وزير الخارجية البريطاني: كلما طال النزاع السوري سيزداد تطرفا

هيغ أكد لـ «الشرق الأوسط» أن أعين العالم ستكون على إيران بعد الانتخابات

TT

قام وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ بجولة في منطقة الشرق الأوسط هذا الأسبوع ركزت على قضيتين أساسيتين هما النزاع السوري والنزاع العربي - الإسرائيلي. وشارك هيغ في اجتماع دول الـ11 الوزاري حول سوريا قبل التوجه إلى الأراضي الفلسطينية وإسرائيل لبحث فرص إحياء السلام. والتقت «الشرق الأوسط» بهيغ في منزل السفير البريطاني لدى الأردن بيتر ميليت، حيث أجرت معه حوارا حول فرص نجاح اجتماع «جنيف 2» المرتقب عقده الشهر المقبل ليجمع بين ممثلين عن النظام السوري والمعارضة من أجل التوصل إلى حل سلمي للنزاع السوري. وبينما يشدد هيغ على ضرورة عقد المؤتمر في أسرع وقت ممكن، يبدو حذرا من إبداء تفاؤل من فرص نجاحه. وبعد جولته في المنطقة، يتجه هيغ إلى لكسمبورغ لحضور اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل لبحث حظر السلاح المفروض على سوريا، والذي تدفع بريطانيا وفرنسا إلى تعديله من أجل إمكانية السماح لإرسال معدات وأسلحة للمعارضة السورية. وفيما يلي نص الحوار:

* لنبدأ بالحديث عن اجتماع «جنيف 2» المرتقب عقده حول سوريا، لقد أوضحت في السابق أنه من الضروري تشكيل حكومة انتقالية بناء على توافق متبادل بين الحكومة السورية والمعارضة ولكن هناك خلافات شاسعة وفجوة كبيرة، كيف يمكن سدها في فترة وجيزة؟

- الأمر الوحيد الذي يمكن أن يجسر الهوة بين الطرفين هي عزيمة حقيقية لإنهاء هذا القتل الشنيع والانهيار التدريجي في سوريا. من مصلحة كل السوريين، ومنطقة الشرق الأوسط كلها، أن ينتهي هذا. بالطبع، التوصل إلى طريق إلى الأمام في أي وقت سيتطلب بعض التنازلات وسيتطلب من أناس لا توجد أي ثقة بينهم أن يجلسون سويا. وسيتوجب حدوث ذلك يوما ما على كل حال، ففي النهاية إذا كانت سوريا ستعمل كدولة واحدة مرة ثانية يجب أن يجلس الطرفان سويا. وكلما اقترب حصول ذلك كان أفضل، لأنه كلما طال هذا الصراع، يصبح متطرفا أكثر من حيث نمو المجموعات المتطرفة ومن حيث بعض القضايا التي تحدث هناك، كما تصبح أكثر طائفية. والسماح لها بأن تطول يجعل الأمور تزداد سوء للجميع. وأعتقد أن علينا أن نكون واضحين بالتعبير عن عدم إمكانية وجود انتصار عسكري كلي لأي طرف ببقاء سوريا كدولة (موحدة). هناك إمكانية خلق حكومة انتقالية بناء على ما اتفقنا عليه في اجتماع جنيف الأول.

* تقولون لا يوجد انتصار عسكري لطرف واحد في الصراع السوري يمكن من خلاله أن تبقى سوريا كما نعرفها اليوم، ولكن مع ذلك، هناك من يقول يجب تسليح المعارضة كي تكون أقوى على الأرض لفرض النظام السوري بقبول واقع عدم إمكانية التوصل إلى حل عسكري للنزاع، ولكن هناك من يقول إرسال المزيد من السلاح إلى سوريا سيؤدي فقط إلى المزيد من القتل وسيدفع المعارضة على رفض الحوار ومواصلة القتال. فكيف تحل هذه العقدة؟

