الاستخبارات المركزية الأميركية تشهد تحولا صعبا بتركيزها على التجسس

انتقادات لمحللي «سي آي إيه» لما يرونه فشلا في مواكبة تطورات ثورات الربيع العربي

TT

لأكثر من 7 سنوات، ظل مايك الموظف النحيل في مقر الاستخبارات المركزية الأميركية في فيرجينيا الذي يدخن بشراهة، يدير حملة الاستخبارات الخاصة بالعمليات التي تتم بطائرات مقاتلة تعمل من دون طيار. وبصفته مديرا لمركز مكافحة الإرهاب بالاستخبارات المركزية، بات لمايك تأثير هائل في مئات القرارات الخاصة بمن يعيش ومن يموت في أراضٍ بعيدة.

ومع ذلك، طبقا للخطة الجديدة التي وضعتها إدارة أوباما، يوم الخميس، لن يستمر مركز مكافحة الإرهاب مع الوقت مركزا لعمليات القتل الأميركية التي تقوم على الاستهداف في باكستان واليمن والأماكن الأخرى التي ربما يختارها الرؤساء لتكون ساحة قتال في المستقبل. لقد تجاهل جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات الأميركية، بالفعل مايك، وهو مسؤول متخفٍّ لم يتم الإفصاح عن اسمه، عند اختيار مدير إدارة سرية في الاستخبارات. ويعد هذا مؤشرا على محاولة برينان تحويل تركيز الاستخبارات المركزية نحو العودة إلى عمليات التجسس والتحليل الاستراتيجي، لكن ليست هذه بالمهمة السهلة.

ولا يوجد جهاز شهد تغيرات خلال السنوات التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر أكثر من الاستخبارات المركزية، ولا يمكن لجهاز أن يتأثر بالتوجه الجديد للحروب السرية، الذي أرساه مسؤولون أميركيون، أكثر منه. وبدأ أكثر من نصف عملاء بالاستخبارات المركزية العمل به بعد عام 2001، وقضى الكثير منهم سنوات في العمل بملاحقة المطلوبين والقتل فقط.

ويعتقد بعض المسؤولين الأميركيين والخبراء أن الجهاز قد يحتاج سنوات لاستعادة توازنه بعد تحوله إلى جهاز شبه عسكري. وقال مارك لوينثال مسؤول أميركي بارز سابق في الاستخبارات المركزية: «هناك قضية ثقافية وقضية أجيال ضخمة على المحك هنا. لم يعمل كثير ممن تم توظيفهم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلا في المهام المرحلية على مدى الاثني عشر عاما. ومنطقيا من الصعب نقلهم من المهام المرحلية إلى الاستراتيجية». ولن تتمكن الاستخبارات المركزية من التوقف عن العمل في القتل قريبا. وعلى الرغم من أن أوباما لم يذكر برنامج الطائرات التي تعمل من دون طيار في الاستخبارات المركزية بالاسم خلال خطابه، قال إن الولايات المتحدة سوف تستمر في تنفيذ الهجمات على ساحة القتال في أفغانستان، التي يفكر مسؤولون أميركيون في ضم باكستان لها منذ فترة طويلة.

الجدير بالذكر أن الاستخبارات المركزية نفذت مئات العمليات بالطائرات التي تعمل من دون طيار في باكستان. وأشار أوباما إلى احتمال استمرار هذه العمليات لمدة عام ونصف العام، حتى نهاية عام 2014، وهو الموعد المقرر لانسحاب أكثر القوات الأميركية من أفغانستان. وقال مسؤولو إدارة أوباما خلال الأسبوع الحالي إنه سيتم تحويل بعض العمليات، التي تتم بطائرات من دون طيار، إلى البنتاغون، خاصة في اليمن، الذي تدير فيه قيادة العمليات الخاصة المشتركة التابعة لوزارة الدفاع برنامجا موازيا خاص بالطائرات التي تعمل من دون طيار.

وقالوا إن «الأفضلية» في المستقبل ستكون لتكليف وزارة الدفاع بإدارة هذه العمليات لا لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. وفي الوقت الذي سيستمر فيه العاملون في الاستخبارات المركزية والمحللون في المشاركة في أي عملية تتم بطائرات تعمل من دون طيار تديرها وزارة الدفاع، يعتزم البيت الأبيض إيكال مهمة إدارة كل العمليات التي تتم بطائرات تعمل من دون طيار لوزارة الدفاع في أقل من عامين.

