طرابلس تعيش معركة هي الأشرس منذ الحرب الأهلية

مدير عام الأمن اللبناني بالوكالة: الوضع خطير جدا.. والمسلحون «فتحوا على حسابهم»

TT

خرجت طرابلس عن السيطرة أو تكاد، فقد شهدت المدينة ليلة أول من أمس معارك عسكرية، هي من الشدة والشراسة بدرجة وصفها وزير الشباب والرياضة في حكومة تصريف الأعمال فيصل كرامي، بأنها «أسوأ الليالي على طرابلس منذ تاريخ الحرب الأهلية». وقال أحد المقاتلين في حي باب التبانة شمال شرقي طرابلس ذات الأغلبية السنية، لـ«الشرق الأوسط»: «إنها ليلة بلغت تكلفتها العسكرية ما يفوق النصف مليون دولار»، استخدمت فيها رشاشات ثقيلة وقنابل وقذائف من عيارات وأنواع مختلفة ومدافع هاون». وقدر المقاتل، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، عدد القذائف التي نزلت على باب التبانة وجوارها في ليلة واحدة بـ160 قذيفة. واستطرد: «هذه الأموال التي تصرف على تمويل الحرب، لو أنها استخدمت في بناء مصانع لكان شمال لبنان كله يعيش حياة مختلفة».

وشرح المقاتل الذي تحدثت إليه «الشرق الأوسط» صباح أمس بعد ليلة لم تشهد فيها طرابلس النوم ولا مقاتلو المنطقتين المتحاربتين: «نتمنى أن تتوقف هذه الحرب العبثية، لكنها تمول وتغذى من جهات يعرفها السياسيون والأمنيون معا، وكلهم كاذبون، ويتظاهرون بأنهم لا يعرفون شيئا. على الدولة أن تتحمل مسؤولياتها، وعلى السياسيين أن يكفوا عن المراوغة».

ومع اشتداد المعارك ليلة أول من أمس، التي بدت خلالها طرابلس متروكة لقدرها، أخذ بعض المواطنين ينشرون على «فيس بوك» أرقام جوالات ومنازل نواب المدينة ورئيس الوزراء، ويعممونها، ويحثون الناس على الاتصال بهم في منتصف الليل للإعراب عن سخطهم. وكانت النتيجة مقتل 5 أشخاص ليرتفع عدد قتلى الاشتباكات المستمرة منذ يوم الأحد الماضي إلى أكثر من 19، وزاد عدد الجرحى 40 ليصل العدد الكلي إلى 200 جريح. وألحقت المعارك أضرارا كبيرة بمناطق الاشتباكات فاحترقت منازل ومحال تجارية، وأثارت قذائف الهاون التي طالت مناطق عدة في عمق طرابلس، رعبا شديدا لدى السكان، الذين طلب إليهم عدم التجول.

ولم تسلم حتى سيارات الإسعاف ولا أطقم الدفاع المدني من الرصاص، مما دفع مستشفيات طرابلس إلى إغلاق أقسام الطوارئ فيها.

ومنذ يوم الاثنين الماضي، وبعد استهداف الجيش عدة مرات، بدت منطقة الاشتباكات، لا سيما باب التبانة، خالية من الجيش الذي يفصل عادة بين المتقاتلين، مما ترك جبهة جبل محسن (العلوية الطابع) وجبهة باب التبانة في مواجهة مستمرة. وإذ تهدأ المعارك في الصباح ليستريح المحاربون الذي يقاتلون بشراسة عالية في الليل، فإن طرابلس بالكاد تقضي حاجاتها لتتحضر لجولة عنف جديدة، دون أن يتوقف رصاص القنص الكثيف أو تهدأ المناوشات بالأسلحة الخفيفة.

ومع التصعيد العسكري غير المسبوق، كثفت الاتصالات السياسية والأمنية طوال أمس، بهدف الوصول إلى وقف لإطلاق النار. فمنذ الصباح، ترأس المدير العام لقوى الأمن الداخلي بالوكالة العميد روجيه سالم اجتماعا أمنيا في طرابلس قال على أثره: «الوضع خطير جدا، ولأول مرة نشهد ضراوة كهذه في الحوادث وارتفاع عدد القتلى والجرحى، وهدفنا المحافظة على مؤسساتنا ومراكزنا وتفعيل تحركنا لنشعر الناس بأننا إلى جانبهم. وسنعمل بأقصى جهدنا للقيام باللازم ضمن الإمكانات الموجودة عندنا». وبحسب سالم: «ليس هناك أي غطاء سياسي للمسلحين الذين باتوا يتصرفون بحسب هواهم، وفتحوا على حسابهم نظرا للوضع المعروف من خارج الحدود متأثرين بالوضع في سوريا، وسنحاول إصلاح الأمور قدر الإمكان؛ أقله في المناطق البعيدة عن الاشتباكات حفاظا على سلامة المواطنين».

كما التقى المدير العام لقوى الأمن الداخلي بالوكالة رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في منزله بطرابلس، قبل أن يعقد هذا الأخير اجتماعا حضره وزراء طرابلس ونوابها، أي الوزراء فيصل كرامي وأحمد كرامي ومحمد الصفدي والنواب محمد كبارة وسمير الجسر، أعلن عقبه كبارة أن «الأمور في المدينة تتجه نحو الإيجابية، وإننا بصدد التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار يلتزم به الجميع ويسمح بتنفيذ خطة أمنية شاملة وانتشار واسع للجيش اللبناني على خط التماس بين المنطقتين وعلى محاور القتال كافة لإعادة الأمن والاستقرار إلى المدينة». وعقد الاجتماع على وقع أصوات القذائف، والقتلى والجرحى يتساقطون في مناطق الاشتباكات.

واعتبر وزير الداخلية مروان شربل أن «قف إطلاق طرابلس قرار كبير مطلوب من السياسيين». أما عضو المكتب السياسي لـ«تيار المستقبل» مصطفى علوش، فقد رأى أن «قادة المحاور في باب التبانة لا يتبعون فريقا سياسيا بل يدافعون عن بيوتهم وقرارهم، لذلك لم يكن هناك تجاوب مع وقف إطلاق النار» وقال علوش: « يمكن سحب السلاح من الفريق دون آخر، نحن في حلقة مفرغة، ولبنان بأجمعه بحاجة إ حل، وما يحصل في طرابلس هو بسبب غياب السلطة والقانون»، وأكد أن «لا قدرة للسياسيين على وقف المعارك».

ومن باب التبانة، شرح الشيح مازن شحود، الذي حضر الاجتماعات التي دارت بين فعاليات منطقته طوال أول من أمس، لـ«الشرق الأوسط»: «نحن واضحون، وأخبرنا المسؤولين السياسيين أن المطلوب هو بناء جسور الثقة بين الناس والجيش من جديد. نحن نؤمن أن الجيش هو الجهة الضامنة الوحيدة لأمن الجميع، ونود حين يخطئ جندي أن تتم محاكمته، وأن تعامل كل الأطراف على نحو عادل ومتكافئ». ولا ينكر شحود أن ثمة صلة بين ما يحدث في باب التبانة ومعارك القصير، ملقيا باللوم على قيادات جبل محسن التي تريد أن تصرف الأنظار عن جرائم النظام هناك. بينما تتحدث قيادات جبل محسن عن معارك ثأرية يشعلها مسلحو باب التبانة انتقاما من تقدم النظام السوري في القصير.