- هذه حيرة «كلاسيكية» في السياسة الخارجية وهي أيضا حيرة أخلاقية. حتى الآن، في كل النزاعات والثورات في السنوات الماضية في الشرق الأوسط، لم نرسل، لا المملكة المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي، سلاحا إلى أي طرف، حتى في ليبيا حيث كانت قواتنا لها علاقة مباشرة، لم نرسل سلاحا إلى أي طرف. فنحن نعي بأن هذه ستكون خطوة كبيرة نتخذها ولم نتخذ القرار بعد ولكن نرى الأسباب وراء مطالبة البعض بها ونرى بأنه مع عدم وجود أي خيار آخر قد يصبح ذلك ضروريا، وأن الأمور تتجه بوتيرة سريعة إلى الأسوأ، ولذلك نريد أن نعدل حظر السلاح المفروض من الاتحاد الأوروبي (على سوريا) ليس لاتخاذ قرار فوري لإرسال السلاح بل ليكون الخيار متاحا إذا اعتبرنا أنها الطريقة الوحيدة لإنقاذ الأرواح وللإثبات إلى النظام بأنهم في حاجة لحل سياسي. لم نتخذ القرار بعد وبالطبع سنفكر بجدية قبل ذلك، وإذا قررنا ذلك سنريد العمل مع دول أخرى وبظروف مسيطر عليها. في غياب ذلك في الوقت الراهن، نحن نزيد بشكل كبير المساعدات العملية التي نعطيها للمعارضة من حيث السيارات والدروع وأجهزة تطهير المياه ومعدات إنقاذ الأرواح (مثل المساعدات الطبية). فنحن نقوم بما نقدر به لإنقاذ الأرواح قبل أي شيء آخر.

* بالطبع هذا قرار مرتبط باجتماع الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ يوم الاثنين الماضي. ولكن هل هذا أمر يجب التفكير به بعد اجتماع جنيف أم بمعزل عنه. هل يجب التركيز على الحل السياسي كليا في الوقت الراهن من أجل تعظيم فرص نجاحه؟

- أعتقد التفكير بهذا الخيار (التسليح)، وإظهار أننا نفكر به، أمر يدعم الحل السياسي. أعتقد أن الأمرين متعلقان ببعض، إذ إن على الجميع أن يعلم بأن أمامنا هذا الخيار بالإضافة إلى العمل الدبلوماسي. ولكن إذا عقد مؤتمر جنيف قريبا، ولقد قلت إني أفضل عقده قريبا ومن المؤكد خلال الأسابيع المقبلة، فإذن علينا النظر إلى أي تقدم يحرز هناك قبل اتخاذ أي قرار حول التسليح. وبالطبع، الأسلحة جزء واحد من القضية، هناك وسائل أخرى كثيرة، لمساعدة الائتلاف السوري المعارض ومنع مقتل هذه الأعداد الهائلة من الناس.

* هناك مخاوف مثل ما قلت من المتطرفين. هناك من جهة جبهة النصرة والتي تعتبرها الولايات المتحدة مجموعة إرهابية ولكن بريطانيا والاتحاد الأوروبي لم يفعلا ذلك، وهناك حزب الله وتورطهما في سوريا وهناك من يطالب بوضع حزب الله على لائحة الإرهاب. هل ترى منفعة من عزل المجموعتين واعتبارهما وغيرهما «مجموعات إرهابية» ومنع دور سياسي لأطراف مثل جبهة النصرة؟

- هناك بالتأكيد فائدة من توضيح رفضنا، والائتلاف السوري المعارض يرفض بحسب ما وقعوا عليه في إسطنبول الشهر الماضي، المجموعات المتطرفة. ونعم نرى الآن في سوريا تزايد تورط المتطرفين. وبالطبع فيما يخص حزب الله وإيران والمشاركة المتصاعدة للمقاتلين الأجانب بشكل منتظم، يصبح نظام الأسد بشكل متزايد نظام دمية تديره قوى أجنبية بدلا من أن يكون الجيش السوري الوطني هو من يدعمه كليا. وهذا أمر غير صحي للاستقرار الإقليمي. لذا، فيما يخص سؤالك حول وضع (المجموعات المتطرفة) على لائحة الإرهاب، نحن نقول بأي حل، الشق العسكري من حزب الله يجب أن يضعه الاتحاد الأوروبي على لائحة الإرهاب، وفيما يخص مجموعات أخرى مثل جبهة النصرة، هذا أمر يتم تداوله في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وسنعمل مع شركائنا هناك حول الطريقة الأفضل للتعامل مع هذه القضية.

* فيما يخص دور العراق في سوريا، لفترة تم التركيز على مساعدة العراق للنظام، ولكن الآن التركيز على التدهور الأمني في العراق وتبعات ما يحدث في سوريا على العراق. هل تتواصلون مع الساسة العراقيين على هذه التطورات وكيف يمكن صد تفاعل الأزمة السورية إلى أزمة إقليمية تجر العراق ولبنان وغيرها من دول؟

