لهيب الحرب في مالي يطال المصالح الفرنسية في النيجر

23 قتيلا في هجومين انتحاريين استهدفا ثكنة عسكرية ومنجما تابعا لشركة «آريفا»

TT

وسعت الجماعات الإسلامية المسلحة في منطقة الساحل الأفريقي نطاق عملياتها التي كانت تقتصر على شمال مالي منذ بداية العملية العسكرية الفرنسية في 11 يناير (كانون الثاني) 2013، حيث تبنت جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا عمليتين انتحاريتين وقعتا فجر أمس بمدينة أغاديز، كبرى مدن شمال النيجر.

وأوفدت الحكومة النيجرية عقب الهجومين مباشرة وزير الدفاع، محمدو كاريدجو، إلى مدينة أغاديز في حراسة مشددة حيث رافقته وحدات تدخل خاصة، ومنها أعلن أن سيارتين مفخختين استهدفتا ثكنة عسكرية في المدينة، وموقعا لاستخراج اليورانيوم تابعا لشركة «آريفا» الفرنسية. وأضاف وزير الدفاع النيجري أن «انفجارا وقع أمام الثكنة العسكرية في أغاديز، وهو ناجم عن آلية محشوة بالمتفجرات»، قبل أن يضيف أنه «تم شل حركة المهاجمين» دون الإفصاح عن الجهة التي ينتمون إليها.

بدوره أشار وزير الداخلية النيجري عبدو لابو، في تصريح للصحافيين، إلى أن الحصيلة الأولية للهجوم الذي استهدف الثكنة العسكرية في أغاديز تشير إلى سقوط 23 قتيلا، من بينهم 18 عسكريا نيجريا ومدني واحد، إضافة إلى أربعة من الانتحاريين؛ فيما جرح 13 شخصا من بينهم ستة وضعيتهم «خطيرة». وأشار إلى أن أحد الانتحاريين لا يزال حيا، ويحتجز في أحد المكاتب بعض التلاميذ الضباط الذين كانوا يخضعون للتأهيل في الثكنة العسكرية.

وعن إمكانية تدخل قوات فرنسية لتحرير الرهائن المحتجزين في الثكنة من طرف أحد المهاجمين، قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إن بلاده ستدعم «كل الجهود» النيجرية من أجل «إنهاء» أزمة الرهائن و«القضاء» على المهاجمين، مشيرا إلى أنه من غير المطروح حاليا أي تدخل عسكري فرنسي، قبل أن يضيف «لن يكون الأمر تدخلا في النيجر كما جرى في مالي، ولكن ستكون لدينا الرغبة نفسها في التعاون من أجل محاربة الإرهاب».

وكان هجوم ثان بسيارة مفخخة رباعية الدفع، قد استهدف موقعا في منطقة آرليت المنجمية، يستثمره فرع «سومير» التابع لمجموعة «آريفا» النووية الفرنسية، المختصة بالتنقيب عن اليورانيوم واستخراجه. وأعلنت المجموعة الفرنسية أن الانفجار أسفر عن جرح 14 من العاملين لديها ومقتل شخص واحد. وقالت المجموعة في بيان نشرته على موقعها على الإنترنت، إن «موقع (سومير) الذي تستثمره مجموعة (آريفا) تعرض لهجوم إرهابي نحو الساعة 5:30 من اليوم (فجر الخميس)»، واصفة الانفجار بأنه «جريمة دنيئة» استهدفت موظفيها. فيما أشارت بعض المصادر إلى أن الجرحى الـ14 يحملون الجنسية النيجرية، بينما أكد المتحدث باسم الحكومة النيجرية أنه ليس من بين جميع ضحايا الهجومين من يحمل الجنسية الفرنسية.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن موظف في المجموعة، طلب عدم كشف هويته، أن «مسؤولين في الشركة قالوا إن الانتحاري قتل في الانفجار». وأضاف أن «رجلا يرتدي بزة عسكرية، ويقود سيارة رباعية الدفع محشوة بالمتفجرات، تسلل بين العاملين في الشركة، وتمكن من تفجير شحنته أمام محطة الكهرباء في مصنع معالجة اليورانيوم الواقع على بعد سبعة كيلومترات عن أرليت».

وأضاف الموظف ذاته أن «كل شيء الآن هادئ في المدينة والعمل لم يتوقف»، واصفا الأضرار التي لحقت بالموقع بأنها «طفيفة». فيما أشارت المجموعة النووية الفرنسية في بيانها إلى أن أجهزة الإنقاذ المحلية تهتم بالجرحى، مؤكدة أنها عززت من إجراءاتها الأمنية في مختلف مواقعها، وأنها «تعمل بتعاون وثيق مع السلطات النيجرية والفرنسية»، في سياق هذا التهديد الإرهابي.