وقال مسؤولون أميركيون إن من أكبر التحديات التي تواجهها الاستخبارات المركزية الأميركية هي تحويل عدد كبير من العاملين الذين قضوا أكثر من عقد في محاولة القبض على الإرهابيين في مناطق القتال، وتعليمهم مهارات جديدة تمكّنهم من التجسس في دول مثل روسيا والصين وأهداف صعبة أخرى، وفي بيئات من الصعب اختراق الحكومات فيها، ويخضع فيها كثير من عملاء الاستخبارات المركزية إلى المراقبة المستمرة.

وربما يعد التجسس على شوارع موسكو أقل خطرا من العمل في كراتشي بباكستان أو صنعاء باليمن، لكن تحتاج محاولة تجنيد مصادر روسية والتفوق على العاملين في الاستخبارات الروسية دهاء ومهارة لم يتدرب عليها الجواسيس في العراق وأفغانستان. وفي موقف محرج الأسبوع الماضي، اعتقل الروس شاب في موسكو قالوا إنه عميل بالاستخبارات المركزية يحاول تجنيد مسؤول روسي من أجل التجسس لصالح الولايات المتحدة. ويظهر راين فوغل في مقطع مصور وهو يرتدي شعرا مستعارا أشقر أشعث وفوقه قبعة بيسبول. ويكشف المقطع مجموعة من الأشياء التي يقال إنه كان يحملها من ضمنها بوصلة وخريطة لشوارع موسكو وشعر مستعار آخر. وظل التلفزيون الروسي يعرض الصور التي تظهر محاولة التجسس الأميركية غير البارعة.

إضافة إلى حملة الطائرات التي تعمل من دون طيار، شيدت الاستخبارات المركزية الأميركية خلال العقد الماضي محطات كبيرة في كابل وبغداد، وعمل بها مئات العملاء السريين من الشباب، وتعد هذه المرة الأولى لكثير منهم في الخارج. وكثيرا ما تتناقض الطريقة التي يعمل بها عملاء الاستخبارات المركزية في مناطق الحروب، الذين يقضون أغلب وقتهم وراء جدران خراسانية ويجوبون المدن داخل عربات مدرعة، مع النهج المتبع في المناطق التي لا يوجد بها قتال، حيث يحتاج الجواسيس الاندماج مع السكان المحليين.

كذلك يواجه برينان، الذي قضى عقودا في الاستخبارات المركزية كمحلل استخباراتي، تحديا كبيرا متمثلا في توسيع نطاق العمل التحليلي في وكالة الاستخبارات المركزية، التي انغمست في مكافحة الإرهاب منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وقال المدير السابق للاستخبارات المركزية، مايكل هايدن: «كثير من الأشياء التي يفوت تحليلها حاليا تتجه إلى عمليات على الاستهداف. يجب أن يحدث تحول في التركيز». ومع انتشار الثورات في دول العالم العربي عام 2011، وجه مسؤولو البيت الأبيض انتقادات لمحللي الاستخبارات المركزية لما يرونه فشلا في مواكبة تطورات الثورات المستمرة. وخلال جلسة استماع بداية العام الحالي، أشار برينان ضمنا إلى هذا الانتقاد.

وأوضح في رد مكتوب على الأسئلة التي طرحتها لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ: «مع استثمار مليارات الدولارات في الاستخبارات المركزية، خلال العقد الماضي، ينبغي أن يكون سقف توقعات واضعي السياسات الخاصة بقدرة الاستخبارات المركزية على توقع أحداث جيوسياسية مهمة مرتفع». وأضاف: «مع ذلك تشير الأحداث الأخيرة في العالم العربي إلى أن الاستخبارات المركزية بحاجة لتحسين وتطوير قدراتها وأدائها». وعلى الرغم من أن أوباما أوضح يوم الخميس أن حروب الظل الأميركية ستستمر، من الواضح أن البيت الأبيض يأمل في تراجع دور الاستخبارات المركزية على جبهات القتال في تلك الحروب، وفي قدرة الاستخبارات على التطور في إطار محاولة الإدارة تحويل توجه سياستها الخارجية نحو مناطق أخرى من العالم غير الشرق الأوسط وكذلك بعيدا عن مكافحة الإرهاب. وكما يقول لوينثال، المسؤول السابق في الاستخبارات المركزية: «لن تسمح الصين بتحليق طائراتنا التي تعمل من دون طيار فوق أراضيها».