علاقة رفسنجاني المضطربة مع خامنئي هي سبب استبعاده من الرئاسة

بدت سياسته الخارجية المتميزة بالرغبة في التواصل مع الولايات المتحدة بغيضة للمرشد الأعلى

علي خامنئي و رفسنجاني
TT

بدأت الانتخابات النيابية التشريعية الأخيرة للجمهورية الإسلامية الإيرانية بداية مشؤومة في ربيع عام 1992، عندما رفض مجلس صيانة الدستور، الهيئة الرسمية المقربة من المرشد الأعلى القادرة على استبعاد المرشحين حسبما تشاء، ترشيح عدد كبير من السياسيين مما يطلق عليه «المعسكر الراديكالي». وبحسب ما كشفه كينيث بولاك في كتابه «الأحجية الفارسية»، الذي يستعرض تاريخ العلاقات الأميركية الإيرانية، لا يزال الأصوليون في مناصبهم وضغطوا على الحكومة لرفض رئيس يعتقدون أنه يخون مبادئ البلاد. وكان الرئيس البراغماتي في ذلك الوقت علي أكبر هاشمي رفسنجاني يبدي رغبة في تحرير الاقتصاد والاستعانة بتكنوقراط من المؤسسات المالية الدولية وربما استعادة العلاقات مرة أخرى مع الولايات المتحدة. وعندما جاءت انتخابات عام 1992 رأى فيها فرصة للتخلص من معارضيه في الداخل الذين أثاروا إحباطه. كانت الخطوة الأولى هي سد الطريق أمام المتشددين من الترشح. وعلى الرغم من عدم تفسير المجلس لقراراته، بدا واضحا أن رفسنجاني حصل على مساعدة من صديق قديم، كان رفيقا له في الحركة الثورية في السبعينات، هو المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي. وعزا راي تاكيه، الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، في كتابه «أوصياء الثورة» الذي صدر عام 2011 قرار مجلس صيانة الدستور إلى «تحالف خامنئي - رفسنجاني». وكتب تاكيه «كان المتشددون على وشك الاستئصال من الجسم السياسي للدولة، ليبدأ تقليد من الانتهاكات الانتخابية تحول إلى روتين للمجلس منذ هذه اللحظة فصاعدا، عندما خضعت الهيئة المشرفة لضغوط لتحقيق لمكاسب سياسية. وسخر رفسنجاني وخاتمي الإعلام الحكومي للترويج لحلفائهما وإقصاء خصومهما، بل وشن تحقيقات فساد مع خصومهما المحتملين. وبنهاية الانتخابات تمكن رفسنجاني وحلفاؤه من تحقيق انتصار كاسح». أعلن المجلس نفسه، أول من أمس، استبعاد رفسنجاني من السباق على الرئاسة، ليتجرع من الكأس نفسها، التي سقاها لمنافسيه. فما الذي حدث في هذه الأعوام العشرين الفاصلة؟ لماذا استبعد مجلس صيانة الدستور المقرب من خامنئي، حليفا سابقا للمرشد الأعلى؟ وكما حدث في عام 1992 لم يفسر المجلس قراراته، لكن ربما تكون هناك بعض التلميحات لعلاقة الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني الطويلة والمضطربة مع خامنئي.

وكتب بولاك «عندما تولى رفسنجاني الرئاسة للمرة الأولى عام 1989 كان يمثل مع خامنئي شراكة لا يمكن فصلها. كان كلاهما يتمتع بمكانة كبيرة، وعملا معا تحت قيادة قائد الثورة آية الله روح الله الخميني، قبل وبعد الثورة. ودعما صعود بعضهما بعضا داخل إيران الجديدة، وصارعا للتقدم في صفوف الجمهورية الإسلامية بعد موت الخميني. في البداية، ساعدتهما البراغماتية في السياسة الإيرانية المتقلبة، بيد أنهما بمرور الوقت أخذا ينفصلان آيديولوجيا». ويؤكد بولاك على أن خامنئي بدأ يدرك أنه بحاجة إلى مصداقية ثورية لاستعادة شرعيته. فقد بنى سلفه، الخميني، قاعدة شعبية حول ثورة 1979 وقيمها الإسلامية والوطنية ومعاداة الولايات المتحدة. ولم يكن بمقدور خامنئي، الذي يفتقر إلى المكانة العلمية التي نالها الخميني، سوى اتباع هذا النهج الآيديولوجي ليكون خليفة شرعيا للخميني. ولذا علق استمرار وجوده على معارضة أهم أهداف سياسة رفسنجاني الخارجية، وهو إعادة التقارب مع الولايات المتحدة. واجه رفسنجاني خلال فترة رئاسته مشكلات مع خامنئي «على صعيد السياسة الخارجية وتحديدا بشأن العلاقات مع الولايات المتحدة ومحادثات سلام الشرق الأوسط وتصدير الثورة، ولقي معارضة من المرشد الأعلى نفسه. ويبدو أن تصميم خامنئي على اتباع إرث الخميني للحفاظ على شرعيته قد أدى به إلى اتخاذ قرار حذر بدعم رفسنجاني في القضايا السياسية الداخلية لكنه ناصر المتشددين في السياسة الخارجية».