يشار إلى أن منجما في منطقة آرليت، شمال النيجر، تعمل فيها شركة «ساتوم» التابعة لمجموعة «آريفا»، سبق أن تعرض يوم 16 سبتمبر (أيلول) 2010 لهجوم شنته كتيبة طارق بن زياد، التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بقيادة عبد الحميد أبو زيد، الذي قتل مؤخرا أثناء التدخل الفرنسي في شمال مالي؛ وهو الهجوم الذي أسفر آنذاك عن اختطاف سبعة موظفين في الشركة، قبل أن يحرر التنظيم ثلاثة منهم، فيما لا يزال يحتفظ بأربعة يحملون الجنسية الفرنسية. وعلى صعيد آخر، أعلنت حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، المنشقة عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، مسؤوليتها عن هجومي الأمس، وتوعدت بهجمات مماثلة ضد الدول التي تقف إلى جانب فرنسا في حربها ضد الجماعات الإسلامية المسلحة.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن أبو وليد الصحراوي، المسؤول الإعلامي في حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، تأكيده مسؤولية حركته عن الهجومين اللذين استهدفا مدينة أغاديز وموقع آرليت، حيث قال الصحراوي إنه «بفضل الله قمنا بعمليتين ضد أعداء الإسلام في النيجر»؛ قبل أن يضيف «لقد هاجمنا فرنسا، وهاجمنا النيجر لأنها تعاونت مع فرنسا في الحرب على الشريعة»، في إشارة إلى العملية العسكرية التي تقودها فرنسا في شمال مالي والتي تشارك فيها قوات نيجرية.

وتوعد الصحراوي دول المنطقة التي تقف مع فرنسا في حربها على الجماعات المسلحة في إقليم أزواد، وقال «سنواصل الهجمات على فرنسا وكل الدول التي تقف مع فرنسا ضد الإسلام في الحرب في شمال مالي». وكانت الحركة قد سيطرت على غاو، كبرى مدن شمال مالي، لعدة أشهر قبل أن تخرج بعد التدخل الفرنسي لتشن سلسلة هجمات كانت كلها في إقليم أزواد (شمال مالي).

ويعتبر هذا أول هجوم تشنه حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، خارج الحدود المالية، بينما هو ثاني هجوم تشنه الجماعات الإسلامية المسلحة خارج مالي، حيث يعيد إلى الأذهان عملية عين أميناس، التي استهدفت محطة للغاز شرق الجزائر أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، وهو الهجوم الذي تبنته كتيبة «الموقعون بالدماء» التي يقودها مختار بلمختار، الملقب بـ«بلعوار».

ويرى المراقبون أن هجوم الأمس له رمزية مهمة، حيث استهدف إضافة إلى ثكنة عسكرية نيجرية موقعا تابعا لفرع «سومير» من مجموعة «آريفا» الفرنسية، وهو عبارة عن منجم مكشوف يبلغ عمقه ما بين خمسين وسبعين مترا، يستخرج منه اليورانيوم انطلاقا من حقل يبعد سبعة كيلومترات شمال غربي مدينة آرليت.

وفي أول تعليق لها، نددت الحكومة الفرنسية بالهجومين، حيث قال الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية، فيليب لاليو، إن «فرنسا تدين بأشد الحزم الهجومين اللذين استهدفا (صباح أمس) الجيش النيجري في أغاديز، وموقعا منجميا تستثمره مجموعة فرنسية في آرليت»، معبرا عن تعازيه «لعائلات الأشخاص الذين قتلوا». وأضاف الناطق باسم الخارجية الفرنسية أن لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي، أكد لنظيره النيجري استعداد بلاده «للتعاون الكامل» مع السلطات النيجيرية، من أجل «مكافحة المجموعات الإرهابية»، داعيا في السياق نفسه «الفرنسيين الموجودين في النيجر إلى اتباع نصائح الحذر التي وجهت إليهم».

ويتزامن استهداف المصالح الفرنسية في شمال النيجر مع قرار الخارجية الفرنسية بوضع برنامج لتعزيز أمن دبلوماسييها وسفاراتها في أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال رصد مبلغ 20 مليون يورو (25 مليون دولار). ويأتي هذا البرنامج بعد أن رفعت باريس مستوى الإنذار في بعثاتها الدبلوماسية في عدد من البلدان بأفريقيا والشرق الأوسط، وذلك بعد ارتفاع مستوى التهديد نتيجة لتدخل قواتها في شمال مالي وخوضها حربا مفتوحة مع جماعات إسلامية مسلحة على رأسها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.