«الدستورية» المصرية تمنح الجيش والشرطة حق الاقتراع لأول مرة منذ 20 عاما

مخاوف من تسييس المؤسسات النظامية

TT

تسبب إقرار المحكمة الدستورية العليا بمصر لحق قوات الجيش والشرطة في التصويت في الانتخابات، لأول مرة منذ نحو 20 عاما، في حالة من الارتباك سادت المشهد السياسي في البلاد. وبينما هاجمت أحزاب إسلامية القرار قائلة إنه يدفع بالمؤسستين النظاميتين إلى «أتون الصراع السياسي»، اتفقت قوى حزبية مدنية على أن التصويت حق أصيل للمؤسستين، لكنها تحفظت على إمكانية تحقيق هذا الأمر عمليا بما يوافق الدستور والقانون، بينما قال العقيد أحمد علي المتحدث الرسمي للقوات المسلحة لـ«الشرق الأوسط» إن «القوات المسلحة تنأى بنفسها عن أي جدل دستوري وقانوني.. لكنها كمؤسسة لديها جهوزية كاملة لتنفيذ ما يطلب منها».

ومنذ صدور دستور عام 1923 يملك أفراد القوات المسلحة والشرطة حق التصويت في الانتخابات، وهو ما ظل قائما عقب ثورة 1952 في ظل تنظيم «الاتحاد الاشتراكي»، وألغي هذا الحق في تسعينات القرن الماضي بحكم من محكمة القضاء الإداري.

وقال العقيد علي إن «القوات المسلحة تنأى بنفسها عن أي جدل قانوني أو سياسي»، وفي تعليقه على جهوزية الجيش إذا ما تم إقرار حق التصويت أضاف: «الجيش المصري لا يعرف مستحيلا.. إذا ما تم إقرار الأمر فلدينا الجهوزية الكاملة على إيجاد الآليات الضرورية لتنفيذه».

لكن قرار «الدستورية» ووجه برفض أحزاب إسلامية موالية لجماعة الإخوان المسلمين التي تمسك بمقاليد السلطة في البلاد. وشنت تلك الأحزاب هجوما حادا على قرار المحكمة الدستورية، واعتبر حزبا «الوسط» و«البناء والتنمية» الإسلاميان، منح القوات المسلحة والشرطة حق التصويت في الانتخابات بمثابة الزج بالمؤسستين إلى أتون الصراع السياسي.

ونأت جماعة الإخوان المسلمين بنفسها عن التعليق على القرار، وقال الدكتور محمود حسين أمين عام الجماعة لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن «جماعة الإخوان لا تتدخل في هذه الأمور»، لكن الدكتور عصام العريان رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، تحفظ على الإجراء قائلا: «لا أفترض وجود مراقبين دوليين وكاميرات تلفزيونية في معسكرات الجيش».

من جهته، قال النائب محمد محيي رئيس الكتلة البرلمانية لحزب «غد الثورة» في مجلس الشورى (الذي يتولى سلطة التشريع في البلاد بموجب الدستور إلى حين انتخاب مجلس للنواب)، إنه «من حيث المبدأ نحن مع كل ما تقره المحكمة الدستورية لأنها أمينة على الدستور المصري، ومن ثم يجب علينا قبول قراراتها.. لكن فيما يتعلق بمنح أفراد الجيش والشرطة حق التصويت في الانتخابات يحتاج الأمر إلى إيضاحات، فهل هو واجب التنفيذ فورا أم أنه يمكن النص في القانون على فترة انتقالية من أجل تطبيق النص».

وأضاف أن «ما نخشاه هو تحزب القوات المسلحة.. خصوصا إذا ما دار النقاش داخل الوحدات حول تأييد حزب ما. تصويت الجيش يوجد في العديد من الدول الديمقراطية لكننا أمام ظرف قد لا يكون ملائما في هذه اللحظة». ولم يستبعد محيي الذهاب إلى استفتاء على تعديل الدستور بما يضمن بقاء المؤسسة العسكرية بعيدة عن معترك السياسة.

من جانبه، قال الدكتور طارق الزمر رئيس المكتب السياسي لحزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، إن «المحكمة الدستورية استطاعت بعبارة صغيرة أن تعبث بهيئة الناخبين وأن تهدد حياد الجيش والشرطة اللازمين لنزاهة وحماية الانتخابات».

ويفرض الدستور الجديد للبلاد على المجلس التشريعي الالتزام بمقتضى قرارات المحكمة الدستورية العليا في القوانين التي تعرض عليها وفق مبدأ الرقابة السابقة، وهو ما يعني عمليا بطلان قانون مباشرة الحقوق السياسية إذا ما صدر مخالفا لرأي المحكمة.

وهيمن الجيش في مصر على الحياة السياسية منذ قيام الضباط الأحرار بالثورة عام 1952، وقدمت المؤسسة العسكرية أول أربعة رؤساء للبلاد. وانتخب المصريون قبل نحو عام الرئيس محمد مرسي كأول رئيس مدني من خارج المؤسسة العسكرية.

من جانبه، قال عبد الغفار شكر رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إن «الأصل أن أفراد القوات المسلحة لهم حق أصيل في التصويت في الانتخابات، وهو ما كان يجري حتى التسعينات». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»: «حدثت أزمة في ذلك الوقت في دائرة بمنطقة إمبابة حين وجد أن أصوات القوات المسلحة في هذه الدائرة ذهبت جميعها إلى مرشح الحكومة، واستطاع المنافس أن يستصدر حكما من القضاء الإداري يمنع أفراد القوات المسلحة والشرطة (من الاقتراع).. واحترم الجميع هذا الحكم حينها».

وأضاف شكر، وهو قيادي في جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة: «هناك مشكلات فنية أمام السماح للقوات المسلحة بالاقتراع، منها السماح بالإشراف القضائي ووجود مندوبين ومراقبين داخل معسكرات الجيش، لأنه إن لم يتم ذلك فستكون الانتخابات حينها باطلة بموجب الدستور والقانون»، مشيرا إلى أن القضاء العسكري يمكنه أن يتولى عملية الإشراف على الانتخابات في معسكرات الجيش.