السيستاني يفتي بتحريم الانتقام الطائفي

الصدر يمتدح المالكي لجولاته الميدانية ويتمنى ألا تكون لأغراض انتخابية

عراقية تحمل كيس الخبز (الصمون العراقي) وتمر بالقرب من سيارة شرطة تم تفجيرها بعبوة ناسفة في شارع الكرادة وسط بغداد أول من أمس (أ.ب)
TT

للمرة الثانية وفي غضون يومين يقوم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بجولات تفقدية ليلية ونهارية في عدد من أحياء العاصمة العراقية بغداد والتي تعرضت خلال الأيام الماضية إلى أعمال تفجير غير مسبوقة أزهقت أرواح المئات فضلا عن حالات اختطاف واغتيالات بالكواتم، وهو ما اعتبر من قبل العراقيين أنه «ترك المنطقة الخضراء واقترب من المنطقة الحمراء». وفي وقت حظي فيه المالكي بمديح عد نادرا من قبل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي طالما شن المزيد من الهجمات على المالكي، فإن المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى علي السيستاني أفتى بتحريم الدم العراقي مهما كان دينه وقومه وطائفته، معتبرا أن تغيير القيادات الأمنية خطوة غير كافية لاستتباب الأمن.

وكان العراق قد شهد خلال الأسبوع الماضي موجة عنيفة من التفجيرات فضلا عن إثارة المزيد من المخاوف باتجاه انتشار الميليشيات والسيطرات الوهمية في بعض المناطق فضلا عن عمليات قتل على الهوية الأمر الذي لا تزال ترفضه الجهات المسؤولة، في وقت تأتي جولات المالكي في محاولة منه لطمأنة البغداديين وهو ما اعتبره زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر «خطوة شجاعة». وقال الصدر في بيان له إن «هذا العمل الشجاع قد يعطي انطباعا أن الحكومة لا تسكن خلف الجدار تاركة الشعب يعاني بلا معين لذا فيستحق منا الشكر على هذه الزيارة الميدانية، راجيا ألا تكون زيارتك الأولى والأخيرة بل هي فاتحة الخير إن شاء الله، وألا تطلب بها الدعاية الانتخابية أو شهرة بل افعلها لوجه الله عسى الله أن يغفر لك وينسى الشعب ما حدث في ولاياتك». وطالب الصدر المالكي بـ«كشف المفسدين وقمع الميليشيات لكي تدفع على الأقوال التي تقول إن الحكومة من يدعمها ثم يعمد لإنهائها لأجل الدعاية الانتخابية».

لكن المرجعية الدينية العليا في النجف اعتبرت أن «تغيير القيادات الأمنية التي لم تتمكن من معالجة المشكلة وإيقاف الخروقات الأمنية خطوة لا بأس بها ولكنها لا تكفي وحدها بل لا بد من دراسة الأسباب المهنية التي أدت إلى هذا التدهور الأمني ووضع خطط مهنية من جهة أمنية من قبل قادة أكفاء قادرة على الحد من هذه الخروقات الأمنية التي اتسعت في الفترة الأخيرة». ودعا الشيخ عبد المهدي الكربلائي ممثل السيستاني خلال صلاة الجمعة في كربلاء إلى أن «من مسؤوليات الحكومة حصر السلاح بيد القوات الأمنية الشرعية وعدم السماح لأي جهة غير الأجهزة الأمنية بذلك».

من جهته، اعتبر اللواء عبد الخالق الشاهر أحد ضباط الجيش العراقي السابق والخبير الأمني في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «لدينا في العراق اليوم إشكالية أساسية وهي أننا نفهم الأمن على أنه مفردة مجردة عن معناها الحقيقي وهو أن (الأمن) تعني التنمية الشاملة في كل ميادين الحياة وبالتالي فإنه من دون هذه التنمية الشاملة التي هي المصالحة الاجتماعية بشكل جذري، هي وحدها التي تصنع الأمن». وأضاف اللواء الشاهر أن «هناك فهما خاطئا هو أننا ننظر إلى القوات العسكرية والأجهزة الأمنية على أنها هي التي تصنع الأمن بينما هي مهمتها الحفاظ على الأمن الذي يصنعه السياسيون»، مشيرا إلى أنه «لا يوجد لدينا أمن أصلا حتى تحافظ عليه الأجهزة التي يقولون عنها بالملايين ومنتشرة في كل شارع وزقاق ومحلة وينفق عليها عشرات المليارات من الدولارات». وأوضح اللواء الشاهر أنه «كان المفروض أن نضع الماضي خلف ظهورنا وننطلق إلى المستقبل آخذين على الأقل تجربة إقليم كردستان التي صنعت أمنا بالمصالحة الحقيقية والتوازن بينما نحن وضعنا المستقبل خلف ظهورنا وها نحن ندفع الثمن بسبب ذلك». وأشار إلى أن «الدستور العراقي أكد في المادة 9 منه على مبدأ التوازن في المؤسسات، كما أنه لا يوجد شيء اسمه تجريم البعث بموجب الدستور حيث إنه في المادة 135 ينص على الحظر، والمقصود البعث الصدامي وليس التجريم».

وفي السياق نفسه، أكد الخبير الأمني الدكتور معتز عبد الرحمن رئيس المركز الجمهوري للدراسات الأمنية في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الخلل الأمني الأخير والذي بلغ مراتب علينا اقتربت من حافة الانهيار هو نتيجة تراكمات عديدة من بينها تراخي الأجهزة الأمنية واستمرارية العمل بشكل نمطي بحيث باتت الخطط الأمنية مكشوفة تماما أمام العدو»، مشيرا إلى أن «الإجراء الأخير بمنع تجوال السيارات التي تحمل لوحات فحص مؤقت خطوة مهمة ولكنها تأخرت كثيرا لأن معظم الحوادث تجري بواسطة هذه السيارات». واعتبر عبد الرحمن أن «التشابك في عمل الأجهزة وعدم وجود بنية تحتية حقيقية وانعدام الثقة بين المواطن وهذه الأجهزة، أحد عوامل ما حصل».