مساعد وزير الخارجية القطري: لا «أجندات مخفية» وراء مساعداتنا إلى دول الربيع العربي

قال إن الديمقراطية يجب أن يسبقها وعي ديمقراطي حتى لا تتحول إلى نزاعات طائفية وقبلية ودينية

الشيخ أحمد بن محمد بن جبر آل ثاني
TT

قال الشيخ أحمد بن محمد بن جبر آل ثاني مساعد وزير الخارجية لشؤون التعاون الدولي رئيس اللجنة الدائمة لتنظيم المؤتمرات، إن المساعدات التي تقدمها قطر إلى دول الربيع العربي ليست بها «أجندات مخفية»، بل إن سببها منذ بداية ثورات الربيع العربي إنساني قومي في المقام الأول.

وأكد على حديث أمير قطر في الجلسة الافتتاحية لمنتدى الدوحة يوم الاثنين الماضي، من أن التغيير قادم لا محالة، وأن الانفتاح يبدأ بتطبيق مبادئ مثل حقوق الإنسان، ووضع التشريعات الملائمة والالتزام بالمعايير الدولية، وهو توجه العديد من الدول التي تتجه نحوه الآن.

وقال في حديث خاص مع مجموعة صغيرة من ممثلي الإعلام العربي في الدوحة أمس، إن لكل دول ظروفها الخاصة، بما في ذلك قطر، من جهة توسيع المشاركة الشعبية التي تحتاج إلى نشر الوعي الديمقراطي.

وقال آل ثاني: «إن الأنظمة التي تملك زمام المبادرة والحكم، الآن في دول الربيع العربي، في هذه الدول كانت مغيبة، وجاءت على أنقاض دول أو نظم فاسدة وديكتاتورية، وبها العديد من المصائب الاقتصادية والاجتماعية المطلوب حلها فورا، وهي تحتاج لوقت كاف لذلك».

وأوضح الشيخ أحمد بن جبر آل ثاني أنه من الضروري تخفيف حدة التوتر، وتخفيف المصائب والأزمات في دول الربيع العربي، من خلال مساهمة عدد من المؤسسات الدولية، مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وكذلك إفساح المجال أمام المفكرين والاقتصاديين لتقديم نصائح وحلول للأزمات الراهنة، كما طالب بمشاركة منتدى الدوحة في وضع تصور للحلول عبر جلساته التي شارك فيها العديد من الخبراء.

وأوضح آل ثاني أن الحلول للأزمات الاقتصادية الحالية التي هي موضع نقاش تتطلب مراجعة الآيديولوجيات الحالية، بما فيها الاشتراكية والرأسمالية اللتان فشلتا في تحقيق الرفاهية للعالم.

وأضاف أن الوقت الحالي يحتاج إلى نظام عالمي جديد بنظريات اقتصادية جديدة، وقال: «أعتقد أن تلك النظريات لم تتم بلورتها بعد، ونتمنى مشاركة المفكرين والاقتصاديين في ذلك من خلال آراءهم في هذا المنتدى».

وكانت كلمة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني حول الإصلاح السياسي بشأن المشاركة السياسية ومحاربة الفقر وانتهاك حقوق الإنسان، ركزت عليها ندوات وجلسات منتدى الدوحة.

وقال الشيخ أحمد بن محمد بن جبر آل ثاني إنه «يجب أن لا ننسى أن شيوع الفقر والبطالة وغياب العيش الكريم وانتهاك حقوق الإنسان في ظل أنظمة الحكم التي تتميز بالتسلط والقمع والفساد، كانت هي القوة الدافعة للثورات العربية التي تستهدف، وما تزال، المشاركة الشعبية في صنع القرارات السياسية والاقتصادية».

وأوضح أنه في السابق كانت هناك العديد من الحلول الفوقية التي كانت تضعها القوى الحاكمة، ولكنها لم تكن ذات جدوى، وأن منتدى الدوحة يسعى إلى مناقشة السياسات المختلفة في مجالات نقدية واقتصادية واجتماعية لتخفيف المعاناة والأزمات التي يمر بها العالم. وأضاف «أن عددا من السياسات التي وضعت أسس أنظمة الحكم الاقتصادية كانت تعتمد بعد الحربين الأولى والثانية على أطر ومناهج اقتصادية وضعها مفكرون كبار مثل آدم سميث وكينز وغيرهما، لكنها لا تعد صالحة الآن».

وطالب بممارسة الرأي والرأي الآخر ليتحقق التفاعل الاجتماعي القائم على الحوار بدلا من العنف، مشيرا إلى أن ازدهار العملية الديمقراطية لا يعني أنها لن تكون مجرد إدلاء بالأصوات في صناديق الاقتراع خلال فترات محددة، وقال إن الوقت الحالي يحتاج إلى نظام عالمي جديد بنظريات اقتصادية جديدة، وقال: «أعتقد أن تلك النظريات لم يتم بلورتها بعد، ونتمنى مشاركة المفكرين والاقتصاديين في ذلك من خلال آراءهم في هذا المنتدى». وتطرق آل ثاني في حديثه إلى المشاكل الاقتصادية، سواء في الغرب أو الشرق، وفي أوروبا وأميركا، وإلى مشكلة عملة اليورو التي بقيت من دون حل، وقال: «إن مشاكل الهيكلة مطلوب معالجتها ووضع الحلول لها، ويجب أن تكون مكان ثقة».

