العريض: لن نتراخى أو نساوم مع من يرفع شعار العصيان في وجه الأمن والدولة

رئيس الحكومة التونسية يدعو «أنصار الشريعة» لإدانة العنف والإرهاب والاندماج في المجتمع التونسي

علي العريض رئيس الحكومة التونسية يتحدث في مؤتمر صحافي في تونس أمس (أ.ف.ب)
TT

نفى علي العريض رئيس الحكومة التونسية في مؤتمر صحافي عقده أمس بالعاصمة التونسية، أن تكون المواجهات الأخيرة التي عرفتها مدينة القيروان (وسط) وحي التضامن (الضاحية الغربية للعاصمة) استهدافا للدين أو للعقائد, تروج بعض الأطراف المتشددة، وقال إن التفسير خاطئ ومن يرفع شعار العصيان ويستعصي على الدولة فالحل سيكون أمنيا وقضائيا واجتماعيا كذلك. وأضاف في لهجة حازمة «لن نتراخى ولن نساوم مع من يرفع شعار العصيان في وجه قوات الأمن ومؤسسات الدولة».

ووعد العريض التونسيين بإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها, وقال إن الحكومة ستتصدى لكل من يسوق للعنف والإرهاب في إشارة إلى الأحداث الأخيرة التي عرفتها المواجهات بين قوات الأمن وتنظيم أنصار الشريعة. وأضاف أن وحدات الأمن التونسية تتقدم في ملاحقة العناصر العنيفة والمتطرفة وتسعى إلى تفكيك شبكات تهريب الأسلحة والتهريب. وقال إن الحكومة التونسية ما زال أمامها الكثير لفعله، في إشارة إلى الكم الهائل من مشكلات التنمية والتشغيل. واعترف بأن التحدي الأكبر قد يكون على المستويين الاجتماعي والاقتصادي بعد التحسن الكبير الطارئ على مستوى الملفات الأمنية.

إلا أن العريض ترك الباب مواربا ولم يحسم ملف تنظيم أنصار الشريعة بصفة قاطعة ولم يقطع الشك باليقين حول حقيقة توجه الحكومة ودول غربية نحو تصنيف التنظيم السلفي الجهادي ضمن التنظيمات الإرهابية، وقال: «تنظيم أنصار الشريعة غير قانوني مارس العنف، وعدد من قياداته وعناصره متورطة في الإرهاب أو خططت له». وهو موقف أطلقه العريض صراحة في زيارته إلى دولة قطر (أنصار الشريعة تيار إرهابي) وقلل من حدته أمس. وقال إن تنظيم أنصار الشريعة عليه أن يقدم موقفا واضحا من العنف والإرهاب وأن يتبرأ من ممارستهما وعليه أن يندمج في المجتمع التونسي بنواميسه وبشأن عناصر التنظيم السلفي الجهادي، قال العريض «ليس أمامهم الكثير من الوقت لتدارك علاقتهم مع أجهزة الأمن والدولة»، وأوضح «لا بد أن يدركوا أن من يتطاول على الدولة أو يقف أمام الانتقال الديمقراطي في كنف احترام القانون، سيلقى المقاومة من كل الأطراف»، وأضاف «من يتوهم أن سعة صدر الديمقراطية ومراعاة حقوق الإنسان ضعف على مستوى الدولة فهو واهم»، ودعا جميع الأطراف إلى الاندماج الاجتماعي دخل تركيبة المجتمع التونسي.

ووجه الكلام لقياديي تنظيم أنصار الشريعة بقوله «هم خاسرون اليوم وغدا» إذا واصلوا مساندة الإرهاب واللجوء إلى العنف في تعاملهم مع التونسيين. وتساءل العريض أمام العشرات من وسائل الإعلام المحلية والدولية عن النص الديني الذي اعتمده أنصار الشريعة لرفع السلاح والتحريض على العنف والكراهية وإصدار فتاوى التكفير, وقال «لم أجد أي مستند ديني لهذا السلوك الذي سيعرف البوار والخسران». ودعا مناصري تنظيم أنصار الشريعة وقياداتهم إلى التواضع والقراءة وفهم الدين على اتساعه ورحمته, على حد قوله.

وفيما يتعلق بأحداث جبال الشعانبي وسط غربي تونس، قال الجبالي إن وحدات الأمن تواصل تمشيط الغابات هناك وتلاحق المجموعات المتحصنة في تلك الجبال, مشيرا الى أن الدولة لن تبدي تراخيا أو مساومة في هذا الملف مهما كانت تكاليف العملية, على حد تعبيره.

