احتجاجات تركيا تنطلق من اقتلاع شجرة إلى محاولة «اقتلاع أردوغان» في الشارع

مستشار لرئيس الحكومة يرفض توصيف «الربيع التركي»: نحن بلد ديمقراطي.. والانتخابات تحدد الحاكم

المتظاهرون يواجهون الشرطة التركية أمس احتجاجا على سياسات الحكومة بإزالة حديقة وبناء مجمع تجاري في ساحة تقسيم (إ.ب.أ)
TT

تحولت الاحتجاجات التي اندلعت في إسطنبول، وامتدت إلى العاصمة أنقرة ومدن تركية أخرى، من احتجاجات على اقتلاع شجرة إلى محاولة اقتلاع رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان من السلطة، بعد أن دخل المعارضون العلمانيون على الخط ونقلوا الاحتجاجات إلى أحياء كثيرة في إسطنبول وخارجها.

وتحولت ساحة «تقسيم»، أشهر معالم المدينة التي تعتبر العاصمة الثانية لتركيا، إلى ميدان كر وفر بين المتظاهرين والشرطة التي أقر رئيس الوزراء باحتمال استخدامها «القوة المفرطة» في قمع الاحتجاجات، مما أثار غضب المعارضة التي دفعت بكل ثقلها إلى الشارع سعيا لإسقاط أردوغان في الشارع نظرا لعجزها عن إسقاطه في صناديق الانتخابات، كما قال مستشار أردوغان، طه كينتش، لـ«الشرق الأوسط».

وبدا واضحا أن القصة تتعدى قضية الأشجار التي تنوي بلدية إسطنبول اقتلاعها من «جيزي بارك» إلى قرارات سابقة اتخذها أردوغان، ومنها القانون الذي صدر الأسبوع الماضي بمنع بيع الكحول في الجامعات وقرب المدارس وأماكن الدراسة الأخرى، بالإضافة إلى منع بيعها بعد العاشرة مساء. واستغربت مصادر رسمية تركية «الاستغلال الرخيص» من قبل بعض المعارضين، وتحديدا زعيم حزب الشعب الجمهوري «الذي قرر إلقاء كلمة مباشرة في المحتجين في ساحة تقسيم بعد ظهر أمس» متهمة إياه بأنه «ناقص الحس الوطني».

ومضى أردوغان في تأكيده أن هذه المظاهرات لن تغير في وجهة المشروع الذي بدأته بلدية إسطنبول منذ نحو 7 أشهر، ويقضي بتحويل مسار السيارات إلى ما تحت الأرض وإعادة بناء ثكنة عثمانية قديمة وتحويلها إلى مشروع سياحي وبناء مسجد كبير في وسط الساحة، مما أثار غضب العلمانيين الذي يرون في كل خطوة تقوم بها الحكومة «اتجاها نحو أسلمة البلاد».

وعلى الرغم من أن رئيس بلدية إسطنبول قادر توباس نفى نية البلدية بناء مركز تجاري، فإن الصدامات تواصلت طوال يوم أمس، قبل أن تنسحب الشرطة من الميدان بناء لأوامر المحافظ كما أكدت مصادر رسمية لـ«الشرق الأوسط»، مشيرة إلى أن «جماعة المعارضة قذفت الشرطة بالحجارة خلال انسحابها أيضا». وقال توباس إن «هواجس الناس الصادقة يجري (استغلالها من قبل المضللين)» معتبرا أن ما يجري هو ببساطة «نقل الأشجار في المنطقة من أجل توسيع السير للمشاة». وأضاف أن «العمل الذي سيتم القيام به لا يناسب مركزا للتسوق، وما نراه هنا هو استغلال مواطنينا المحبين للطبيعة»، مبديا أسفه لوجود من «يستغلون الناس أكثر ويتوقعون تحقيق مكاسب سياسية من هذا».

