قلق أميركي من تدهور الوضع الأمني وانسداد الأفق السياسي في العراق

بايدن يبحث التطورات في اتصالات هاتفية مع المالكي وبارزاني والنجيفي

TT

عاد جو بايدن نائب الرئيس الأميركي إلى الواجهة، لكن في العراق هذه المرة، بوصفه مسؤولا عن الملف العراقي داخل الإدارة الأميركية. سخونة الأحداث في العراق منذ شهور لا تتناسب مع «برودة» الملف العراقي في أدراج بايدن، الذي تكال له الاتهامات في العراق من قبل معارضي الأقاليم بوصفه «عراب التقسيم»، من خلال الخطة التي اقترحها حين كان سيناتورا بتقسيم العراق إلى 3 دويلات كردية وشيعية وسنية، مع بقاء بغداد عاصمة فيدرالية ومصرفا لتوزيع الثروات. وبينما توجه سهام النقد إلى بايدن من قبل معارضي الأقاليم فإن مؤيديها، وقد تكاثروا الآن، بعد أزمة المظاهرات في المحافظات الغربية من العراق، لا يقول أحدهم إنه يؤيد إقامة الأقاليم بناء على دعوة بايدن، بل لأنها دستورية.

بايدن الذي بدأت الأوضاع في العراق، بما فيها المتعلقة بالأقاليم، تقلقه، أجرى أخيرا سلسلة من الاتصالات الهاتفية مع القادة العراقيين، وهم رئيس البرلمان أسامة النجيفي، ورئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، وتوجها باتصال هاتفي مع رئيس الوزراء نوري المالكي. وطبقا للبيان الصادر عن البيت الأبيض بشأن اتصال بايدن مع المالكي، فإن نائب الرئيس الأميركي أعرب عن «قلق الولايات المتحدة حول الوضع الأمني في العراق، وأيد تقديم الولايات المتحدة للدعم المتواصل للعراق في حربه ضد الإرهاب».

وأضاف البيان أن بايدن والمالكي «أعربا عن تعهدهما المتواصل بتعميق الشراكة العراقية - الأميركية الاستراتيجية المحددة ضمن إطار الاتفاقية الاستراتيجية»، لافتا إلى أن «بايدن تحدث أيضا مع المالكي عن أهمية التواصل مع القادة الآخرين في الطيف السياسي».

من جهته، أكد علي الموسوي المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «واشنطن حريصة على إدامة الصلة مع المسؤولين والقادة السياسيين في البلاد، ومع الحكومة العراقية، حيث هناك اتفاقية إطار استراتيجي بين الطرفين، وهي تنظم العلاقة المستقبلية».

وأضاف الموسوي أن «الوضع في العراق، لا سيما على صعيد ما حصل من تفجيرات إرهابية خلال الفترة الأخيرة، يؤكد حرص الإدارة الأميركية على التواصل، وتأكيد دعمها للحكومة العراقية في مجال محاربة الإرهاب، لأن الطرفين شريكان أساسيان في هذا الجانب»، مشيرا إلى أن «ظروف المنطقة، خاصة ما يجري في سوريا، ودعم الولايات المتحدة الأميركية للرؤية العراقية للحل في هذا البلد تتطلب تواصلا أكبر بين الإدارتين بهدف التشاور لإيجاد حل يرضي كل الأطراف». وأوضح الموسوي أن «واشنطن تؤيد الحراك السياسي العراقي، من خلال دعم لغة الحوار بين الجميع من أجل حل الأزمة الراهنة».

