السلام الأفغاني مفقود وسط مخاوف المرحلة الانتقالية

الأفغان يتعايشون بمرارة مع العنف انتظارا لانتخابات الرئاسة وانسحاب «الأطلسي»

مجندات يحضرن حفل تخرج لضباط في الجيش الوطني الأفغاني في قاعدة عسكرية بضواحي كابل أمس (أ.ب)
TT

في خضم الأشلاء المبعثرة والمتزايدة بفعل هجمات الربيع السنوية، والتي كان بينها تفجير انتحاري الاثنين الماضي راح ضحيته رئيس مجلس محلي، يبدو أن آمال إحياء محادثات السلام مع مقاتلي حركة طالبان تتبدد هنا مع كل تفجير انتحاري وحادث اختطاف وقصف جديد على جانب الطريق.

وحتى مع حبس هذا البلد الهش الذي يبلغ تعداد سكانه قرابة 30 مليون نسمة أنفاسه، خشية وقوع كارثة في أعقاب إجراء الانتخابات الرئاسية وانسحاب قوات حلف شمال الأطلسي في العام المقبل، فإنه يبدو أن كلا من الحكومة الأفغانية وخصومها المسلحين يعتقدون أن الوقت في صالحهم. ويبدو أن المناورات الصعبة الغامضة في ظل مناخ سياسي ضبابي قد تخطت الشعور الذي بات حادا من قبل بالحاجة الماسة لإنهاء الحرب.

ويقول عبد الحكيم مجاهد، وهو دبلوماسي سابق من حركة طالبان وعضو بمجلس السلام المعين من قبل الحكومة «كل شيء في أفغانستان يبدو غامضا جدا الآن. هناك مئات الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة، لكن ليس ثمة شيء واضح، فضلا عن أننا لا نملك وصفة سحرية».

قبل بضعة أشهر بدا أن الزخم لإقامة علاقات ودية يزداد. ففي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أجرى مسؤولون أفغان ورموز من المعارضة وقادة بحركة طالبان مناقشات خاصة في باريس. ووصف العديد من المشاركين تلك الاجتماعات بأنها إنجاز عظيم، غير أنها لم تثمر عن أي إجراءات ملموسة أو اتفاقات.

لم يفتتح مكتب لحركة طالبان كان من المخطط إقامته في قطر، حيث يستطيع المتمردون مقابلة مسؤولين أفغان وأجانب للحديث عن مفاوضات السلام، قبل بدء موسم قتال الصيف هذا العام. وعلى الرغم من أن الرئيس حميد كرزاي، الذي كان قد اعترض على الفكرة، قد توصل أخيرا إلى اتفاق مع قطر في أبريل (نيسان)، فإن حركة طالبان - التي أكدت على أنها ستكتفي بالحديث مع الأميركيين ولن تتحدث مع كرزاي - لم تظهر سوى اهتمام محدود مؤخرا بالمضي قدما في محادثات السلام.

انتهت المحادثات بين الأميركيين وحركة طالبان في الدوحة بقطر في وقت سابق من العام، وفشل اتفاق مؤقت لتبادل السجناء واتخاذ بعض إجراءات بناء الثقة الأخرى. ولم يتم استئناف تلك المناقشات، بحسب مسؤولين في الإدارة الأميركية.

وأشار مراقبون إلى أن القاسم المشترك الذي لعب دورا في تقويض المبادرتين هو العداء الشديد وانعدام الثقة بين قادة حركة طالبان وكرزاي. ولا تعترف حركة طالبان بحكومة كابل كحكومة شرعية، إذ تصفها بأنها دمية يحركها الغرب. وقد طالبت حركة طالبان بسن دستور جديد، وتقول إنها تفضل التفاوض مع نطاق واسع من الأفغان والمتحدثين الأجانب.

ويقول وحيد موجدا، وهو محلل سياسي ومسؤول سابق في حركة طالبان «تقول طالبان إن كرزاي هو أكبر عقبة تعرقل تحقيق السلام. لقد اكتشفوا في باريس أن ثمة قواسم مشتركة عدة تجمع بينهم وبين بعض خصومه، وتراود أذهانهم الأسئلة نفسها التي تراود جميع الآخرين عن عام 2014. بمجرد الإطاحة بكرزاي من السلطة سوف يرغبون في التواصل مع أحزاب وحركات أخرى».

ومع ذلك، أشار معاونو كرزاي إلى أنهم على قناعة بأنه بغض النظر عن اللهجة الأكثر اعتدالا التي يتبناها قادة حركة طالبان اليوم، فإنهم لا يزالون متطرفين وقساة قلب يرغبون في تحويل أفغانستان بالقوة إلى دولة دينية متشددة. كان كرزاي، الذي يشترك مع حركة طالبان في الأصول العرقية والقبلية، مولعا في ما مضى بالإشارة إلى أعضاء الحركة باسم «الأخوة»، لكن تعليقاته اتخذت لهجة أشرس وأكثر سخطا في الآونة الأخيرة.