وكانت الشرطة التركية انسحبت، عصر أمس، من ساحة تقسيم في وسط إسطنبول التي انتشر فيها آلاف المتظاهرين في اليوم الثاني من مظاهرات احتجاج على الحكومة تخللتها أعمال عنف بعد دخول الشرطة هذه الساحة الجمعة، وعملت على منع المتظاهرين من دخولها وفرقتهم بالقنابل المسيلة للدموع، مما أدى إلى إصابة العشرات جراء استعمال القنابل المسيلة للدموع والهراوات. واستخدمت الشرطة التركية، صباح أمس، الغاز المسيل للدموع لتفريق مئات المتظاهرين الذي خرجوا في مظاهرات جديدة. وبعد مواجهة طويلة مع المتظاهرين الذين نصبوا حاجزا في جادة استقلال المؤدية إلى ساحة تقسيم، أطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشد. وسجلت أحداث أخرى في وقت سابق من الصباح في حي بشكطاش، عندما عبرت مجموعة من المتظاهرين جاءت من الضفة الآسيوية لإسطنبول جسرا قبل أن تقوم الشرطة بتفريقها.

وقالت السلطات إن عشرات الأشخاص يُعالجون في مستشفيات من جروح أصيبوا بها في الاشتباكات. غير أن منظمة العفو الدولية قالت إن مئات المتظاهرين جرحوا. وقالت السلطات المحلية إنه تم توقيف أكثر من 60 شخصا في أعمال العنف. وقال مسعفون إن ما يقرب من ألف شخص أصيبوا في الاشتباكات في إسطنبول. وقال اتحاد الأطباء التركي إن نحو ستة متظاهرين فقدوا البصر بعد إصابتهم في العين بعبوات غاز.

وأمضى آلاف من سكان إسطنبول ليل الجمعة - السبت في الشارع متحدين الشرطة والقنابل المسيلة للدموع. وقامت مجموعات من المتظاهرين بمسيرات وهم يحملون أواني المطبخ للقرع عليها. وفي مبادرة تحدّ، تقدم بعض المتظاهرين المشاركين في المسيرة، وهم يحملون عبوات الجعة بأيديهم.

في إشارة واضحة إلى القانون الذي أقره البرلمان التركي، الأسبوع الماضي، بأكثرية أصوات نواب «العدالة والتنمية»، الذي يمتلك الأغلبية فيه. ورفع متظاهرون شعارات ترفض «أسلمة المجتمع»، وقال أحد المشاركين في المظاهرات إنه مستعد للموت «لا من أجل شجرة، بل من أجل أمة يحاولون تدمير جمهوريتها التي دفعنا الدماء والعرق ثمنا لها»، وأردف هاتفا: «لسنا دولة إسلامية، ولكل منا الحق في أن يعيش حياته مسلما ملتزما أو علمانيا.. لماذا يفرضون علينا أسلوب حياتهم؟!».

وغطت الحجارة والعبوات الفارغة للقنابل المسيلة الفارغة الشوارع، بينما أغلق بعضها بحواجز. وفوق المدينة تحلق مروحية للشرطة لمراقبة المتظاهرين. ولجأ مئات الناشطين إلى مقر لإحدى النقابات أقام فيها أطباء مركزا لتقديم الإسعافات الأولية، خصوصا لمعالجة إصابات الجلدية والتنفسية الناجمة عن الغازات المسيلة للدموع.

وامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالدعوات إلى مظاهرات أخرى تنطلق اليوم في إسطنبول وأنقرة وأزمير ومناطق أخرى سعيا لإسقاط «حكومة المتسلط» في إشارة إلى أردوغان الذي رفع المتظاهرون صورا له وهو بلباس خليفة عثماني.

وتحدثت تقارير إعلامية عن مظاهرات مماثلة في أنقرة وأزمير حيث حاول متظاهرون الجمعة اقتحام مقر للحزب الحاكم، بينما توجه المتظاهرون أمس إلى مبنى البرلمان دون أن يفلحوا في الوصول إليه نتيجة الحواجز الأمنية.

وأشار مستشار أردوغان إلى أن ما يقال عن «ربيع تركي» غير واقعي، فلا ديكتاتورية في تركيا، والحكم يتم تداوله عبر انتخابات عامة شفافة وديمقراطية، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «المعارضة حولت الأمر من محاولة لاقتلاع شجرة إلى محاولة لاقتلاع أردوغان، وهذا أمر لا يمكن أن يتم بهذه الطريقة».

وقال كينتش إن ما جرى هو استغلال لمطالب الناس، مشيرا إلى أن ما يقال عن أنها احتجاجات للدفاع عن الطبيعة هو أمر خاطئ تماما، موضحا أن أردوغان وحزب العدالة زرعوا 2.5 مليار شجرة في تركيا منذ وصولهم إلى الحكم، وهم يدركون تماما أهمية الغطاء الأخضر.