وقال إن مواجهات مع التيارات السلفية انطلقت منذ نحو السنة وهي مجموعات ترفض القانون ولا تقيم حسابا لأسس الدولة ومبدأ التعايش السلمي. وأضاف أن الحكومة التونسية ستلاحق كل من يمارس العنف ويخطط للإرهاب أو يقيم علاقة معه، ودعا كل من يريد العيش في تونس بكامل الاحترام إلى تحديد موقف واضح يدين من خلاله الإرهاب والعنف وموقف واضح من احترامه للقوانين التونسية, واعتبر أن الدولة مسؤولة عن توفير الأمن وهي لن تلاحق التونسيين من أجل آرائهم ومواقفهم إلا عند الإعلان عن تهديد حياة الآخرين. وقال إن فئة قليلة تلجأ إلى العنف وتعتدي على قوات الأمن والحكومة لن تتردد في ملاحقتهم وفق قوانين البلاد والمعاهدات الدولية المعروفة في مجال الحريات وحقوق الإنسان.

وأضاف أن تونس خسرت الكثير بسبب قطع الطرقات والإضرابات العشوائية, وأشار إلى وجود أطراف سياسية تساند التوتر الاجتماعي وتروج له, وطالبها بالنضج قائلا: «ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا»، وقال إن الدستور التونسي الجديد سيكون جاهزا خلال شهر يوليو (تموز) المقبل وهو دستور«يليق بثورة تونس السلمية التي فجرت الموجة الثالثة من الثورات الاجتماعية» على حد تعبيره. واعتبر أن التونسيين أشعلوا الثورة من أجل مجموعة كبيرة من المبادئ السامية وليس من أجل التناحر السياسي والمتاجرة بأرواح الناس ودفعهم إلى التقاتل وحمل السلاح. وقال أيضا لا شيء يمنع تونس من إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تاريخها المحدد قبل نهاية السنة الجارية، ودعا التونسيين لانتظار القرار النهائي الذي ستصدره الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وأضاف أن الأمر يتطلب العمل على استجماع المناخ السياسي والأمني والتوجه نحو ربح الرهان على حد تعبيره.

وبشأن الملفات الاجتماعية والاقتصادية، قال العريض إن تونس مفتوحة على مجموعة كبيرة جدا من الورشات من بينها ترشيد الدعم المقدم للفئات الضعيفة والتحكم الجيد في ملف الطاقة إلى جانب إصلاح منظومة الصناديق الاجتماعية المتداعية والمتجهة نحو المزيد من الخسائر. وقال إن تلك الملفات تتطلب التضحية من جميع الأطراف السياسية والاجتماعية في إشارة إلى أحزاب المعارضة والهياكل النقابية، ودعاها إلى الابتعاد عن التسييس المفرط لكل الملفات. ففي مجال الدعم الموجه للفئات الاجتماعية الضعيفة (دعم المواد الغذائية الأساسية بالخصوص)، قال العريض إن الدراسات التي أجرتها خبرات متخصصة أظهرت أن الدعم موجه إلى 11 في المائة فقط من فقراء تونس واعتبر أن التساؤل في المستقبل سيكون كيف يتم الدعم ومن المستفيد منه وقال إن تونس لن تتراجع عن الدعم ولكنها ستسعى إلى ترشيده وتوجيهه نحو مستحقيه. وانتقد نسبة النمو السنوي المسجلة في تونس والتي لا تزيد عن 2,7 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الجارية وقال إنها «نسبة نمو ضعيفة» بسبب المناخ الاجتماعي وقلة الهدوء السياسي والاتجاه نحو تأزيم كل الملفات واعتبر أن البلاد بإمكانها مضاعفة نسبة نموها الحالية ثلاث مرات على حد تقديره. وتنوء البلاد بأعباء أكثر من 800 ألف عاطل عن العمل وتعاني من تفاوت كبير على مستوى التنمية في الجهات الداخلية.

ولم يعلن العريض في مجال البحث عن مجالات جديدة للطاقة عن تراجع الحكومة عن موضوع «الغاز الصخري» الذي كان محل انتقادات كثيرة من المعارضة بسبب ما يخلفه من مشكلات بيئية وصحية، وقال إن تونس ماضية في استكشاف هذا الملف ودراسته والاستفادة مما يوفره من إمكانات كبيرة لتغطية الحاجيات المتزايدة من الطاقة. ولاحظ أن الدعم الموجه لهذا القطاع مقدر بحولي 2700 مليون دينار تونسي (نحو ألفي مليون دولار أميركي) وهذا يمثل نحو 10 في المائة من الميزانية الاجمالية لتونس.

وبشأن القرض الذي ستحصل عليه تونس من صندوق النقد الدولي، قال إنه ضروري لدفع التنمية ومواجهة مختلف التحديات التنموية ونفى أن يكون الصندوق قد أملى شروطا مجحفة على تونس.