جهود عربية ودولية أنقذت مخطوطات تمبوكتو

بعد سيطرة الإسلاميين على المدينة لسنة

TT

قالت مصادر أميركية إن جهودا عربية ودولية ساهمت في إنقاذ جزء كبير من الآثار والمخطوطات الإسلامية القديمة في تمبوكتو، بمالي، التي حكمها الإسلاميون لسنة تقريبا، حتى طردتهم قوات فرنسية وأفريقية في بداية هذه السنة. وأشارت المصادر إلى مركز إسلامي في دبي، ومؤسسة «فورد» الخيرية الأميركية، وقالت إنهما ساهما في إنقاذ الآثار.

ونقل مراسل صحيفة «واشنطن بوست» من تمبوكتو مقابلات مع أعضاء في عائلات مالية عريقة ظلت تحتفظ بآلاف من الوثائق عبر قرون، قالوا فيها إن الإسلاميين الجهاديين كانوا يريدون القضاء على الوثائق والآثار بحجة أنها غير إسلامية، أو تعارض تفكيرهم الإسلامي المتطرف.

وقال هؤلاء إن الجهاديين دمروا مقابر رجال الدين الصوفيين، وضربوا النساء لعدم تغطيتهن وجوههن، وجلدوا الرجال الذين كانوا يدخنون، أو يشربون الكحول.

وقال مراسل الصحيفة إن المخطوطات تضم أكثر من 300 ألف صفحة من الموضوعات المتنوعة منها: الشريعة، والطب، والرياضيات، والفلك. وإن هذه المخطوطات تعتبرها مؤسسات غربية ثقافية وإنسانية كنوزا ثقافية وتاريخية مهمة.

وأشار المراسل إلى عملية سرية بدأت بعد أسابيع من سيطرة الجهاديين على تمبوكتو، واستخدمت العملية الحمير، والبغال، والبيوت الآمنة، وأماكن تحت الأرض، لحماية المخطوطات.

ومن الذين تحدثوا إلى المراسل، حسين تراوري، الذي ينتمي إلى عائلة ظلت تحفظ الوثائق لقرون: «كنا نعلم أنه لو عرف الجهاديون عن هذه المخطوطات، كانوا سيحرقونها، وكانوا سيقتلوننا في الحال». وقال عبد القادير حيدرة، الذي كان قدم ما تملكه عائلته من مخطوطات أثرية تعود للقرنين السادس عشر والثامن عشر لمكتبة الكونغرس، إنهم قاموا بمخاطرات وجهود كبيرة من أجل إنقاذ تراثهم، وإن التراث صار عالميا وإنسانيا.

وكان الجهاديون سيطروا على تمبوكتو في أبريل (نيسان) عام 2012، واختاروا معهد أحمد بابا مقرا لهم، وهو مكتبة ومركز بحثي باسم عالم مالي من القرن السابع عشر، وبني في عام 2009 ليحل محل المكتبة القديمة. وقام الجهاديون بطرد الموظفين، وغيروا اسم المعهد إلى «أنصار الدين»، وقرروا التخلص من الوثائق التي لا تناسب تفكيرهم، كما هدموا عددا من مقابر قادة دينيين متصوفين.

