رئيس مجلس الشيوخ البولندي يرسم مقاربات بين ثورة بلاده والربيع العربي

بوجدان بوريسيفيتش: عايشت 3 ثورات والتحول الديمقراطي لا يحدث بسرعة

TT

يتنهّد رجل سبعيني وهو جالس في مكتبه الصغير في مدينة غدانسك معقل الثورة بجنوب بولندا، ممسكا بصفحة أولى لصحيفة قديمة مؤطرة ببرواز فاخر. يشير بإصبعه إلى صورته على صدر الصفحة، مصحوبة بعبارة كتبت بخط عريض أن صاحب الصورة «مطلوب لدى الأمن».

هذا الخارج عن القانون لدى السلطات الشيوعية آنذاك ما هو إلا رئيس مجلس الشيوخ البولندي بوجدان بوريسيفيتش، الذي كان أحد أفراد حركة «التضامن» ويسميها البولنديون باللغة المحلية «سولدارِتي»، الذي تدرج في العمل السياسي بعد الثورة البولندية على مدار 23 عاما، وبات تاريخا يمشي على قدميه ويمارس حياته بجد تام يضاهي تواضعه الجم.

يرفض رئيس مجلس الشيوخ، قطعا، إضافة أي صفة للديمقراطية، ويقول إن بولندا شهدت حديثا تطبيق اشتراكية ديمقراطية في روسيا في بداية ثورتنا، وأنا كسياسي أقول إن الديمقراطية لا تقبل أي صفة: «وأي إضافة إلى الديمقراطية تمحوها»، فلا بد من الالتزام بالديمقراطية، ولكن بشكل لا يؤثر على الأديان والعادات الاجتماعية والتقاليد.

يجزم رئيس مجلس الشيوخ أن إتقان التحول الديمقراطي لا يحدث بسرعة، وكذلك كيفية تسيير الأحداث السياسية لن تتغير بين ليلة وضحاها.

حديث رئيس مجلس الشيوخ كان مرتبطا بشكل تام بدول «الربيع العربي»، وتحدث بشكل واسع عن رؤيته حيال التغيرات التي طالت تونس ومصر وليبيا. وقال: «خلال حياتي عاصرت 3 ثورات، الأولى إسقاط النظم الديكتاتورية في أميركا اللاتينية، والثانية لدينا في أوروبا الشرقية، والثالثة الثورات في الدول العربية». كما يرى أن سقف الحريات «يختلف ويحسب بالمعطيات الداخلية لأي دولة».

وفيما يتعلق بمقارنة الثورات العربية بالثورة البولندية، قال رئيس مجلس الشيوخ البولندي إن مطالب الشعوب واحدة في كل مكان وزمان، وتكمن في «تحسين الوضع الاقتصادي كهدف أساسي، كما يحتاجون إلى زيادة الحريات والاستماع إلى أصواتهم إلى جانب زيادة وتلبية متطلباتهم»، متابعا: «أعتقد أن كل ثقافة تتسم بسماتها الفريدة والنوعية، ولست متأكدا من استيعاب المجتمع العربي بأن الثورات حسنت من نظرة العالم الخارجي للبلدان الثائرة دينيا وثقافيا واجتماعيا، لأننا نتقاسم تقريبا ونعيش القيم نفسها».

وشدد بالقول: «لم تصدر أوروبا الثورة إلى شمال أفريقيا، بل هناك إصلاحات طالت دولا من غير ثورات كالمغرب والجزائر، لأن الناس عندما تتعود على نظام سياسي معين فإن لهم حرية القبول بنظمهم وقبولها، ونحن لا نفكر بتصدير القيم الخاصة بنا أبدا».

وعن تأثير الدين في سير الدولة قال رئيس مجلس الشيوخ البولندي «إن الدين قطعا لا يؤثر، والدليل أن الرئيس البولندي السابق لم يكن كاثوليكيا».

ومن ناحيته، يدعو باول شيفيبودا وهو رئيس المركز الأوروبي للدراسات في وارسو إلى وجوب «إعطاء الفريق الحاكم في بلدان الربيع العربي وقتا ليعرف مفاصل الاحتياجات الرئيسية، وليأخذ فرصته بالحكم ما دام حصل على السلطة عن طريق صندوق الاقتراع». ويقول: «يجب تحسين البنية الاقتصادية وبحث حلول على مستويات قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، ويجب عمل ما يمسى بمعالجة الصدمة التحولية، بإخبار الناس عبر وسائل الإعلام وتثقيفهم عن المكتسبات الضخمة التي سيجنونها لاحقا».

