الخارجية المصرية تستدعي سفير إثيوبيا وتحذر من المساس بحصتها في مياه النيل

خبراء وسياسيون تحدثوا لـ «الشرق الأوسط» عن أضرار «سد النهضة» والبدائل المتاحة

TT

استدعت وزارة الخارجية المصرية، أمس، السفير الإثيوبي في القاهرة، بسبب قيام أديس أبابا بالبدء بتحويل مجرى «النيل الأزرق»، أحد أهم روافد نهر النيل، من أجل بناء «سد النهضة» الإثيوبي. وقالت الحكومة المصرية إنها «تساند أي مشروع تنموي لدول حوض النيل، طالما لم يتضمن إضرارا بدول المصب مصر والسودان»، مشددة على أن «هناك سيناريوهات جاهزة للتعامل مع كافة النتائج المتوقعة». لكن أديس أبابا نفت على لسان مسؤوليها، أمس، «وجود أي أضرار للسد» على حصة مصر.

وتبلغ حصة مصر من المياه نحو 55.5 مليار متر مكعب سنويا، من تدفق النهر الذي يقدر بنحو 84 مليار متر مكعب سنويا، بموجب اتفاق وقع عام 1929. لكن دول حوض النيل، ومن بينها إثيوبيا، وقعت على اتفاقية جديدة قبل عامين تلغي سلطة النقض (الفيتو) من جانب مصر على مشاريع السدود على النهر، واعترضت كل من مصر والسودان على الاتفاق ولم توقعا عليه.

وقال خبراء مياه وقانون دولي وسياسيون مصريون لـ«الشرق الأوسط» إن الأضرار التي ستلحق ببلادهم جراء بناء السد الإثيوبي قد تكلفها 50 مليار جنيه سنويا على الأقل (نحو 700 مليون دولار)، وطالبوا بضرورة التحرك الفوري عبر «مجلس الأمن» والمنظمات الدولية والدول المانحة للضغط على إثيوبيا من أجل إيجاد بديل مناسب لا يضر بمصالح مصر.

وقدر الدكتور ضياء الدين القوصي، الخبير الدولي في شؤون المياه، الأضرار التي ستلحق بمصر بأنها ستتسبب في نقص حصة مصر من مياه النيل بأكثر من 10 مليارات متر مكعب على الأقل، يتم استخدامها في ري مليوني فدان زراعي، وبالتالي سيتوقف إنتاجها، ومن ثم بطالة 5 ملايين مزارع يعملون بها، يعولون 20 مليون فرد (كل فرد يعول نفسه؛ وثلاثة من أسرته).

وقال القوصي: «البديل الذي سيكون متاحا لتعويض هذا العجز المائي لمصر، هو تحلية مياه البحر»، موضحا أن «تحلية المتر الواحد تتكلف تقريبا 5 جنيهات، مما يعني أن تحلية 10 مليارات متر مكعب من مياه البحر، ستكلف الموازنة العامة المصرية 50 مليار جنيه سنويا».

وشدد القوصي على أن «مصر يجب أن تجبر إثيوبيا على أن تجد هي البديل إذا كانت مصرة على استكمال بناء سدها، وإلا فعليها تدويل الأزمة وتحكيم المنظمات الدولية على الأقل لتعويض مصر، خاصة أن احتياجات مصر من المياه تتزايد سنويا بسبب الزيادات السكانية، حيث تزرع مصر الآن 8 ملايين فدان، ولديها مساحة 240 مليون فدان تحتاج إلى مياه لزراعتها».

وقال الدكتور سيد فليفل، العميد السابق لمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، إن السد الإثيوبي يهدد وجود الدولة المصرية ككل، مشيرا إلى أن الحل المتاح الآن هو «التفاوض مع إثيوبيا لإقناعها بخفض كميات المياه التي سيقوم السد بتخزينها إلى 30 مليار متر مكعب، بدلا من 74 مليارا كما هو مخطط له».

وأضاف فليفل أن مصلحة مصر هو دعم إثيوبيا والتعاون معها بما يحقق مصلحة البلدين، مشيرا إلى أن لدي مصر الكثير من الأوراق التي يمكنها الاستفادة منها وإدارة هذه الأزمة.

