السياسة تهدد دار الأوبرا المصرية للمرة الأولى منذ 144 عاما

إسلاميون دعوا لإلغاء «الباليه» ومحتجون أوقفوا عرض «عايدة»

TT

يبدو أن السياسة أصبحت تهدد دار الأوبرا المصرية لأول مرة منذ إنشائها منذ 144 سنة. وطالب إسلاميون بإلغاء فن الباليه في البلاد، مما تسبب في غضب واحتجاج لفنانين ومثقفين أسفر عن وقف عرض أوبرا «عايدة» وتعليق العمل في الدار، التي يعود تاريخ وجودها في مصر إلى سنة 1869.

واتخذت تيارات إسلامية مواقف متشددة ضد الفن والإبداع والفنانين والمبدعين منذ صعود تلك التيارات إلى السلطة بعد سقوط النظام السابق في عام 2011. وخرجت دعوة إلغاء فن الباليه أولا من أحد النواب السلفيين بالمجلس التشريعي يوم أول من أمس، لكن قيادات إسلامية أخرى بدأت أمس في تعضيد هذه الدعوة معتبرين فن الباليه «حرام شرعا»، و«ينشر الرذيلة والفحش بين الناس». وقام فنانون وعاملون في دار الأوبرا بوقف جميع أنشطة الدار بما في ذلك عروضها الفنية احتجاجا على ما وصفوه بمحاولات «أخونة» الثقافة المصرية. وكان عضو مجلس الشورى (التشريعي) عن حزب النور السلفي، جمال حامد، قد طالب أول من أمس بضرورة إلغاء فن «الباليه»، ووصفه بـ«فن العراة» الذي ينشر الرذيلة والفحش بين الناس. وقال خلال اجتماع لجنة الثقافة واعلام والسياحة بالمجلس أثناء مناقشة الموازنة العامة لدار اوبرا وصندوق مشروعات الدار والمركز الثقافي القومي للعام المالي الجديد، إنه ليس ضد الفنون بشكل عام ولكنه ضد «العري» باسم الفن وتحت شعارات ثقافية.

وتم تعضيد دعوة النائب حامد بالأمس من جانب قيادات إسلامية أخرى. وقال عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، الدكتور يوسف البدري، تعليقا على مطلب النائب السلفي، بأن المطالبة بإلغاء الباليه وغيره من الفنون هي دعوة وطنية «وسنلجأ لها قريبا لأن هذا الرقص حرام»، على حد قوله.

وعرفت مصر فن البالية بمعناه الحديث مع إنشاء «الأوبرا الخديوية» عام 1869، التي تأسست مع احتفالات افتتاح قناة السويس في عهد الخديو إسماعيل. بينما أنشئ المعهد العالي للبالية عام 1958 وهو أحد المعاهد الفنية العليا التابعة لوزارة الثقافة.

وأثارت المطالبة بإلغاء فن البالية حالة من الجدل في أوساط النخب المثقفة في مصر ضد البرلمانين ذوي التوجهات الإسلامية المتشددة بسبب ترتيب أولوياتهم تجاه الفن والفنانين والثقافة والإبداع، في ظل ما تمر به البلاد من أزمات سياسية واقتصادية.

وتشهد دار الأوبرا المصرية حالة من الغضب، على خلفية قرار وزير الثقافة الجديد إنهاء انتداب رئيسة الأوبرا الدكتورة إيناس عبد الدايم من منصبها. واتهم عدد من العاملين في الدار الحكام الجدد بالعمل على «أخونة» المؤسسة التي لعبت دوار كبيرا في الفن والإبداع. ومن المعروف أن دار الأوبرا الأصلية كان مقرها بوسط القاهرة قبل أن تحترق الدار بمسارحها عام 1971. وتم افتتاح الدار في مقرها الجديد على الشريط الغربي للقاهرة عام 1988 بمنحة من دولة اليابان.

وقرر عدد كبير من الفنانين والعاملين في الأوبرا أمس وقف جميع أنشطتها وعروضها الفنية، مطالبين بإقالة وزير الثقافة الدكتور علاء عبد العزيز. ويقول مصدر مقرب من الوزير إن الحكومة تهدف إلى تحسين العمل في دار الأوبرا وخفض النفقات في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.

وخرج بيان عن مثقفين وفنانين مصريين وأعضاء نقابات فنية الليلة قبل الماضية، عبروا فيه عن وقوفهم ضد ما أسموه ذبح الرموز الثقافية وأنهم ضد «أخونة» الثقافة. كما تظاهر عشرات من فناني وإداريي دار الأوبرا. وقال أحد المتظاهرين: «نحن ضد الخطة الممنهجة لتسييس الثقافة والفنون الرفيعة في مصر».

وكانت أولى موجات الغضب في الأوبرا قد بدأت بقيام كثير من العاملين بمطالبة رئيستها بعدم تنفيذ قرار الوزير، وقيامهم بتنظيم مظاهرة احتجاجية مرددين شعارات تندد بحكم جماعة الإخوان المسلمين. ثم إلغاء عرض أوبرا «عايدة» الشهيرة ورفع القائمين عليه لافتات احتجاجية تستنكر محاولات «أخونة» دار الأوبرا.

من جانبها، قالت رئيسة الأوبرا السابقة في تصريحات صحافية أمس، إن صدور قرار الوزير بإنهاء انتدابها جاء بالتزامن مع تصريحات النائب السلفي داخل البرلمان بأن البالية فن «عراة»، لافتة إلى أنها كانت ستتوجه إلى مجلس الشورى لتناقش ميزانية الأوبرا، إلا أن الوزير بقراره منعها من حضور الاجتماع.