لجنة في «الشيوخ» تؤيد تسليحها.. وخلافات حول التزام «المعارضة السورية» بالقيم الأميركية

خبراء: على واشنطن اتباع استراتيجية «الاحتواء» لمنع انتشار الأزمة

TT

وافقت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي على مشروع قانون يسمح بإرسال أسلحة للمعارضة السورية، وأيدت اللجنة «توفير المواد الدفاعية والخدمات الدفاعية والتدريب العسكري للمعارضة بشكل مباشر»، وحددت المعارضة السورية التي تتوجه إليها الأسلحة بتلك التي «يعرف عنها التزامها واهتمامها بالقيم الأميركية». وجاء التصويت بأغلبية كبيرة أول من أمس؛ إذ أيد 15 عضوا المشروع، وعارضه 3 أعضاء فقط. ورفض السيناتور الجمهوري رون بول والعضوان الديمقراطيان نوم أدودال وكريس ميرفي، مشروع القانون، وعبروا عن مخاوفهم من وقوع الأسلحة الأميركية في الأيدي الخطأ والمقاتلون الذي ينتمون لتنظيم القاعدة، فيما شدد مؤيدو مسودة القانون على ضرورة أن تقوم الولايات المتحدة بتحرك للتخفيف من المخاطر القائمة داخل سوريا وعلى دول الجوار.

ودافع السيناتور جون ماكين عن المشروع مؤيدا تقديم الدعم العسكري للمعارضة السورية، ومنتقدا عجز إدارة الرئيس باراك أوباما عن اتخاذ قرار في ظل الفوضى وعدم الاستقرار وتفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا، كما هاجم خطط عقد مؤتمر سلام في جنيف وتشكيل حكومة انتقالية، وقال: «كثيرون يطالبون بتشكيل حكومة شرعية والعمل مع النظام السوري، وهذا هراء.. إنها محاولة جديدة للتملص من الالتزامات في الوقت الذي يستمر فيه ذبح الناس».

من جانبه، شكك المؤرخ جيرالد هورن في إمكانية تمرير مشروع القانون في مجلس النواب، وقال: «لا أعتقد أنه سيتم تمرير هذا القرار في مجلس النواب، وعلينا أن ننتظر ونري ماذا سيكون موقف إدارة الرئيس أوباما إذا تمكن مشروع القرار من حصد أغلبية لصالحه». وأشار إلى مخاوف لدى الأميركيين من تورط بلادهم في حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط بعد أكثر من عقد من القتال في حربين في العراق وأفغانستان. ويكتسب تصويت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بتأييد تسليح المعارضة السورية أهمية كبيرة؛ إذ تعد المرة الأولى التي يصوت فيها أعضاء بمجلس الشيوخ على فكرة تسليح المعارضة منذ أن بدأت الأزمة السورية منذ أكثر من عامين، ويشكل ضغطا من مجلس الشيوخ على الإدارة الأميركية للتدخل مباشرة في الأزمة السورية، بعد أن ظلت إدارة أوباما لأكثر من عام مترددة في توجهها وتناولها الأزمة السورية وتحاول النأي بنفسها عن التدخل العسكري المباشر. ورفض الرئيس أوباما خلال الفترة الماضية مقترحات بتسليح المعارضة، لكن تطور الأحداث جعلته يشير إلى أن إدارته تبحث في مجموعة من الخيارات بالتشاور مع الحلفاء والشركاء الدوليين.

وإذا تم تمرير القانون في الكونغرس ووقعت عليه إدارة الرئيس أوباما، فإن تأثيرات هذه الخطوة ستكون بالغة في ترجيح كفة المعارضة في صراعها مع النظام السوري كما ستشعل المنطقة بأكملها مع تحركات واسعة لإمداد النظام السوري بالأسلحة وتحركات أخرى لإمداد المعارضة، إضافة إلى وجود عدد كبير من الخلايا المتطرفة في الأزمة السورية ودول الجوار.

