الدبلوماسية الإسرائيلية تفشل في إقناع «الكبار» بعدم تسليح السوريين

المخابرات الإسرائيلية «تكذب» ادعاءات الأسد بتسلم «إس ـ 300»

TT

تزداد مخاطر تحول الثورة السورية الساعية أساسا لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد إلى «صراع إقليمي» أو «حرب بالوكالة» مع إصرار حلفاء الأسد على تعزيز موارده «البشرية والعسكرية»، وتهديدات تل أبيب المتكررة باستهداف العمق السوري حفاظا على توازن القوى القائم حاليا، ومنعا لوصول صواريخ متطورة من شأنها إسقاط طائرات إسرائيلية.

وسيعني التسليح، سواء لناحية النظام أو للقوى المعارضة، فشل الدبلوماسية الإسرائيلية في جهودها الدولية لإقناع القوى الدولية بعدم الزج بمزيد من الأسلحة في الصراع السوري، إذ إن تل أبيب نشطت خلال الأشهر الماضية في طرق غير عاصمة دولية، وكان من بينها زيارات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو ولندن، في سبيل منع عقد صفقات أسلحة نوعية لأي من طرفي النزاع. وينبع القلق الحقيقي لدى إسرائيل في تحول سوريا أو الدول المجاورة لها إلى «سوق مفتوحة للأسلحة المتطورة»، بنفس الطريقة التي كانت عليها ليبيا منذ سقوط نظام معمر القذافي قبل عامين. وقد وصلت العديد من الأسلحة، المستولى عليها من مستودعات القذافي، إلى سيناء وقطاع غزة على حدود إسرائيل الجنوبية. وتقدر إسرائيل أن «الأسوأ» موجود في مستودعات الأسد، وتاليا فإن سيطرة الجيش الحر أو الفصائل الإسلامية عليها سيجلب الوبال على إسرائيل.

وفي هذا السياق، خرج الثلاثاء الماضي وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون عن «سياسة اللاتعليق» فيما يخص الإجراءات التي يمكن اتخاذها ضد سوريا في حال وصلت صواريخ «إس-300» المتطورة لدمشق، وأجاب: «بالطبع هذا يشكل تهديدا لنا. الصواريخ لم ترسل بعد، ونحن نأمل ألا ترسل أبدا. ولكن إذا، لا سمح الله، وصلت إلى سوريا، فإننا سوف نعرف كيف نتصرف». وبالأمس، أعلنت المخابرات الإسرائيلية العسكرية أنها انتهت من فحص الادعاء السوري بأن «قسما من صواريخ (إس-300) المتطورة والمضادة للطائرات، قد وصلت إلى قواعدها في دمشق، ووجدت أن هذا ادعاء كاذب». وقال مصدر عسكري لـ«قناة 2» المستقلة إن «كل ما يقال في هذا الموضوع، سواء من الجانب الروسي أو السوري، هو مجرد حرب نفسية تستخدم كورقة ضغط في المفاوضات مع الولايات المتحدة عشية انعقاد مؤتمر جنيف».

وتتطابق المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية مع تصريحات صحافية روسية صدرت أمس تفيد أنه من غير المرجح وصول صواريخ «إس-300» قبل الخريف، ولن يصار إلى تفعلها قبل 6 إلى 12 شهرا من تاريخ التسليم نظرا لضرورة «تدريب العاملين وإجراء الاختبارات قبل أن تصبح هذه الأنظمة عملانية بشكل كامل». لكن الروس، إعلاميا على أقل تقدير، يصرون على أنهم ماضون في صفقات التسليح المبرمة مع دمشق، إذ نقلت وكالة الإعلام الروسية عن رئيس شركة «ميغ» الروسية لصناعة الطائرات قوله إن موسكو ستمد نظام الأسد بـ10 مقاتلات على الأقل من طراز «ميغ 29». ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن رئيس «ميغ» قوله إنه يناقش بنود عقد المقاتلات الروسية مع وفد سوري يزور موسكو حاليا. لكن الوكالة لم تذكر الموعد المحتمل للتسليم.

وتأخذ تل أبيب الرسمية حديث الأسد عن فتح جبهة الجولان نظرا لتعرضه لـ«ضغوط من الشعب السوري» على محمل الجد، إذ أصدر نتنياهو تعليماته للجيش أن يزود جميع المواطنين الإسرائيليين بكمامات الوقاية من الغاز والأسلحة الكيماوية. إلى ذلك، أدرجت الأمم المتحدة أمس «جبهة النصرة» على لائحة المنظمات المرتبطة بالإرهاب، وجاء في بيان صادر عن لجنة العقوبات في مجلس الأمن، أنه تم بذلك تجميد أصول «جبهة النصرة»، كما بات يحظر تسليمها أسلحة.

