العنف في العراق يعود إلى مستوياته أيام الحرب الطائفية.. ويضرب مفاصل الاقتصاد

الحكيم يلم شمل الزعماء السياسيين في منزله ويدعوهم إلى كلمة شرف قبل الحوار

شرطي عراقي يفتش زوارا شيعة في طريقهم إلى مرقد الإمام موسى الكاظم في بغداد أمس لحضور مراسم إحياء ذكرى وفاته (أ.ف.ب)
TT

بلغة الأرقام فإن ما يجري في العراق اليوم، وفي غضون شهر واحد هو شهر مايو (أيار) الفائت، طرق كل نواقيس الخطر في بلاد هوت بسرعة قياسية نحو معدلات عنف ارتفعت وتائرها إلى مستوى الحرب الطائفية التي استعرت في البلاد للفترة من 2006 - 2008.

ففي غضون شهر واحد وطبقا لتقرير أصدرته الأمم المتحدة فإن نحو 3442 عراقيا سقطوا بين قتيل وجريح في عمليات عنف في مناطق متفرقة من البلاد. وفيما عبرت البعثة الأممية في العراق عن حزنها لما بات يجري، فقد دعا زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم قادة بلاده الذين نجح في جمعهم في مقره أمس، بعد ثلاث سنوات من عدم الجلوس على طاولة حوار واحدة، إلى الاتفاق على «كلمة شرف» قبل التوقيع على «ميثاق شرف» أو بدء الحوار الجاد لحل الأزمة.

وطبقا للبيان الذي أصدرته الأمم المتحدة فإن «1045 شخصا قتلوا وأصيب 2397 آخرون بـ560 حادثا أمنيا في مناطق متفرقة من البلاد الشهر الماضي»، موضحة أن «عدد المدنيين الذين قتلوا هو 963 ضمنهم 181 من عناصر الشرطة المحلية، فيما أصيب 2191 ضمنهم 359 من عناصر الشرطة المحلية». وأضافت البعثة أن «82 من عناصر القوات الأمنية قتلوا خلال الشهر ذاته وأصيب 206 آخرون»، مشيرة إلى أن «العاصمة بغداد كانت من أكثر المحافظات تضررا بعد تكبدها 1817 ضحية من المدنيين، بينهم 532 قتيلا و1285 جريحا، تتبعها صلاح الدين ثم نينوى والأنبار وديالى وكركوك». وتابعت بعثة الأمم المتحدة في العراق، أن «الحوادث الأمنية توزعت بين 178 حادثا استخدمت فيها عبوات ناسفة أدت إلى مقتل وإصابة 886 مدنيا، وانفجار 82 سيارة مفخخة مع سيارة يقودها انتحاري وأدت إلى مقتل وإصابة 1435 شخصا، إضافة إلى 243 حادث إطلاق نار بأسلحة خفيفة أدت إلى مقتل وإصابة 470 مدنيا».

وحصيلة الضحايا لشهر مايو هي الأعلى منذ أبريل (نيسان) 2008. وشهد العراق بين عامي 2006 و2008 حربا أهلية طائفية دامية قتل فيها الآلاف. وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، باتت تستعيد دور العبادة السنية والشيعية مؤخرا الصورة الدامية التي كانت عليها إبان سنوات الحرب الأهلية الطائفية في ظل تزايد استهدافها مجددا بأعمال القتل والتفجيرات العشوائية.

وبينما تعمل الجهات المسؤولة السياسية والعسكرية على إيجاد حل للأزمة فإن التسارع في معدلات العنف في البلاد في غضون الأسبوعين الأخيرين والذي تمثل في ثلاثة مستويات من أعمال العنف وهي التفجير بواسطة السيارات المفخخة أو العبوات الناسفة وعمليات الخطف والاغتيال بالكواتم والحديث عن السيطرات الوهمية التي مثلت مصدر رعب حقيقي لأهالي بغداد انعكس بشكل سريع على الجانب الاقتصادي فيها. ويقول الخبير الاقتصادي ماجد الصوري لـ«الشرق الأوسط» إن «موجة العنف تركت تأثيراتها المباشرة على الدورة الاقتصادية في البلاد وعبر أكثر من مستوى من بينها وقف النشاط الاقتصادي في الكثير من المفاصل الاقتصادية الإنتاجية والاستهلاكية أو نقل بعض الأنشطة إلى إقليم كردستان». ويضيف الصوري أن «هناك جوانب أخرى وتتمثل في سرعة تراجع الأنشطة المختلفة في الأسواق التي بدأت تقفل أبوابها في وقت مبكر».

وبالارتباط بين ما هو أمني واقتصادي أكد رئيس المركز الجمهوري للدراسات الأمنية في العراق الدكتور معتز محيي عبد الرحمن في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «تزايد معدلات العنف في البلاد له أسبابه الأمنية والسياسية وهو ما يمكن أن يؤثر على كل مفاصل الحياة اليومية». وأضاف عبد الرحمن أن «الأجهزة الأمنية أثبتت فشلها بشكل كبير مما جعل ثقة المواطن تهتز بها ولم يعد ممكنا التعويل عليها يضاف إلى ذلك أن الخلافات السياسية لا حلول لها بسبب أزمة الثقة بين كبار القادة السياسيين وهو ما جعل الناس يشعرون أنهم باتوا في مهب الريح».

في غضون ذلك بدأ في بغداد أمس اجتماع قادة الكتل السياسية في مقر رئيس المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم. وألقى الحكيم كلمة في الجلسة دعا فيها إلى بدء حوار حقيقي ينهي المشكلات. وقال إن «اجتماعنا هذا لن يصدر بيانا أو وثيقة شرف أو معاهدة أو اتفاقا، وإنما سيصدر كلمة شرف من قادة ومسؤولين يحملون الوطن في قلوبهم اسما ومعنا.. ويقودون شعبهم للمستقبل رغم كل المعوقات ورغم نزيف الجراحات ورغم كل التدخلات».

من جهته اعتبر المتحدث الرسمي باسم المجلس الأعلى الإسلامي حميد معله الساعدي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مؤشرات نجاح الاجتماع الذي دعا إليه الحكيم كثيرة لعل أبرزها حضور قادة الخط الأول وهو ما يعني أن هناك رغبة بإنهاء المشكلات وجدية في التعاطي مع الحلول خصوصا وأن الحوارات اللاحقة هي التي سوف تبحث مختلف جوانب الأزمة». وأضاف الساعدي أن «الأمر المهم الآن هو أننا نعول كثيرا على هذا الاجتماع رغم أن الأزمة كبيرة ومتداخلة ولكن ما حصل هو كسر حاجز الجمود بين القادة وإطلاق رسالة اطمئنان للشعب العراقي بأن الجميع جادون في البحث عن حل». ودعا الساعدي إلى «التهدئة الإعلامية وعدم إثارة الشارع في تصريحات ليست في محلها من أجل إتاحة الفرصة للحوارات اللاحقة أن تأخذ فرصتها في النضوج على نار هادئة».