مشاورات بين كبار القادة المصريين لاحتواء أزمة مياه النيل مع إثيوبيا

تأجيل مفاجئ لتقرير عن آثار «سد النهضة»

صورة لاعمال البناء في سد النهضة إثيوبيا الشهر الماضي (ا.ف.ب)
TT

حذرت مصر أمس من المساس بحصتها المائية من مياه نهر النيل، وسط جدل بشأن مشروعات إثيوبية على منبع النهر وتحويل مجرى النيل الأزرق لبناء سد النهضة في إثيوبيا. وقال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية إن بلاده لن تسمح بالمساس بحصتها المائية أو أي أعمال تنموية تؤثر على الأمن القومي المصري، لكنها فضلت الطرق الدبلوماسية في احتواء أزمتها مع إثيوبيا بسبب مياه نهر النيل.

وقال عصام الحداد، مساعد رئيس الجمهورية للعلاقات الخارجية، إن «توجه السياسة الخارجية المصرية ينصرف لمحاولات التفاهم المستمر مع إثيوبيا»، بينما بدأت الكنيسة المصرية مساعيها لتجاوز الأزمة بين البلدين.

وعقد الرئيس المصري محمد مرسي، أمس، اجتمعا طارئا بمشاركة الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والإنتاج الحربي، واللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، ومحمد كامل عمرو وزير الخارجية، والدكتور محمد بهاء الدين وزير الموارد المائية والري، واللواء رأفت شحاتة مدير جهاز المخابرات العامة، لبحث الأزمة، وقد استمر لأكثر من ساعتين.

وقال المستشار إيهاب فهمي، المتحدث الرسمي للرئاسة، في تصريح مقتضب عقب الاجتماع، إن «الرئاسة لا تسمح بالمساس بحصة مصر المائية، كما لا تسمح بالمزايدة عليها في قضية بهذه الأهمية، إضافة إلى أن مصر لا ترفض أو تعارض أي أعمال تنموية في أفريقيا طالما لن تؤثر على الأمن القومي المصري، وأن الرئيس مرسي حريص على التعاون مع كل الدول الأفريقية في مسألة المياه».

وبدأت إثيوبيا في تحويل مجرى نهر «النيل الأزرق»، أحد الروافد الأساسية لنهر النيل، الثلاثاء الماضي، حتى يتسنى لها إنشاء «سد النهضة» المولد للكهرباء. وقال خبراء إن بناء هذا السد يعني انخفاض حصة مصر من مياه النيل بنحو 10 مليارات متر مكعب سنويا. ويبلغ نصيب مصر من المياه 55.5 مليار متر مكعب.

من جانبه، اعتبر الحداد أن معارضة مصر مشروع سد النهضة تعزز ما سماه «صورة نمطية سلبية لمصر انتشرت بين الشعوب الأفريقية خلال العقود الماضية». وأوضح الحداد في مقال له على موقع «مدونة السياسة الخارجية المصرية»، أمس، أن «هذه الصورة مفادها أن مصر هي أحد أسباب غياب التنمية والتقدم الاقتصادي في البلاد الأفريقية بسبب استحواذها، بغير وجه حق في رأيهم، على الجزء الأكبر من المياه اللازمة لعمليات التنمية كافة».

وقال الحداد إن «توجه السياسة الخارجية المصرية ينصرف لمحاولات التفاهم المستمر مع إثيوبيا حول كيفية إدارة مشروع السد من خلال قضايا فنية كثيرة تشمل المواصفات الهيدروليكية للسد بما فيها معاملات الأمان اللازم توافرها فيه، وخطة الملء والتشغيل المناسبة التي لا تؤدي إلى تضرر المياه المتدفقة، واشتراك الخبراء المصريين في لجنة إدارة وتشغيل السد».

وبدا أن هناك عقبات تواجه تقريرا تعده لجنة ثلاثية من خبراء مصريين وسودانيين وإثيوبيين، وكان يفترض أن يرفع أمس إلى القيادة السياسية في مصر، لكن محمد بهاء الدين، وزير الموارد المائية، قال إن «تقرير اللجنة الثلاثية الدولية المعنية بملف سد النهضة، تم تأجيله بسبب طلب اللجنة وقتا كافيا للدراسة»، موضحا أن مصر تجهز عددا من السيناريوهات التي سيتم التعامل بها في حال وجود أضرار سلبية.