ويؤكد خبراء أن «جبهة النصرة» تتلقى الدعم من تنظيم القاعدة في العراق، ويشير مجلس الأمن بصراحة إلى العلاقة بين «جبهة النصرة» وناشطي «القاعدة» في العراق. وكانت الحكومة الأميركية وضعت العام الماضي «جبهة النصرة» على لائحة المنظمات الإرهابية، كما أضافت في مايو (أيار) اسم الجولاني على لائحة «الإرهابيين».

وكان زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني أعلن في أبريل (نيسان) الماضي مبايعة زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، ليؤكد بذلك العلاقة بين «جبهة النصرة» و«القاعدة». وحاول الجيش السوري الحر على الأثر التمايز عن الجبهة بإعلانه أن العمليات العسكرية التي يقوم بها لا علاقة لها بما تقوم به الجبهة، وأن ما يجمعهما هو «معارك بحكم الأمر الواقع» ضد النظام، تفرض عليه أحيانا.

من جانبها، انتقدت الولايات المتحدة وألمانيا أمس إرسال شحنات الأسلحة الروسية إلى النظام السوري. وفي تصريحات له في واشنطن، قال كيري إنه «ليس من المفيد نقل المنظومة (إس - 300) إلى المنطقة» في الوقت الذي تنظم فيه الولايات المتحدة وغيرها من البلدان مؤتمر السلام المقرر عقده في يونيو (حزيران) الجاري.

ووفقا للقادة الإسرائيليين فإن «جيش النظام السوري استخدم حتى الآن السلاح الكيماوي ضد شعبه والمعارضة 9 مرات، ولا يستبعد أن يفقد النظام رزانته أو يفقد أحد الضباط صوابه فيطلق صاروخا كيماويا باتجاه إسرائيل».

وقد أثارت هذه التعليمات وما رافقها من تصريحات انتقادات لاذعة في الإعلام الإسرائيلي، إلى درجة وصف نتنياهو كمن «أصيب بالعدوى من ألاعيب الأسد»، مؤكدين أن المواطنين حتى لو أرادوا الحصول على الكمامات لن يستطيعوا ذلك. فلا توجد في مخازن الجيش كميات كافية لامتلاكها ولا توجد ميزانية مخصصة لشراء هذه الكمامات الناقصة، التي تبلغ كلفتها 1.3 مليار شيقل (353 مليون دولار أميركي)، وتحتاج إلى نحو 300 مليون شيقل (90 مليون دولار) صيانة سنوية. وردت مصادر مقربة من نتنياهو أن وزارة المالية تفحص إمكانية توفير ميزانية طوارئ لهذا الغرض، يتم جمعها بفرض ضريبة خاصة للكمامات أو فتح المجال أمام المواطنين أن يشتروا كمامات من القطاع الخاص، على نفقتهم الخاصة.

من جانبه، قال الجنرال أناتولي كورنوكوف القائد السابق للقوات الجوية الروسية لوكالة «إنترفاكس»، إن التدريب على صواريخ «إس-300» يحتاج أسبوعين إلى أربعة أسابيع على الأقل. وأردف أن الصواريخ نفسها ستكون جاهزة للاستخدام «خلال خمس دقائق من وصولها».

ويمكن لهذه الصواريخ أن تتعقب أهدافا على بعد 300 كيلومتر وبمقدورها أن توجه ضربات لأهداف على مسافة تصل إلى 200 كيلومتر، مما يعني وصول الصواريخ، في حال رغب الأسد باستخدامها ضد إسرائيل، إلى مطار بن غوريون في تل أبيب، والتي تبعد عن دمشق نحو 200 كيلومتر.

ولا يقتصر النقد الإسرائيلي على توريد الأسلحة لنظام الأسد، بل يشمل أيضا الأوروبيين الذين قرروا رفع الحظر عن توريد الأسلحة للمعارضة السورية الاثنين الماضي. وعلى الرغم من أن قرار الاتحاد الأوروبي لا يعني بالضرورة «إرسالا فوريا» للأسلحة، لكنه فتح احتمال حدوث سباق تسلح في سوريا، التي من شأنها أن تؤثر على المنطقة برمتها.

إلى ذلك، أعلن الاتحاد الأوروبي أمس أن النظام المعدل لـ«الإجراءات العقابية» يدخل حيز التنفيذ اعتبارا من اليوم، والتغيير الوحيد في النظام هو إلغاء الحظر على الأسلحة المخصصة لـ«الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية». وأوضح مايكل مان المتحدث باسم منسقة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون أن تسليم الأسلحة المحتمل «لن يكون ممكنا إلا وفق شروط صارمة جدا». وسيرتبط خصوصا بضمانات حول «الوجهة النهائية» للأسلحة و«مستخدميها»، في محاولة لتفادي وقوعها بين أيدي المجموعات المتشددة أو الإسلامية.