لكن التوتر استغرق بعض الوقت كي يتحول إلى ما هو عليه الآن، وربما كان الأمر الأكثر إثارة للاهتمام في علاقة رفسنجاني بخامنئي ما وقع عام 1995، عندما طلبت إيران من شركات الطاقة التقدم بعطاءاتها لمجموعة جديدة من آبار النفط والتي كانت المرة الأولى منذ قيام الثورة. وأفادت المؤشرات الأولى بأن طهران ستمنح عقدا بقيمة مليار دولار لشركة فرنسية تدعى «توتال»، لكن إيران صدمت العالم عندما أعلنت أن الحقل سيتم تطويره عبر شركة «كونوكو» الأميركية التي اندمجت في ذلك الوقت مع شركة «فيليبس بتروليوم». تم اتخاذ هذه الخطوة - بدعوة الأميركيين إلى إيران وحقولها النفطية بعد سنوات من الصراع - كعلامة على حسن النوايا وبحاجة أكيدة إلى موافقة المرشد الأعلى.

وكتب بولاك «نحن لا نعلم كيف أقنع رفسنجاني خامنئي (الذي كان يجب عليه الموافقة على الصفقة) بمنح عقد تطوير الحفل النفطي إلى شركة أميركية». لكن الاتفاق فشل، نتيجة لاعتقاد إدارة كلينتون أنها لا تستطيع أن تفرض عقوبات على إيران ثم تقوم في الوقت ذاته بالاستفادة من نفطها من دون أن تبدو واضحة النفاق، ومن ثم ألغي العقد بقرار تنفيذي خاص، وتوقفت عملية إعادة التقارب منذ ذلك الحين.

ورغم وعود رفسنجاني خلال السنوات التالية بتعزيز النمو، شهد الاقتصاد الإيراني تباطؤا كبيرا، وعانى البراغماتيون. ربما كان خامنئي يشعر بضغوط داخلية متجددة، مما أضعف الدعم لفصيل رفسنجاني الذي كان ينظر إليه في ذلك الوقت على أنه منبوذ محليا وعالمي. وعلى الرغم من الضغوط التي مارسها مؤيدوه لتعديل الدستور للسماح لرفسنجاني بالترشح لفترة رئاسة ثالثة، فإنهم فشلوا، وترك الرئاسة عام 1997، وحل بعده الإصلاحي محمد خاتمي، ثم الرئيس المحافظ أحمدي نجاد الذي يوشك على مغادرة منصبه هو الآخر.

بعد انتهاء رئاسته أظهر رفسنجاني ميلا إلى اليمين ومن ثم أصبح مقربا من خامنئي. وبدأ في دعم الجناح اليميني المتشدد. وفي عام 2000 استغل سلطاته كرئيس لمصلحة تشخيص النظام لمنع المجلس التشريعي (الذي كان يحظى بأغلبية من الإصلاحيين) في التحقيق مع مؤسسات الدولة التي تتبع السلطة المباشرة لخامنئي. أبرز هذه المؤسسات هي الخدمات الأمنية التي كانت تقوم بسجن وتعذيب الصحافيين والإصلاحيين.

على الرغم من هذا الولاء الذي امتد لسنوات للمرشد الأعلى بعد خروجه من الرئاسة، لا يزال رفسنجاني مرتبطا بسياسة خارجية مميزة تبدو بغيضة لخامنئي، هي التواصل مع الولايات المتحدة. ربما لا يريد المرشد الأعلى، بعد سنوات من التوتر مع رئيس البلاد خلال فترة حكم رفسنجاني، وخلال فترة حكم خاتمي الإصلاحي، وأخيرا في حقبة أحمدي نجاد التي أوشكت على الانتهاء، الدخول في الصراع مع رفسنجاني مرة أخرى.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»