وقال السفير المصري لدى إثيوبيا، محمد إدريس، لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أمس، إنه «التقى كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الإثيوبية بناء على طلبه لنقل الموقف المصري الواضح والثابت في أن المصالح المائية للشعب المصري هي مسألة حياة ووجود، وأن المساس بها هو مساس بالمصالح الوطنية العليا لمصر»، مضيفا أنه أوضح للجانب الإثيوبي «الانزعاج والصدمة اللتين أصابتا الرأي العام في مصر نتيجة خطوة تحويل مسار مجرى نهر النيل».

ومن جهتها، تسعى الكنيسة المصرية إلى حل الأزمة. وقال البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، إن الكنيسة تقوم بدور مساعد، مشيرا إلى أنه سيناقش الأمر مع متياس الأول بطريرك إثيوبيا الذي سيزور القاهرة في شهر يونيو (حزيران) المقبل.

ونفت مصادر كنسية بالقاهرة لـ«الشرق الأوسط» أن تكون الرئاسة قد طلبت تدخل الكنيسة، لكنها أكدت أن البابا تواضروس لن يتأخر في المساعدة. وكشفت المصادر أن البابا عهد بهذا الملف للأنبا بيمن، أسقف «نقادة»، للتواصل مع المسؤولين في الكنيسة المصرية بأديس أبابا، موضحا أن البابا قد ينجح في إحداث انفراجة للأزمة نظرا لما يتمتع به من مكانة وعلاقات طيبة بالمسؤولين في إثيوبيا والكنيسة هناك.

وقال الأب رفيق جريش، المتحدث الإعلامي للكنيسة الكاثوليكية، لـ«الشرق الأوسط»، إن الكنيسة الكاثوليكية ستتحرك لطرح أزمة مصر مع إثيوبيا بشأن بناء سد النهضة الإثيوبي على الكنائس العالمية، لتكوين رأي عام عالمي بهدف الضغط على المجتمع الدولي للتدخل لحل تلك الأزمة.

وتتمتع الكنيستان المصرية والإثيوبية بعلاقات وروابط قوية. وكانتا كنيسة واحدة تتبع بابا الإسكندرية قبل أن تنفصل الكنيسة الإثيوبية عام 1959.

وأرجع الدكتور مصطفى الفقي، الدبلوماسي السابق، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب الأسبق، التحول الدراماتيكي للأحداث، إلى أن «إثيوبيا أدركت أن أفضل توقيت للعمل في هذا السد هو الآن، لشعورهم بأن مصر مشغولة وسط أزماتها الداخلية، إضافة إلى غياب قوة مركزية حاكمة بها تستطيع القيام بالرد عليها، (في إشارة إلى نظام الإخوان المسلمين الحاكم)، مثلما حدث في عهد الرئيسين السابقين (أنور السادات وحسني مبارك)».

وأضاف الفقي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «إثيوبيا درست الخريطة السياسية في مصر جيدا، وتأكدت من أنه لن توجد أي ردود فعل على الإطلاق»، محملا المسؤولية لـ«وزراء الري الذين تولوا المسؤولية في العامين الأخيرين بسبب اعتمادهم إما على التهوين أو التهويل للأزمة دون قراءة صحيحة». وشدد الفقي على أن «مصر الآن ليس لديها سوى الطرق الدبلوماسية، بشرط ضمان موقف متطابق من السودان للضغط على إثيوبيا».

في المقابل، أكد نائب رئيس الوزراء الإثيوبي دبريتسيون جبرميكائيل، أمس، أن الحكومة الإثيوبية ستحاول مراعاة قلق دولتي المصب (مصر والسودان)، مضيفا أن إثيوبيا قد تبدأ بملء خزان سد النهضة بالمياه مع نهاية العام المقبل، مشيرا إلى أنه من المتوقع أن يثير موعد ملء الخزان بنحو 74 مليار متر مكعب. وقال: «لسنا أنانيين، ولا ننظر إلى مصالحنا الوطنية فقط وأن نهر النيل نهر دولي، وسنحاول عمل كل ما في وسعنا لمراعاة مصالحهم».