ويضع أعضاء مجلس الشيوخ سيناريوهات متعددة تدعو الولايات المتحدة لاتخاذ خطوات على الأرض في سوريا، ابتداء من إنشاء منطقة حظر طيران إلى إنزال قوات برية وجنود على الأرض لتأمين مخزون الأسلحة الكيماوية لدى نظام الأسد. لكن القرار يشوبه الغموض في عدة أجزاء منه، خاصة التي تتناول تعريف المعارضة السورية وكيفية تمييزها عن بقية جماعات المعارضة التي يشتبه في انتمائها لتنظيمات إرهابية، كذلك ما يتعلق بالأسلحة الصغيرة وكيفية تحديد النوعيات التي يمكن تقديمها للمعارضة السورية. وقد أثار المشرعون اعتراضات على توفير الأسلحة الثقيلة للمعارضة. من جانب آخر، فإن حصول مشروع القانون على موافقة الكونغرس وإقرار البيت الأبيض، سيثير انتقادات دولية أبرزها من الجانب الروسي الذي حذر مرارا من أن تسليح المعارضين السوريين يتعارض مع القانون الدولي، ووجهت انتقادات لبعض الأطراف التي تمول المعارضة بالمال والسلاح. وفي سياق آخر، اجتمع نيكولاي باتروشيف سكرتير مجلس الأمن الروسي مع وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل أول من أمس، وقال السكرتير الصحافي جورج ليتل إن هيغل عبر عن استعداد واشنطن لحوار مستمر مع القادة الروس حول المسائل الأمنية بما في ذلك الدفاع الصاروخي وزيادة التعاون العسكري ومواصلة النقاش للتوصل إلى حل في الأزمة السورية المستمرة. وأعرب وزير الدفاع الأميركي عن تطلعه للقاء وزير الدفاع الروسي سيرغي شويجو. وقد سلم باتروشيف رسالة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما ردا على رسالة أوباما إلى سلمها مستشار الأمن القومي توم دنيليون إلى موسكو الشهر الماضي. ويقول مارك كاتز أستاذ الدراسات الحكومية والسياسة بجامعة جورج ميسون إن «الوضع في سوريا يحمل نذر دمار لسوريا والدول المجاورة ونذر صراع بين السنة والشيعة في جميع أنحاء المنطقة بما يشكل أزمة كارثية. وفي المقابل، نجد استجابة إدارة الرئيس أوباما لكل تلك المخاطر بتصريحات تطالب بضبط النفس والإدانة وتصريحات عن قلق الإدارة مما يحدث. وفي الوقت الذي دعت واشنطن فيه الرئيس الأسد إلى التنحي وحذرته من استخدام الأسلحة الكيماوية، لم تفعل شيئا عندما لم يمتثل لذلك».

ويؤكد كاتز أن الإدارة الأميركية تسيطر عليها الرغبة في تجنب المشكلات التي شهدتها أميركا في العراق وأفغانستان، وتسير في اتجاهين؛ الأول هو بحث الخيارات العسكرية وتزويد المعارضة بأسلحة دفاعية صغيرة. والاتجاه الثاني هو دفع المجتمع الدولي لعقد مؤتمر للسلام. لكن هناك شكوك حول التزام روسيا بدفع عملية السلام في سوريا حيث تعتقد أن سقوط الأسد سيؤدي إلى تصاعد التطرف السني في شمال القوقاز.

ويقول دينيس روس المستشار السابق بالبيت الأبيض والباحث حاليا بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إنه لا أحد يستطيع ضمان نتيجة جيدة في سوريا في المرحلة الحالية لأن المعارضة السورية مفتتة وتبسط الجماعات الإسلامية سيطرتها على مناطق واسعة وتنهال عليها الأسلحة والأموال الكثيرة. وفي المقابل، يحظي الأسد بدعم من الأقليات التي تخشى مما ستفعله الأغلبية السنية والجماعات الإسلامية إذا رحل الأسد. ويقول روس: «يشهد العالم كارثة إنسانية في سوريا بما يطرح تهديدا استراتيجيا أمام الولايات المتحدة، ولا تتمثل المشكلة في عدم وجود خيارات للولايات المتحدة لمعالجة الوضع في سوريا، لكن واشنطن لا تعلم ما إذا كانت خياراتها ستحدث نتيجة مقبولة أم لا، كما أن الوقت تأخر لإحداث تأثير على أرض الواقع». ويؤكد روس أن «الخيار الوحيد أمام الولايات المتحدة هو اتباع استراتيجية الاحتواء لمنع الحرب من الانتشار وزعزعة استقرار الدول المجاورة لسوريا، وأن تفكر في تقديم الحماية للشعب السوري بإنشاء منطقة حظر محددة»، وأضاف: «توفير المساعدات القتالية والأسلحة للمعارضة قد يقلب توازن القوة داخل المعارضة وبينها وبين النظام، وقد يكون هذا هو رد الولايات المتحدة على انتهاك سوريا الخط الأحمر الذي حددته واشنطن، ويمكن للولايات المتحدة استخدام هذه الورقة للتأثير على المشهد في سوريا، وسيعني هذا تقديم أسلحة وأموال وتدريبات وتنسيق مكثف مع حلفاء واشنطن في المنطقة، لضمان وصول الأسلحة عن طريق قناة واحدة فقط وضمان وجود واجهة واحدة للمعارضة.