أوباما يتجه لترشيح جمهوري مديرا لـ«إف بي آي»

جيمس كومي ملتزم بالأطر القانونية ولعب دورا في سياسات مكافحة الإرهاب في عهد بوش

جيمس كومي
TT

يعتزم الرئيس الأميركي باراك أوباما ترشيح جيمس كومي، المسؤول الرفيع السابق في وزارة العدل خلال فترة رئاسة جورج بوش الابن، ليحل محل روبرت مولر الثالث رئيسا لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، بحسب مصدرين مطلعين على عملية الاختيار. وكان كومي، 52 عاما، في قلب أكثر النقاشات المثيرة للجدل حول مكافحة الإرهاب خلال فترة حكم إدارة بوش وعُرف عنه دفاعه القوي عن القانون ونزاهة وزارة العدل رغم الضغوط السياسية آنذاك. واعتبرت أوساط أن الترشيح المتوقع لكومي، وهو جمهوري، يعد محاولة جديدة من الرئيس لزيادة عدد الجمهوريين في إدارته خصوصا أن الكثير من مبادراته يعرقلها مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون. ومع ذلك لم توفر الخدمة السابقة التي قدمها تشاك هيغل، كعضو سابق جمهوري في مجلس الشيوخ عن ولاية نبراسكا، عليه معركة الترشيح القاسية في منصب وزير الدفاع.

شغل مولر منصب رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي لمدة 12 عاما وهي فترة شهدت تحولا في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وطبقا للقانون لا يجوز شغل هذا المنصب لأكثر من 10 سنوات، لكن الكونغرس وافق بالإجماع على طلب أوباما عام 2011 بمنح مولر سنتين إضافيتين. واشتهر كومي بالمشاركة في مواجهة غرفة المستشفى عام 2004 مع مستشار البيت الأبيض ألبرتو غونزاليس، وكبير موظفي البيت الأبيض، أندرو كارد. كان المسؤولان يحاولان حينها إقناع وزير العدل جون أشكروفت، الذي كان يتعافى من جراحة طارئة لإزالة المرارة، بالتصريح مرة أخرى لبرنامج التنصت داخل البلاد من دون إذن والذي كان مثار جدل واسع.

ورفض كومي، الذي كان يعمل كوزير للعدل بالنيابة في فترة غياب أشكروفت، الموافقة على مد العمل بهذا البرنامج. وعندما علم بمحاولة البيت الأبيض الالتفاف من ورائه والتأثير على أشكروفت المريض للتوقيع على مد العمل بالبرنامج، سارع كومي بالذهاب إلى المركز الطبي بجامعة جورج واشنطن، ووصل قبل غونزاليس وكارد. وشرح كومي لأشكروفت ما كان يحدث وعندما وصل مسؤولا البيت الأبيض، نهض وزير العدل وقال إنه لن يسمح بعمل هذا البرنامج أبدا. وأشار إلى كومي وقال: «هناك وزير للعدل»، بحسب رواية مراسل «واشنطن بوست» السابق بارتون غيلمان.

وضيّق البيت الأبيض نطاق البحث خلال الأيام القليلة الماضية بحيث اقتصر على كومي وليزا موناكو، مساعدة وزير العدل السابق لشؤون الأمن القومي، التي أصبحت كبيرة مستشاري أوباما لمكافحة الإرهاب خلال العام الحالي. وصرح مصدر في سلطات تطبيق القانون بأنه منذ أسابيع قليلة أرسلت وزارة العدل الاسمين إلى البيت الأبيض للنظر في الأمر. وستكون موناكو، في حال اختيارها، أول امرأة ترأس مكتب التحقيقات الفيدرالي، لكن كومي يتمتع بخبرة طويلة في سلطات تطبيق القانون. وعمل مدعيا عاما لمقاطعة نيويورك الجنوبية في مانهاتن، وكان مساعدا تنفيذيا للمدعي العام المسؤول عن إدارة ريتشموند في مكتب المدعي العام لمقاطعة فيرجينيا الشرقية. وفي ذلك الوقت نُسب إليه الفضل في الحد من معدل جرائم القتل من خلال تحويل اختصاص النظر في قضايا السلاح من محكمة الولاية إلى المحكمة الفيدرالية التي كانت تصدر أحكاما مشددة أكثر. وعمل منذ عام 2003 إلى 2005 نائبا لوزير العدل وكانت مسؤوليته هي مراقبة عمليات وزارة العدل. وقال جامي غورليك، الذي عمل نائبا لوزير العدل خلال فترة رئاسة كلينتون: «إن جيم واحد من الشخصيات العظيمة في وزارة العدل. لقد عمل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي عن كثب. ويعرف قوته وسيتمكن من تعزيز قدراته».