وكانت مصادر أميركية قالت إن الصراع في مالي صار يشبه حروب العراق، وأفغانستان، والصومال، وذلك بعد مرور خمسة أشهر على تدخل القوات الفرنسية لطرد الإسلاميين، «من دون الوصول إلى نقطة الحسم»، وإن هدف فرنسا بالقضاء نهائيا على المتشددين هناك ربما لن يتحقق أبدا. وأشارت إلى أنه، رغم طرد المتشددين من تمبوكتو وغيرها من المدن المهمة، زادت الهجمات الانتحارية، وتفجير عبوات ناسفة على أيدي هؤلاء بهدف الانتقام من أعدائهم. وأيضا، زادت شبكات سرية تعمل لصالح المتشددين وتنقل لهم المساعدات من منظمات مشابهة لهم في دول مجاورة. وعلى الأرض كانت الساعة السابعة في ليلة حارة من ليالي شهر أغسطس (آب) عندما كان حسين تراوري يشعر بالقلق والتوتر، وكان وراءه 10 حمير، يحمل كل منها جوالين من الأرز مليئة بمخطوطات قديمة. وكانت الأجولة مغطاة بالبلاستيك لحمايتها من بعض الأمطار الخفيفة. دخل متطرفون إسلاميون تمبوكتو منذ أربعة أشهر وشرعوا في تدمير كل ما يرونه دنسا. لقد دمروا أضرحة أولياء صوفيين، وضربوا نساء لعدم ارتدائهن البرقع وجلدوا رجالا لتدخينهم سجائر أو شرب الخمر. وكانوا بلا شك سيحرقون المخطوطات، المكونة من 300 ألف صفحة وتتناول موضوعات متنوعة تشمل تعاليم الإسلام والقانون والطب والرياضيات والفلك، التي توجد في مكتبات بمختلف أنحاء البلاد. وتتناول الوثائق الإسلام كدين معتدل تاريخيا يحترم العقل، وتعتبرها المؤسسات الغربية كنزا ثقافيا. وتعد هذه أسباب كافية لإتلافها من قبل الجهاديين. مع ذلك، تم الإعداد لعملية سرية خلال أسابيع من سيطرة الجهاديين. وتضمنت العملية حميرا وأماكن آمنة ومهربين لحماية المخطوطات من خلال تهريبها بعيدا عن المدينة. هذه هي قصة إنقاذ تقريبا جميع الوثائق، بحسب ما جاء في مقابلات مع أشخاص تحدثوا بالتفصيل عن أدوارهم للمرة الأولى. من بين هؤلاء، تراوري عامل نظافة يبلغ من العمر 30 عاما.

تضمنت المرحلة الأولى من المهمة وجود تراوري وقافلة الحمير، التي يسوقها، في شوارع المدينة القديمة بتمبوكتو في تلك الليلة. وساعده جده في وضع الأحمال على الحمير، لكنه ظل بعيدا عن المشهد بينما يستعد تراوري وثلاثة رجال آخرين للانطلاق بالمخطوطات. كذلك ساعدتهم الأمطار، حيث غاب الجهاديون عن نقاط التفتيش وفضلوا البقاء في الداخل.

وصلت القافلة إلى منزل آمن، وأعطى تراوري الشحنة إلى تاجر يعمل لدى حيدرا. وخلال الأسبوعين التاليين، قامت الحمير بست رحلات إلى أن تم إبعاد المخطوطات كافة عن المعهد، على حد قول تراوري. وتم وضع الوثائق في صناديق معدنية مخبئة أسفل حمولات في عدة شاحنات. وفي غضون أيام، وصلت المخطوطات إلى باماكو. وخلال الأشهر القليلة التالية، نقل رجال حيدرا باقي المخطوطات من المنازل الآمنة، وتم تحميل بعضها في عربات تجرها الحمير، في حين تم تحميل البعض الآخر في قوارب صغيرة بنهر النيجر ووصلت إلى مكان آمن يمكن نقل المخطوطات منه عبر شاحنات. كانت أكثر الشاحنات تحمل مجموعات من ثلاث إلى خمس، إلى أن وصلت جميعها سالمة إلى باماكو. وظلت عملية النقل مستمرة خلال شهر يناير (كانون الثاني) عندما كانت القوات الفرنسية تحاصر تمبوكتو. وكتب جوزيف غيتاري، الذي يعمل لدى مؤسسة «فورد فاونديشين» بلاغوس، لزملائه بنيويورك في رسالة بالبريد الإلكتروني: «لا تزال العملية مستمرة. إنها لحظة تشبه مغامرات إنديانا جونز، لكنها حقيقية».

في النهاية، تحركت 2.453 شاحنة تحمل 278 ألف صفحة من المخطوطات، كما أوضح حيدرا. وتم حفظ المخطوطات في مكان آمن بباماكو. ولم يتم الكشف عن هذا المكان. لم يستطع حيدرا ومساعدوه أن يفعلوا أي شيء للمخطوطات التي تتكون من 16 ألف صفحة في مركز أحمد بابا الجديد حيث يعيش الجهاديون.