وأضاف: «لقد عرفوا (المعارضون) أنهم لن يستطيعوا أن يهزموا أردوغان في صناديق الاقتراع، بعدما أظهرت استطلاعات الرأي أنه يحظى بتأييد يبلغ 52 في المائة بين الأتراك، فلجأوا إلى هذه الوسائل», وتوقع كينتش أن تهدأ الأمور بدءا من الغد، قائلا: «سوف يقومون الأحد (اليوم) ببعض الاستعراضات، لكن بدءا من الاثنين سوف يذهب الجميع إلى أعمالهم.. الاثنين هو يوم آخر».

وفي المقابل، قال فريد السفار رئيس فرع إسطنبول في حزب العمال اليساري إنه كان يتوقع حصول هذا منذ سنوات «نتيجة القمع الذي يمارسه حزب العدالة والتنمية على من ليس منهم من الشعب». وقال لـ«الشرق الأوسط: «ما يجري الآن في ميدان تقسيم ما هو إلا البداية لرفض سياسة الحكومة التركية، كما أن هذه الجموع الغفيرة التي تملأ الميدان حاليا لا تعبر فقط عن سخطها لسياسة أردوغان الداخلية، بل ترفض سياسته التي ترتكز على تطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير»، ورأى أن الشرطة قررت سحب قوات مكافحة الشغب بسبب صحوة الجماهير وازدياد أعدادها، يوما بعد يوم، لأنه لا توجد أي قوة ديكتاتورية في العالم يمكن أن تقف أمام إرادة الشعوب».

ورفض اتهامات الحكومة للأحزاب الراديكالية بالوقوف وراء هذه التحركات، وقال: «إن السبب وراء استخدامه القوة المفرطة ضد المظاهرات السلمية يكمن في أنه يوجد لديه نية لاستعادة النظام العثماني»، آخذا عليه إعطاء اسم الجسر المعلق الثالث الذي سيقام على مضيق البسفور اسم السلطان ياوز سليم «الذي تلطخت يداه بدماء عشرات الآلاف من العلويين في الأناضول»، قائلا: «يريدون طمس الجمهورية وإحياء الخلافة العثمانية، والجماهير نزلت إلى الشارع لإيقاف هذا المخطط وإحياء الجمهورية إلى الأبد».

ودعا الرئيس التركي عبد الله غل إلى تغليب «المنطق»، معتبرا أن الاحتجاجات وصلت إلى «حد مقلق».

وقال غل في بيان نشره مكتبه: «يتعين علينا جميعا أن نتحلى بالنضج حتى يمكن للاحتجاجات.. التي وصلت إلى حد مقلق أن تهدأ»، ودعا الشرطة إلى «التصرف بشكل متناسب» مع حجم الاحتجاج.

وبدوره، دعا رئيس الوزراء إلى وقف فوري للمظاهرات الأعنف ضد الحكومة منذ سنوات، لكنه تعهد بالمضي قدما في خطط إعادة تنمية ميدان تقسيم بوسط إسطنبول، قائلا إن هذه القضية تُستغل كمبرر لإذكاء التوتر. وقال أردوغان في كلمة أذاعها التلفزيون: «تركيا يحكمها نظام برلماني. كل أربعة أعوام نجري انتخابات، وهذه الأمة تختار»، وطلب من المحتجين أن ينهوا على الفور مثل هذه التصرفات، حتى لا يقع المزيد من الإصابات بين المارة والزوار أصحاب المتاجر المحليين.

وأضاف: «على الرغم من الاستفزازات من جانب المنظمات غير القانونية، وعلى الرغم من الضرر الذي وقع للمتاجر المحلية، وعلى الرغم من الهجمات بالحجارة والقنابل الحارقة، لا تزال الشرطة تعمل في إطار السلطة الممنوحة لها. لكن كما قلت من قبل فقد أعطيت أوامر لوزير الداخلية وللمحافظ باتخاذ الإجراءات اللازمة إذا استخدمت قوة مفرطة».

وقال: «حقيقة، كانت هناك بعض الأخطاء، وتصرفات مبالغ بها، أثناء رد الشرطة». وقالت وزارة الداخلية في بيان إنه سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق رجال الشرطة الذين تصرفوا بشكل (غير متناسب)».