ورفض المسؤولان، اللذان قالا إنه تم اختيار كومي، الإفصاح عن هويتهما لعدم السماح لهم بمناقشة أمر لم يتم اتخاذ قرار نهائي بشأنه. كما لم يفصحا عن موعد إعلان أوباما رسميا عن التعيين. وكانت محطة «إن بي آر» أول من عرضت أخبار تعيين كومي. ولم يؤكد المتحدث باسم البيت الأبيض هذا التعيين الأربعاء، قائلا إن ليس لديه ما يمكن الإعلان عنه. ولم يتسن التواصل مع كومي، المتزوج ولديه خمسة أبناء، سواء في مكان عمله أو منزله للتعليق على النبأ. ويعد كومي خريج كلية ويليام أند ماري وكلية الحقوق بجامعة شيكاغو.

لم يكن اعتراض كومي على التنصت من دون تصريح، الذي صاحبه بالتهديد بالاستقالة إذا استمر البرنامج، هو المواجهة الوحيدة لسياسات فترة رئاسة بوش؛ فقد عارض أيضا الموافقة على طريقة الاستجواب تحت التعذيب التي كانت تتبعها وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه). وقال آنذاك إن دعم وزارة العدل القانوني لهذا الأمر سيكون وصمة عار في جبين الوزارة عندما يعرف العالم بطرق التعذيب التي شملت الغمر بالماء. في الوقت ذاته، في يناير (كانون الثاني) 2005، تحدث عن امتياز احتفاظ الدولة بأسرار في القضية المدنية الخاصة بالكندي السوري الذي بُعث إلى دمشق عام 2002 من أجل التحقيق معه وتعرضه لألوان من التعذيب. وأثار دور كومي في هذه القضية انتقادات منظمات الحريات المدنية. وقال مايكل راتنر، رئيس مركز الحقوق الدستورية: «من المتوقع أن يثير ترشيح جيمس كومي مخاوف حقيقية، ودوره في إدارة بوش بحاجة إلى تمحيص. نحن بحاجة إلى معرفة قصة دوره في مذكرات التعذيب بالكامل. ولا يبدو هذا ترشيحا رائعا. إن العودة للاستعانة برجال بوش ليست مؤشرا جيدا على حماية الحريات المدنية».

كذلك واجه كومي انتقادات بعض مسؤولي إدارة بوش لمشاركته في اختيار باتريك فيتزغيرالد لرئاسة التحقيق الخاص في تسريب اسم مسؤولة الاستخبارات المركزية فاليري بليم الذي أسفر عن إدانة مستشار نائب الرئيس ديك تشيني، سكوتر ليبي.

يذكر أن كومي عمل في عدد من قضايا الإرهاب عندما كان في نيويورك، وأنشأ وحدة متخصصة لملاحقة عصابات المخدرات الدولية. وعندما كان في فيرجينيا تعامل مع قضية انبثقت من تفجير منشأة عسكرية أميركية في المملكة العربية السعودية عام 1996. كما عمل كومي في قضايا متنوعة بينها محاكمة أحد أفراد عصابة نيويورك، جون غامبينو، بجريمتي ابتزاز وقتل عام 1993. وترك كومي وزارة العدل عام 2005 وشغل منصب نائب رئيس ومستشار عام في شركة «لوكهيد مارتين»، التي تعمل لحساب وزارة الدفاع، حتى عام 2010.

وفي يونيو (حزيران) 2010، انضم كومي إلى صندوق تحوط «بريدجووتر أسوشييتس» ومقره ولاية كونيتيكت، الذي تقدر أمواله بـ75 مليار دولار هي قيمة استثمارات عملاء بينها جامعات وحكومات أجنبية. وقد ترك العمل في الصندوق في يناير (كانون الثاني) الماضي ويدرّس حاليا قانون الأمن القومي بكلية الحقوق في جامعة كولومبيا في نيويورك.

ويتوقع مسؤولو البيت الأبيض إرسال الترشيح إلى الكونغرس من أجل التصديق عليه قبل انتهاء فترة مولر في الرابع من سبتمبر (أيلول) المقبل. وبالنظر لقرب الإجازات الصيفية وانتقادات الجمهوريين المرجحة، يُتوقع أن يعلن البيت الأبيض عن اسم كومي بشكل رسمي قريبا. وفي حال التصديق على ترشيح كومي، سيرأس هيئة مهمتها الأساسية حاليا مكافحة الإرهاب. وحتى تفجيرات ماراثون بوسطن، كان مكتب التحقيقات الفيدرالي يحظى بالثناء لنجاحه في منع وقوع هجمات إرهابية داخل الولايات المتحدة منذ هجمات 11 سبتمبر. وعلى الرغم من حصول مولر على دعم الحزبين في الكونغرس خلال فترة حكم الإدارة السابقة والحالية، انتقدت منظمات الحريات المدنية مكتب التحقيقات الفيدرالي بسبب عمليات المراقبة والخداع العدوانية التي كان يقوم بها والتي يقول محامو الدفاع إنها ترقى إلى الإيقاع في الشرك.

* شاركت جولي تيت في إعداد هذا التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»