وزير الخارجية التشادي الأسبق: باريس تغض الطرف عن أنجمينا للخدمة التي قدمها ديبي في مالي

الرئيس التشادي يبدأ زيارة إلى فرنسا بداية الأسبوع المقبل ومعارضوه يعتبرونها مكافأة له

TT

يتوقع أن يبدأ الرئيس التشادي إدريس ديبي زيارة بداية الأسبوع المقبل إلى العاصمة الفرنسية باريس، وينتظر أن يتناول ملفات مهمة في مقدمتها مساهمة بلاده في العمليات العسكرية المساندة لفرنسا خلال محاربتها المتطرفين الإسلاميين في شمال مالي، إلى جانب العلاقات المتوترة بين أنجمينا وليبيا والاتهامات المتبادلة بين البلدين، في وقت اعتبرت فيه المعارضة التشادية زيارة ديبي محاولة من الإليزيه لمكافأته على ما قام به من خدمات بغض الطرف عن ما يجري من كبت للحريات وقمع للمعارضة في أنجمينا، ووصفت العلاقة بين النظامين السوداني والتشادي بعلاقة الصانع بالصنيعة.

وتتزامن زيارة الرئيس التشادي إدريس ديبي إلى باريس مع إعلان رئيس النيجر محمد يوسف تأكيده الاثنين الماضي عن أن إسلاميين متشددين يحضرون في الجنوب الليبي لـ«هجوم» على تشاد بعد اعتداءين استهدفا شمال النيجر الأسبوع الماضي، لكن طرابلس نفت بشكل قاطع أن يكون منفذو الهجوم الانتحاري المزدوج في النيجر أتوا من ليبيا، وأكدت على لسان رئيس وزرائها علي زيدان الأسبوع الماضي أن كل المزاعم التي قالت إن المنفذين أتوا من ليبيا لا أساس لها وتتعارض مع الواقع، وليبيا ليست بؤرة للإرهاب.

وقال الخبير في الشؤون الفرنسية الصحافي السوداني الرشيد سعيد يعقوب إن زيارة ديبي ستكون مناسبة لطرح كل الملفات الساخنة التي تثير التوتر في علاقات البلدين على الرغم من المساهمات التشادية الكبيرة في مساندة القوات الفرنسية في شمال مالي، وأضاف «الملف الذي سيحتل حيزا كبيرا خلال الزيارة هو بلا شك ذلك المتعلق بالعلاقات التشادية - الليبية التي شهدت تدهورا كبيرا منذ نظام العقيد القذافي»، مشيرا إلى أن باريس سبق أن تدخلت قبل 3 أشهر من أجل إطلاق سراح 4 دبلوماسيين تشاديين كانوا محتجزين من قبل مجموعات مسلحة ليبية قبل سقوط القذافي، وقال «ويتردد أن ديبي يريد من باريس أن تواصل جهودها لإطلاق سراح 1200 جندي تشادي معتقلين في ليبيا باعتبارهم مرتزقة قاتلوا إلى جانب نظام القذافي السابق»، وأضاف أن من الملفات التي تستقطب اهتمام الدبلوماسية الفرنسية حاليا التدخل التشادي المتزايد في السودان وأفريقيا الوسطى، وكانت المعارضة السودانية في الجبهة الثورية قد رددت أكثر من مرة أن القوات التشادية قد دخلت إقليم دارفور ووصلت حتى ولاية جنوب كردفان، وتشهد هذه المناطق حربا ضروسا بين الجبهة الثورية والقوات السودانية، وقال إن حركة العدل والمساواة وهي من ضمن تحالف الجبهة الثورية قد أرسلت مبعوثا إلى باريس قبيل زيارة ديبي إليها لتقديم براهين على تورط أنجمينا في الحرب التي تدور في دارفور، وتابع «لكن الملف الساخن في هذه الزيارة سيكون بلا شك الأوضاع الداخلية في تشاد وما يمكن أن تمارسه باريس من ضغوط لتبني موقف حازم من انتهاكات حقوق الإنسان».

وذكرت مصادر تشادية لـ«الشرق الأوسط» أن أنجمينا تقدر تكلفة مشاركة قواتها في القتال في مالي بـ100 مليون يورو كتعويضات يفترض دفعها لعائلات القتلى والجرحى من الجنود، وقالت «يبدو أن ديبي سيطالب باريس بتحمل الجزء الأكبر منها»، وأضافت «الجيش التشادي يخطط الآن للتدخل في جنوب ليبيا لضرب تجمعات مسلحة من المعارضة التشادية تعتقد أنجمينا أن طرابلس تفتح لهم معسكرات تقدم لهم الدعم والتدريب»، وقالت «هذه التهديدات ما هي إلا مناورة تستهدف في الأساس تجاوز ملف الأموال والممتلكات الليبية في تشاد التي تطالب طرابلس باستعادتها وترفض أنجمينا مجرد المناقشة حولها»، وأشارت المصادر إلى أن باريس سبق أن قامت بضغوط على أنجمينا من أجل مساعدة ليبيا لاسترداد أموالها، وقالت «ينتظر أن تعيد باريس نقل مطالب ليبيا بشأن منع سفيرها السابق في أنجمينا قرين صالح قرين من ممارسة أي أنشطة معادية خصوصا بعد ما تردد عن زيارة الساعدي القذافي المقيم في النيجر إلى تشاد مؤخرا للقاء قرين».

من جهته قال الشيخ ابن عمر وزير الخارجية التشادي الأسبق الذي يعمل ضمن صفوف المعارضة لـ«الشرق الأوسط» إن باريس تقدم خدمة للحكومة التشادية تتمثل في غض الطرف عن القمع وانتهاكات حقوق الإنسان الذي يمارسه نظام إدريس ديبي لأنه قدم دعما عسكريا للقوات الفرنسية في تدخلها إلى دولة مالي، وأضاف «وباريس أيضا تصمت عن تدخل تشاد في عدد من الدول المجاورة في أفريقيا الوسطى والسودان وليبيا»، وقال «يبدو أن باريس تسمح لأنجمينا بالتدخل في هذه الدول خاصة بعد تجربة مالي فأصبحت هذه رخصة لديبي لخلق عدم الاستقرار في دول المنطقة»، مطالبا الحكومة الفرنسية بأن تطابق أقوالها بأفعالها وألا تعطي غطاء للديكتاتوريين في مستعمراتها السابقة، وأضاف «على الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن ينفذ ما قاله في دعايته الانتخابية برفض الأنظمة الديكتاتورية في الدول الأفريقية التابعة للفرانكفونية»، معترفا بأن المعارضة التشادية ضعيفة بسبب القمع والملاحقة ضد قياداتها، لكنه قال «بدأنا خطوات حثيثة لأخذ حقوق شعبنا ونناضل مع أطياف المعارضة الأخرى لتحقيق الحرية والديمقراطية في البلاد».

وقال ابن عمر إن هناك علاقة انتهازية بين النظامين السوداني والتشادي لدعم بعضهما البعض في مواجهة معارضيهما، وأضاف «نظام البشير هو الذي صنع نظام إدريس ديبي، إذن هي علاقة الصانع بالصنيعة وهما ينقلان الصراعات الداخلية في بلديهما إلى خارج حدودهما»، معلنا عن إمكانية التنسيق السياسي بين المعارضتين التشادية والسودانية، وتابع «لكننا لن نجاري النظام التشادي بالعمل العسكري لتغييره لأننا لا نريد معالجة الخطأ بخطأ آخر».