كانت بداية التحولات البنيوية في بولندا بدأت في 1989. في حين أخرجت الجيوش السوفياتية من بولندا في 1993 وتم حل حلف وارسو، وشرعت بعد ذلك البلاد في بناء نفسها خطوة بخطوة، رغم قلة الخبرة السياسية، فور ما شرعوا في العملية الديمقراطية فعليا.

كلفتهم المحاولات نحو 8 حكومات تعاقبت خلال أقل من عشرة أعوام، ويقول رئيس المركز الأوروبي للدراسات في وارسو، الذي عمل مستشارا لدى رئيس الوزراء بين عامي 1995 و2005: «عندما بدأنا في المرحلة الانتقالية، لم يكن لدينا يمين أو يسار، كانت هناك أسئلة من اليمين، من اليسار، ولا إجابة. السياسة بدأت في العام نفسه الذي انتصرت فيه الثورة، وعندما بدأنا، كانت شروط المشاركة في البرلمان بألا يقل عمر المنتخب أقل من 50 عاما، لكنها تطورت الآن بشكل أفضل بكثير».

وينقل كتاب «الطاولة المستديرة» الصادر عن رئاسة الجمهورية في بولندا عن مجلة «إيكونومست إنتيلجنس يونت» عام 2010. حصولها على درجات عليا في التقييم المكون من 10 درجات عن كل فئة، إذ حصلت على 9.58 في مجال العملية الانتخابية والتعددية، وحرية المواطن حصلت على 9.12، بينما سجل مجال عمل الحكومة 6.07. والمشاركة السياسية 6.11. بينما جاءت الثقافة السياسية الأدنى في تقييم الديمقراطية في بولندا بواقع 4.8.

في حين يشير رئيس مجلس الشيوخ إلى تسجيل الاقتصاد وقت انتقال السلطة انخفاضا حادا بلغ نسبة 40%، بيد أن «البلاد تسجل الآن 60% نموا عن تلك الفترة، ومعدل الأعمار على سبيل المثال ارتفع خمسة أعوام خلال عشرين سنة، وبالتأكيد كان انتقالنا إلى الديمقراطية تحولا إيجابيا».

وسميت بولندا أيام الأزمة الاقتصادية التي حلت على العالم في 2008 بـ«الجزيرة الخضراء» التي لم تتأثر بالأزمة، وقد يكون لبيروقراطية الأنظمة الاقتصادية في بولندا دور غير مباشر في عدم تأثرهم بشكل أو بآخر خلال الأزمة، ويعلق باول شفيبودا بالقول: «هناك بعض البيروقراطية، لأن سياستنا كانت تكمن في حماية لأنفسنا من أنفسنا».

لكن في الوقت نفسه، تحسب للبولنديين خطوة عدم التأثر، وانعكس إيجابيا عندما حصلوا على الترتيب السادس ضمن أكبر اقتصاديات أوروبا لعام 2012. رغم عدم انضمامهم بعد إلى «منطقة اليورو» التي تمر اليوم بأزمات متعاقبة، رغم دخولها تحت مظلة الاتحاد الأوروبي في 2004.

وحول الانضمام إلى «اليورو»، يقول رئيس مركز الدراسات الأوروبية: «هناك 31 إجراء للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحققناها، تمت إتاحة المبادرات الاقتصادية لكي ينطلق الناس. ونحن حاليا جاهزون للانضمام إلى اليورو وأتوقع أننا من سيقرر ذلك».

كما يؤيد رئيس مجلس الشيوخ الانضمام واصفا إياه بالمسألة بالإيجابية اقتصاديا وسياسيا، ويقول: «نحن تقريبا على حدود أوروبا، وهذا يعزز مكانتنا داخل أوروبا نفسها، وطبعا منطقة اليورو تمر بأزمة الفترة الحالية، وربما من حظنا عدم الانضمام حتى اللحظة إلى اليورو، لكن عندما يتعافى اليورو الذي نؤمن بخروجه من الأزمة وتخطيها وهو يحتاج فقط الوقت كي يتحسن، من المحتم انضمامنا، لكي نعيش كأسرة أوروبية واحدة، فالعملة الموحدة تجعل البلد تسلم جزءا من قيادتها للاتحاد الأوروبي».

ويبدو الإتقان سمة من سمات الشعب البولندي، خصوصا لدى الشبان والفتيات حديثي التخرج، ويركز الجيل الحالي من الشباب على تعزيز مكتسبات النضال الذي مارسه آباؤهم.