع طول أمد الأزمة السورية وغياب الحلول الكفيلة بإنهائها، يبحث بعض السوريين عن مواطن جديدة يبدأون فيها حياتهم بعيدا عن أصوات الرصاص ورائحة الدم وصور الدمار التي تعم البلاد بطولها وعرضها. ولا يرى السوريون في دول الجوار، كلبنان أو الأردن أو العراق أو حتى تركيا، موطنا مغريا للاستقرار فيه، لا سيما أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية في هذه الدول تشبه إلى حد كبير مثيلتها في سوريا، وفقا لساكني المخيمات هناك، إضافة إلى المخاوف من انزلاق هذه الدول إلى أتون الحرب التي تشهدها سوريا، خصوصا مع التفجيرات التي شهدتها الريحانية التركية، الأسبوع الماضي، ولذا يبدو الاتحاد الأوروبي، بقربه الجغرافي من سوريا، وما ينسج حول رخائه الاقتصادي وعدالته الاجتماعية من «أحلام وردية»، الوجهة التي يفضلها ويتمنى الوصول إليها أي سوري خرج من بلاده هذه الأيام.

وكحال معظم «الأحلام» التي يطمح المرء لتحقيقها، لا تبدو ترجمة «أمنية» الوصول إلى القارة العجوز سهلة كما الحلم بها، إذ تبدأ رحلة السوري نحو أوروبا، في معظم الحالات، من مدينة إسطنبول التركية، حيث يترك السوري كل ما يملك لدى الأقارب أو المعارف أو الأصدقاء، ويدفع مبلغا مقدما (عربونا) للمهرب يسير به عبر خطوط التهريب باتجاه أحد البلاد الأوروبية التي اختارها الساعي للجوء مسبقا، لينتهي المطاف به في إحدى العواصم الكبرى كباريس أو لندن، وهؤلاء قلة سعيدة الحظ، أو في أحد مراكز الاحتجاز المكتظة في بوابات أوروبا الشرقية، كاليونان، وهؤلاء هم الكثرة الغالبة.

وتختلف تسعيرة التهريب وفقا للبلد الذي سيستقر فيه الساعي إلى دخول أوروبا بشكل غير شرعي؛ إذ يكلف تهريب الشخص الواحد، ذكرا كان أم أنثى، صغيرا أم كبيرا، من إسطنبول إلى بلغاريا، ما يقارب 800 دولار أميركي، بينما قد تكلف الرحلة إلى بريطانيا السوري ما يقارب 18 ألف دولار أميركي. والمفارقة في «الرحلة نحو الشمال» أن المبلغ لا يدفع مرة واحدة، بل على دفعات، وفقا لمحطات الاستراحة، وهو ما يشكل إغراء إضافيا لخوض هذه المغامرة، فالطريق نحو لندن، مثلا، فيه ثلاث محطات لكل منها سعرها؛ المحطة الأولى هي حين يصل المرء إلى الأراضي اليونانية، وتكلفتها نحو 1500 دولار أميركي، والمحطة الثانية هي الوصول إلى الشواطئ الفرنسية على القنال الإنجليزي وتكلف ما يناهز 9000 دولار، أما المحطة الأخيرة فهي الوصول إلى الأراضي البريطانية وتكلف ما يقارب 5500 دولار.

لكن معظم محاولات الهجرة نحو شمال أوروبا تنتهي غالبا في اليونان؛ إذ تفرض قوانين الهجرة الأوروبية على الساعين للحصول على حق اللجوء، الإنساني أم السياسي، تقديم الطلب في أول نقطة دخول لأوروبا، وهو ما يعني بقاء السوريين في اليونان في حال ألقت سلطات ذلك البلد القبض عليهم. ولا يلقى السوريون الترحيب في بلاد الإغريق؛ فالبلاد تعيش حالة ركود اقتصادي منذ 6 سنوات، والهيلينستيون، وهو اللقب الذي يطلقه أهل اليونان على أنفسهم، باتوا يضجرون من «الغريب» الوافد إليهم، والمقاسم لهم في الأرزاق. وإذا كان السوريون يبررون لأنفسهم القدوم إلى اليونان بأنهم لاجئون يبحثون عن الأمان، وليسوا لاجئين باحثين عن المال، فإن بعض النخب السياسية اليونانية، خصوصا تيار اليمين وأنصاره، لا يميزون بين لاجئ سياسي وآخر اقتصادي، فكلهم بالنسبة لهم سواسية؛ يسعون لتقاسم لقمة العيش مع اليونانيين.