- نحن قلقون بالفعل من ذلك، الوضع في سوريا لا يساعد الوضع الداخلي في العراق وهذا أمر مؤكد ويزيد من زعزعة الاستقرار. ومن الممكن أن يزيد من زعزعة استقرار لبنان وهي مشكلة متنامية بالنسبة إلى الأردن وغير ذلك. ولا توجد إلا إجابة واحدة لهذه المشكلات وهي التعامل مع مصدر المشكلة وهذا ما نحاول فعله مع عملية جنيف وعلينا أن نعالج الأزمة السورية والتي تهدد زعزعة استقرار المنطقة. نحن نعمل مع دول أخرى لمساعدتهم خلال هذه الأزمة، فالمملكة المتحدة من أكثر الدول المانحة، قدمنا حتى الآن أكثر من 250 مليون دولار من المساعدات الإنسانية للاجئين، ولكننا أيضا نعطي مساعدات أخرى، فنحن سنعطي معدات عسكرية للقوات الأردنية المسلحة التي ستساعدهم على نقل اللاجئين إلى مخيمات عبر الحدود ونساعد القوات اللبنانية بمساعدات مالية مباشرة لعمليات مثل مراقبة الحدود. فنحن نساعد الدول المجاورة بقدر ما نستطيع. وبالطبع نريد أن نرى قادة عراقيين ينجحون في الابتعاد عن الطائفية وأن نرى بلدهم الديمقراطي يعمل بشكل جيد ديمقراطيا.

* هناك تركيز على دفع جهود السلام وإمكانية حل الصراع العربي - الإسرائيلي في المرحلة الحالية خاصة مع الزخم الذي أعطاه وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال الأسابيع الماضية. ولكن مع كل الأزمات في المنطقة، ومع المواقف الإسرائيلية الحالية وعدم التوصل إلى المصالحة الفلسطينية، هل من الواقعي توقع تقدم في هذا الملف في الوقت الراهن؟

- مرة أخرى، أقول علينا أن نحاول وأن نحاول جاهدين لأن الوقت يتضاءل من حيث التوصل إلى حل الدولتين. الواقع على الأرض يتغير مع توسيع المستوطنات (الإسرائيلية)، وهناك ضرورة ملحة لهذه القضية والمستقبل يبدو غائما جدا في حال لا نحرز أي تقدم في استئناف المفاوضات. وأعتقد أن لدينا هنا وزير خارجية أميركي جون كيري جعل هذه القضية من أهم أولوياته، وهذا أمر صحيح وشجعناه عليه كثيرا. لدينا رئيس أميركي (باراك أوباما) يدعمه في ذلك. وهذه اللحظة لن تتكرر بسهولة. ولذلك من الممكن أن تكون من اللحظات الأخيرة، لا أريد أن أقول اللحظة الأخيرة لأن في عالم الدبلوماسية لا نقول هذه الفرصة الأخيرة لأي أمر لأننا سنحاول دائما، ولكننا نقترب من الفرص الأخيرة هنا للتوصل إلى حل الدولتين ولذلك الأمر ضروري. وفي الواقع، زيادة عدم الاستقرار في المنطقة سبب إضافي لدفع عملية السلام، لأن بعض هذا الانعدام في الاستقرار قد يبقى معنا لفترة طويلة ولذلك من مصلحة الإسرائيليين والفلسطينيين أن يخلقوا بعض الاستقرار بينهم في منطقة مضطربة.

* لننتقل إلى إيران، أجريت محادثات عدة بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا وإيران ولكن من دون تقدم ملموس. والآن الإيرانيون يستعدون للانتخابات الرئاسية، فهل تتوقعون أن تؤثر نتيجة الانتخابات على سير المفاوضات؟

- الانتخابات ليست بعيدة الآن، فقط 3 أسابيع تبقت. في الأسابيع والأشهر التي تلي الانتخابات، ستكون أعين العالم على إيران بشكل خاص لنرى إذا بعد الانتخابات الرئاسية سيكونون مستعدين لمفاوضات جدية. في المحادثات الأخيرة، كانت الأجواء أفضل من السابق ولكن المحادثات كانت محبطة من حيث الفحوى، فالإيرانيون برأينا وبرأي كل الدول الأخرى المشاركة لم يكونوا واقعيين في تعاملهم مع المفاوضات. فسيكون هذا سؤالا كبيرا بعد الانتخابات، هل سيتغير ذلك بأية طريقة وأعتقد أنه خلال العام المقبل سيقرر العالم إذا كانت إيران جادة في المفاوضات أم لا؟. وهناك بعض الوقت ولكن ليس كثيرا منه، فهذه قضية ملحة ككل التي تحدثنا عنها.

* قلت عاما، هل هذا موعد محدد؟

- لا، لا أريد وضع جداول زمنية ولكن في الأسابيع والأشهر ما بعد الانتخابات، كثير منا سيعتبر الأمر امتحانا حقيقيا حول إذا ما كانت إيران جادة في التفاوض أم لا؟.