وحول إمكانية اللجوء إلى القضاء الدولي للفصل في النزاع، قال الدكتور عبد الله الأشعل، أستاذ القانون الدولي، ومساعد وزير الخارجية الأسبق، إن «لجوء مصر إلى القضاء الدولي يعني موت شعبها عطشا»، موضحا أن «حصتنا من المياه ستنقص بمجرد البدء في تدشين السد وملء خزانه، في حين يأخذ القضاء الدولي سنوات عدة، كما أن إثيوبيا لا تقبل اختصاص محكمة العدل الدولية من الأساس، ولا تعترف بالاتفاقيات التي تستند إليها مصر والتي وقعها نيابة عنها الاحتلال البريطاني، وهو ما سيعوق نظر هذه القضية».

وأكد الأشعل أن «الحل هو تحرك مصر سياسيا على المستوى الدولي عبر عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن والاتحاد الأفريقي، واللجوء للدول المانحة والدول العربية المستثمرة في إثيوبيا للضغط عليها»، مستبعدا «فكرة عمل عسكري مصري تجاه أديس أبابا لاستحالة تنفيذه».

وعلى الصعيد السياسي، استدعت وزارة الخارجية المصرية، أمس، السفير الإثيوبي في القاهرة محمود دردير، للتعبير عن رفض الحكومة للتحركات الإثيوبية في بناء سد النهضة قبل تقرير اللجنة الفنية التي لم تنته بعد من مهمتها وإعداد تقريرها النهائي حول المشروع. والتقى السفير علي الحفني، نائب وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، السفير الإثيوبي، وأكد له إصرار مصر على ضرورة التوقف عن عملية بناء السد قبل التوصل لاتفاق ينهي الخلافات القائمة بين إثيوبيا ودولتي المصب، مصر والسودان.

ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية عن مصدر دبلوماسي قوله: «إن وزارة الخارجية تتابع بشكل دقيق ما تقوم به إثيوبيا من تحركات خلال الفترة الماضية نحو بناء سد النهضة على النيل الأزرق».

وعقدت الحكومة المصرية اجتماعا أمس برئاسة الدكتور هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء، وأكد المجلس خلال اجتماعه، أن «البدء بإجراءات الإنشاء التي تجري منذ فترة لا تعني موافقة مصر على إنشاء سد النهضة، حيث إن مصر في انتظار ما ستسفر عنه أعمال اللجنة الثلاثية»، المشار إليها.

وشدد المجلس على أن «موقف مصر المبدئي هو عدم قبول أي مشروع يؤثر بالسلب على التدفقات المائية الحالية»، مشيرا إلى أن «مصر تساند إقامة أي مشروع تنموي في أي دولة من دول حوض النيل طالما لم يتضمن إضرارا بدول المصب، وأن هناك سيناريوهات جاهزة للتعامل مع كافة النتائج المتوقعة والمبنية على التقرير الفني، وهناك تنسيق كامل مع السودان».

وقال السيد حزين، رئيس لجنة الزراعة والري بمجلس الشورى والنائب عن حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان التي ينتمي إليها الرئيس المصري، إن «هناك مستويات كثيرة من التحركات يجب البدء فيها سواء على المستوى الأفريقي والدولي، أو اللجوء إلى المحكمة الدولية أو حتى إلى الخيار العسكري»، وفقا لما نشره على لسانه موقع حزب الحرية والعدالة.

وتعقد لجنة الأمن القومي بمجلس الشورى المصري اجتماعا طارئا يوم الأحد المقبل لمناقشة أزمة بناء سد النهضة الإثيوبي، بحضور الوزراء المعنيين؛ وهم وزراء الري والزراعة والخارجية والكهرباء وممثل عن المخابرات العامة.

وكانت السلطات الإثيوبية قد بدأت أول من أمس تحويل مجرى نهر النيل الأزرق، أحد الروافد الرئيسة لمياه نهر النيل، من أجل بناء سد النهضة، الذي يتكلف 4.8 مليار دولار، وتطمح إثيوبيا إلى أن يساهم في توليد نحو 6 آلاف ميغاواط من الكهرباء. وكان من المقرر أن تتم هذه الخطوة في سبتمبر (أيلول) المقبل، مما تسبب في حدوث ضجة وغضب وسط السودانيين والمصريين.

وقال ميهريت ديبيبي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الطاقة الكهربائية الإثيوبية، في تصريحات له، إن تحويل مجرى قطاع من النيل الأزرق «سيكون لأمتار قليلة، ثم يترك بعدها النهر ليتدفق في مساره الطبيعي»، مضيفا: «يجري بناء السد في منتصف النهر؛ لذلك لا يمكن تنفيذ أعمال الإنشاء بينما يتدفق النهر».