ويقول إسماعيل قاسميار، وهو معاون لكرزاي منذ فترة طويلة وعضو بمجلس السلام «نحتاج إلى سلام عادل ودائم، وليس إلى اتفاق سريع مع حركة طالبان». وأضاف قائلا «طالبان تتحدث عن تعليم الفتيات والتعددية السياسية الآن، لكنهم يعتقدون أنه بعد انسحاب قوات حلف الأطلسي، سيكون بإمكانهم غزونا وحكمنا مجددا. لن نضحي بأي حق من حقوق الأفغان لمجرد الوصول إلى تسوية مع حركة طالبان».

وقد أسهمت عوامل عدة في تعميق التشاؤم حيال التوقعات المتعلقة بالسلام. كان أكثرها إثارة تجدد أعمال عنف حركة طالبان في هذا الربيع، والتي أسفرت عن سقوط مئات القتلى من ضباط الشرطة والجنود والمدنيين الأفغان، إلى جانب 57 من جنود قوات التحالف، في الفترة من مارس (آذار) إلى مايو (أيار). وشن متمردون من الجنوب هجمات صغيرة وقاموا بتفجيرات عبر مئات الأميال وفي عشرات الأقاليم.

وفي آخر هجوم، أودى تفجير انتحاري بحياة 14 شخصا يوم الاثنين، من بينها رئيس المجلس المحلي لبغلان، الإقليم الذي يتمتع بالسلام والأمن نسبيا في شمال شرقي أفغانستان. اقترب منفذ الهجوم من المسؤول، وهو شخصية معروفة معارضة لحركة طالبان، أثناء حديثه مع مجموعة خارج مكتبه في مدينة بولي خومري. وسارعت حركة طالبان معلنة مسؤوليتها عن الهجوم.

ويشير مسؤولون من حلف الأطلسي ومسؤولون أفغان إلى أن غالبية الهجمات ما زالت مقتصرة على مناطق صغيرة جدا من البلاد، وأن المتمردين يفتقرون للقدرة على مواجهة القوات الأفغانية وقوات التحالف، التي تفوقها عددا بشكل هائل. غير أن العدد المتزايد من الهجمات على المدنيين خلال العام الحالي قد أفزع الأفغان والمراقبين الدوليين، ويعرب كثيرون عن مخاوفهم من أن تعجز القوات الأفغانية عن توفير الأمن في العديد من المناطق خلال الانتخابات المقررة العام المقبل.

ويتمثل موطن خوف آخر مشترك على نطاق واسع في ما إذا كانت باكستان، البلد الجار القوي الذي لا يثق فيه العديد من الأفغان، ستقوض عملية السلام وتستغل عاما انتقاليا عارما بالاضطرابات في إضعاف حكومة كابل. ويقول مسؤولون أفغان إن باكستان لها تأثير قوي على حركة طالبان ولا تتعجل جلوس طالبان على طاولة المفاوضات.

ويقول قاسميار إن باكستان «لا ترغب في حكومة أفغانية قوية؛ فهي تريد قطعة من كعكة السلطة الأفغانية. ويقول مسؤولون باكستانيون مرارا إنهم يرغبون في سلام واستقرار أفغانستان، لكن باكستان بيئة حاضنة ومصدرة للتطرف. إن قادة حركة طالبان الذين يعيشون في باكستان بحاجة للخروج من هناك، بحيث يتمتعون بحرية التفكير والاستقلالية ويشاركون في عملية السلام».

وعلى الرغم من ذلك، فإنه بعيدا عن أي مصدر قلق واحد، يقول المحللون والمسؤولون هنا إن الأسئلة الرئيسة المتعلقة بالتحول المقبل يبدو أنها قد غطت على المطالب الأضيق نطاقا والظروف اللازمة لتحقيق السلام. من سيحكم البلاد؟ وهل ستتحد قوات الدفاع معا أم ستتفكك إلى فصائل عرقية؟ وهل سينهار اقتصاد الحرب؟ وهل ستتدخل دول الجوار؟ وهل سيبقى أي أميركي بعد عام 2014، وماذا ستكون وظيفة تلك القوات؟

يقول مجاهد «إن عام 2014 يعتبر كابوسا ضخما بالنسبة للجميع. هناك فجوة هائلة بين الشعب والحكومة، لكنني لا أرى سوى فرصة محدودة لإجراء انتخابات مشروعة من شأنها أن تحقق الاستقرار. ما دام المستقبل مبهما، أعتقد أنه ليس أمامنا ما يمكننا فعله لإرساء السلام».

* أسهمت كارين دي يونغ من واشنطن في إعداد التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»