وكغيرهم من الجنسيات، يلجأ السوريون للأحياء الفقيرة في العاصمة أثينا. ولن يجد الزائر لهذه الأحياء صعوبة في التعرف عليهم. وخلال «الرحلة نحو الشمال»، التي يصفها جل اللاجئين بـ«رحلة العذاب»، فإن القليل جدا من العائلات السورية التي وصلت إلى أرض اليونان بسلام، دون أن تفقد أيا من أفرادها، فمعظم العائلات التي التقتها «الشرق الأوسط» في أثينا، تحدثت عن فقدان فرد أو أكثر من أفرادها أثناء رحلة النزوح، بعد تخطيهم صعوبات مسيرتهم والليالي شديدة البرودة والمهربين ورجال الجمارك، أو الغرق في البحر أو عبور الأنهار الصغيرة الواقعة على الحدود اليونانية مع دول الجوار.

وفي لقاءات متعددة لـ«الشرق الأوسط»، مع لاجئين سوريين في اليونان، تبين أن وضعهم هنا ليس أحسن حالا من هؤلاء الذي توجهوا إلى دول أخرى، ولا سيما دول الجوار العربي، لدرجة أن كثيرا منهم يفضل العودة مرة ثانية إلى سوريا بدلا من البقاء في اليونان، حيث يعيشون بين نارين.. نار الفقر والبطالة وتنامي العنصرية، ونار عدم سماح السلطات لهم بالتوجه لدول أوروبية أخرى.

يقول عبده أبو سلطان الذي وصل إلى اليونان، منذ 5 أشهر تقريبا، أن الوضع أكثر من مأسوي، فلا توجد مساعدات حكومية، ولا فرص عمل، ولا حتى حياة كريمة، مضيفا: «نحن نعاني حتى من تجديد (الكرت الأحمر)، تصريح للإقامة المؤقتة للاجئين يتم تجديده شهريا، وجميعنا هارب من حرب مشتعلة، خسرنا أموالنا وأعمالنا، وفي الوقت نفسه، لا يتركونا للذهاب لدول أخرى، أنا أشعر أني أعيش في سجن كبير».

ويقول حسن الكردي، وهو من اللاذقية ووصل إلى أثينا قبل شهرين مع زوجته وطفليه، بعد أن تم احتجازهم في معسكر للاجئين شمال اليونان: «لقد كتب لنا الله حياة جديدة. لقد اتفقت مع المهرب على موعد محدد بعد أن دفعت له 5 آلاف دولار، كانت كل أموالي، للإبحار أنا وأسرتي في زورق كان على متنه 64 شخصا، وفي اللحظة الأخيرة أخبرني بعدم وجود مكان لنا ولا بد الانتظار لليوم الثاني أو الأسبوع المقبل، وحينذاك تشاجرنا كثيرا لعدم التزامه بالموعد».

ويكمل حسن قصته والدموع تذرف من عينيه: «المفاجأة كانت أن الـ64 شخص الذين صعدوا على ظهر الزورق فقدوا حياتهم غرقا، ولم ينجُ منهم أحد، لأن الأمواج المرتفعة والبرد القارس. وقتها قضى على الذين حاولوا العوم والنجاة، وعلى الرغم من ذلك، لم تكن رحلتي سهلة، فبعد وصولنا إلى معسكر اللاجئين عانيت وأفراد أسرتي من أمراض مزمنة من جراء البرد والحزن»، واختتم حديثه: «الحمد لله على كل حال».

أما أم أحمد، وهي سيدة في منتصف الثلاثينات، فتقول، والحزن الشديد يبدو على وجهها: «فقدت اثنين من أطفالي في البحر، وزوجي عنصر في الجيش الحر، انقطعت عنه الأخبار منذ 3 أشهر تقريبا»، ولم تستطع أن تكمل حديثها بعد أن انفجرت في البكاء الشديد.

يشار إلى أن مفوضة الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي سيسيليا مالمستروم انتقدت اليونان، الأسبوع الماضي، لرفضها منح اللجوء السياسي للاجئين السوريين، واحتجازها لاجئين آخرين في ظروف «غير مقبولة»، بعدما ألقت أثينا القبض على ما يزيد على 8 آلاف لاجئ سوري، العام الماضي، لدخولهم أراضيها بشكل غير مشروع.