وقال: «إن نسبة البطالة في إسبانيا مثلا بلغت 25 في المائة، ودول أخرى خفضت تصانيفها الائتمانية، ولا سيما أن الاستمرار في منطقة اليورو يجب أن لا يزيد العجز فيه عن 3 في المائة في الموازنة، وهذا يتعارض مع ضرورة زيادة الإنفاق الحكومي، الذي يحتاج إلى إنفاق لتحريك السوق وخفض البطالة». وأردف بقوله: «إن بعض الآيديولوجيات والبيروقراطية تكون عائقا أمام الكثير من الإصلاحات والسياسات المالية، وتطبيق حقوق الإنسان».

وعن سقف الطموحات والتوقعات في أنظمة الحكم الجديدة بعد الربيع العربي، قال إنها تواجه صعوبات جمة ومن دون تجربة، في وقت من الضروري فيه إعادة هيكلة الاقتصاد الذي يحتاج إلى دعم من قبل دول العالم، على الأقل في الفترة المتوسطة، ووضع حلول سريعة وواضحة.

وحول المشاركة الشعبية في أنظمة الحكم، قال إنها ستجد معارضة في التنفيذ، مشيرا إلى «أن لدينا أزمة وليس لدينا نموذج غير النموذج الغربي للديمقراطية، ولكل دولة في المنطقة قيمها وخصوصيتها وهويتها وتركيبتها الديموغرافية».

وأوضح أن عددا من الدول غير متحمس لتطبيق الديمقراطية، بل الإقبال على صناديق الاقتراع في تناقص بسبب بعض الأنظمة غير المنسجمة مع الوضع الاجتماعي، موضحا أن الديمقراطية يجب أن يسبقها نشر الوعي الديمقراطي، لأنها ستتحول إلى نزعات قبلية وطائفية ودينية وهو أكبر التحديات.

وأكد آل ثاني «أن التدرج في تطبيق الديمقراطية هو المطلوب حاليا في قطر». وتحدث عن مؤسسات المجتمع المدني في المنطقة العربية، وقال إنها في تعاظم وتنامٍ مستمر، وإنها ضرورة لأي تطوير ديمقراطي. واختتم حديثه بالقول: «إن هناك بعض المبادئ لا بد من تحقيقها، أهمها خفض الفقر والبطالة وتحقيق الأمن». وقال إن الشعوب هي نفسها التي تحدد مسار الانفتاح؛ لأنها تملك اتخاذ القرار، وإن دول الربيع العربي تعرف أن التغير قادم لا محالة، وإن الانفتاح يبدأ بتطبيق مبادئ مثل حقوق الإنسان ووضع التشريعات الملائمة وبمعايير دولية، وهو توجه العديد من الدول تتجه نحوه.

وقال ردا على سؤال حول مستقبل قطر التنموي: «استمررنا في دعم قطاع الصحة والتعليم، واستثمرنا في التنمية البشرية وتخطيط المستقبل». وقال: «لا يمكننا مساعدة دول غير قادرة على مساعدة نفسها؛ لأن المال ليس هو الحل الوحيد، بل إن مشكلة هيكلة الاقتصاد ووضع خطط هي الأهم، مما لا يستدعي أهمية وجود صناديق سيادية لدعم دول الربيع العربي»، إلا أنه طالب بتخفيف حدة التوتر في هذه الدول عن طريق المساعدات الإقليمية والمساعدات الإنسانية لتخفيف المعاناة كمهلة لالتقاط الأنفاس في هذه الدول.

وعن المؤتمرات التي تعقدها العاصمة القطرية تحت إشراف وزارة الخارجية قال: «هناك منتديات متعلقة بأميركا والعالم الإسلامي، حيث هناك منتدى في الدوحة لإطلاع أصحاب القرار في أميركا على الرأي الآخر في العالم العربي، ووضع جسور للتواصل بين المسلمين والولايات المتحدة، لتفادي رؤية أو نظرية أن الإسلام هو الخطر القادم على الغرب».

وقال ردا على سؤال حول التنسيق بين دول التعاون الخليجي في مجال تطبيق الديمقراطية: «لا تنسيق بين دول التعاون في تطبيق الديمقراطية أو مبادئ حقوق الإنسان، حيث إن لكل دولة توجهاتها وسياستها الخاصة وتطلعات شعوبها، ولا يمكن التنسيق في هذا الجانب، فالكويت مثلا متقدمة في مجال البرلمانيات، وقطر لها مسار آخر، وكذلك الدول الأخرى، ولكن لا بد من الاستفادة من تجارب الآخرين».

وقال إن منتدى الدوحة خصص جلسات أيضا لبحث تأثير النظام العالمي الجديد على المنطقة، وعلى المقاربة الإقليمية للعلاقات الخارجية والدولية، بالإضافة إلى التحديات الرئيسية التي تواجه الدول التي تمر بمرحلة انتقالية في المنطقة، مضيفا أن الجلسات ناقشت أيضا القضايا الإقليمية والتحديات السياسية الراهنة التي تواجهها بعض الدول، بل تعدى ذلك بكثير، منوها بأن المنتدى تطرق كذلك إلى دور التعاون الدولي، والأساليب التي يمكن أن تؤثر فيها مصالح وقيم القوى المختلفة على نجاح المبادرات متعددة الأطراف، وأيضا الدور الذي يمكن أن تلعبه المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني في العمل عبر الحدود لتحسين التعاون في مجال التحديات العالمية، وبين أن المنتدى تطرق في العديد من الجلسات إلى التحديات المركبة والمعقدة التي تنطوي عليها تنمية سياسات أي دولة، بما في ذلك تنمية مجتمعها واقتصادها، خاصة ما بعد الربيع العربي.