وفي السياق نفسه، أكدت عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي صفية السهيل لـ«الشرق الأوسط» أن «الولايات المتحدة الأميركية، وبعد خروجها من العراق، أبلغت الأطراف العراقية أنها خرجت عسكريا من العراق، لكنها باقية سياسيا بوصفها شريكة أساسية منذ بدء عملية التغيير عام 2003». وأضافت أن «الولايات المتحدة تأخرت على صعيد هذه الأزمة، لأنهم يعرفون جيدا مشكلات العراق وأزماته، وهم الأقدر من غيرهم على التعامل معها، ولهم صلات واتصالات؛ سواء كانت معلنة أم غير معلنة، ولذلك فإنها تدرك أن انفلات الأوضاع في العراق سوف يكون خارج قدرة أي طرف على السيطرة عليه، لا سيما على صعيد الفتنة الطائفية». ومضت قائلة: «إننا نأخذ على الأميركيين أنهم لم يكونوا طرفا فاعلا على صعيد تأسيس عراق ديمقراطي منذ البداية، ولكنهم تركونا عند منتصف الطريق، في وقت نعاني مشكلات وتحديات خطيرة».

ويؤرق تدهور الوضع الأمني في العراق إدارة الرئيس باراك أوباما. ويقول مسؤولون أميركيون ومحللون إن عوامل التوترات العرقية المستمرة التي تؤججها الحرب في سوريا تضافرت لتتصاعد أعمال العنف لأعلى مستوى، منذ أن سحب أوباما آخر جندي من القوات الأميركية في العراق في ديسمبر (كانون الأول) 2011.

وألقت الحرب الأهلية في سوريا بظلالها على الوضع المتدهور في العراق، الذي قاد لما وصفه مسؤولون أميركيون بجهود مكثفة وسرية في معظمها لكبح أعمال العنف ودفع الأطراف العراقية لاستئناف المفاوضات السياسية.

وتهدف الدبلوماسية الأميركية في جانب منها إلى إقناع المالكي وقوات الأمن بعدم المبالغة في رد الفعل تجاه أي تجاوزات. ويتهم معارضون المالكي بأنه يسعى لتنفيذ أجندة طائفية تهدف لتهميش الأقليات وتوطيد أركان الحكم الشيعي. واندلعت شرارة أحدث أعمال عنف في أواخر أبريل (نيسان) في ساحة احتجاج في الحويجة قرب مدينة كركوك المتنازع عليها، حيث قتل أكثر من 40 شخصا في اشتباكات بين مسلحين وقوات الأمن العراقية. ونقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول أميركي أن إدارة أوباما تعاونت بشكل وثيق مع الجانب العراقي عقب اشتباكات الحويجة للحيلولة دون مزيد من التصعيد بعد أن طوقت القوات العراقية مسلحين سيطروا على بلدة قريبة. وحثت واشنطن القوات العراقية على عدم الإفراط في استخدام قوة النيران، وتمت تسوية الأمر بالاتفاق مع زعماء العشائر.

وقال المسؤول الذي طلب ألا ينشر اسمه «لا أريد المبالغة في تصوير نفوذنا، ولكن هذا ما نفعله خلف الكواليس. حين تكون هناك أزمة حقيقية يهرعون جميعا إلينا.. نحن الطرف المحايد».

ويقول آخرون إن النفوذ الأميركي ينحسر، وإن التراجع بدأ حتى أثناء وجود القوات الأميركية هناك. وصرح وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري لمحطة «سي إن إن» التلفزيونية: «فقدنا جهود وسيط نزيه.. كانت الولايات المتحدة (هذا الوسيط) في وقت سابق».

وجددت الانتكاسات في العراق انتقادات المعارضين لقرار أوباما سحب القوات الأمريكية من البلاد، وعدم ترك قوة هناك. وقال البيت الأبيض إنه عجز عن إبرام اتفاق سياسي مع السنة والشيعة والأكراد بشأن قانون يسمح باستمرار وجود قوات أميركية هناك. وفي جلسة لمجلس الشيوخ الشهر الماضي، سأل السيناتور جون مكين الذي كان يعارض سحب القوات ديريك تشوليت مساعد وزير الدفاع عما آلت إليه الأوضاع في العراق، مقتبسا مقولة أوباما: «إن مد الحرب ينحسر». وأجاب تشوليت: «أعتقد أن العراق صار أكثر استقرارا مما كان يعتقد البعض قبل عدة سنوات»، فقال مكين: «حقا.. هل تعتقد ذلك حقا؟».. وحين رد تشوليت بالإيجاب، هاجمه السيناتور قائلا: «إذن أنت غير مطلع على الوضع».