امتحانات «الثانوية العامة» تبدأ اليوم في سوريا

المئات يتوجهون لأدائها في المناطق الهادئة.. وعشرات الآلاف محرومون منها

TT

يتوجه اليوم مئات آلاف الطلاب السوريين إلى المراكز الامتحانية للشهادة الثانوية، في تحد كبير لأجواء الحرب التي ترزح تحتها البلاد. فبعد نحو عامين من الاضطراب في العملية التعليمية وتدمير أكثر من 3 آلاف مدرسة في مختلف المحافظات السورية، تكونت قناعة لدى الغالبية من الطلاب الذين حرموا من التعليم، بأن أمد الأزمة سيطول، وبالتالي لا بد من التكيف مع الأمر الواقع.

تبدي المدرسة ناديا، التي تعيش في منطقة القلمون بريف دمشق الشمالي بعدما دمر منزلها الكائن في حمص، قلقها من أن «نخرج بعد الثورة بجيل من المعاقين والأميين والمرضى النفسيين»، وتتابع أنها كانت من الرافضين لفكرة اضطراب المدارس في بداية الثورة، إلا أن صوتها لم يسمع آنذاك، لذلك عملت مع فريق من المتطوعين الجامعيين والمدرسيين على مواصلة التدريس رغم تدمر المدرسة التي كانت تعمل بها.

لكن تلك الجهود «الفردية»، تتابع ناديا، لم يكتب لها الاستمرارية لأن القصف لم يطل المنظومة التعليمية في حمص وحسب، بل جميع أشكال الحياة. وتقول ناديا إن «الدراسة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش الحر لا تزال مستمرة، لكن بظروف مأساوية، كما أن هناك خشية من أن لا يعترف بالشهادات الممنوحة في هذه المناطق».

من جانبه، يقول رافع، وهو طالب البكالوريا نزح من حمص إلى لبنان منذ أكثر من عام، إنه قرر العودة إلى حمص وتقديم امتحان شهادة الثانوي العامة على الرغم من علمه المسبق بكل المخاطر المحدقة بتلك العودة، ويضيف: «لقد أضعت عاما كاملا بلا دراسة، كنت خلالها في لبنان أبحث عن عمل، ولن أضيع هذه الفرصة، خصوصا أن مركز امتحاني يقع في حي هادئ». وسيقضي رافع، الذي لا يملك المال الكافي لاستئجار منزل، فترة الامتحان في منزل أقاربه له مع نحو 20 شخصا نزحوا من الأحياء الساخنة إلى منزل في منطقة هادئة.

أما سماح، النازحة من حمص إلى إحدى الضواحي الهادئة، فتقول إنها تقدمت للامتحانات في حمص العام الماضي، لكنها رسبت «بسبب عدم التركيز جراء القصف هناك»، ولهذا سجلت هذا العام في معهد خاص وستتقدم للامتحان في مكان إقامتها، وتضيف: «كان معي في المعهد أكثر من 40 طالبا وطالبة أغلبهم من أحياء دمشق الساخنة العسالي والحجر الأسود وببيلا ومخيم اليرموك. جميعهم أضاع عاما من عمره لأنه لم يتمكن من الذهاب إلى المدرسة العام الماضي وقرروا أن لا يضيعوا المزيد من الوقت، فلا أحد يعرف متى تنتهي هذه الحرب».

وتشير سماح إلى أن الأجواء لا تساعد على الدراسة، بالقول: «هناك أمور في سوريا لا تشاهدها في التلفاز: التلفاز يتحدث عن القصف والمداهمات، والمعاملة السيئة التي يتلقاها أبناء المناطق الساخنة عند الحواجز. لكن لا أحد يعلم ماذا يجري خلف أبواب المنازل. لا أحد يعلم، مثلا، إنني أعيش مع 12 فردا من أسرتي في شقة مكونة من 3 غرف فقط. لا أحد يعلم كم الوقت والجهد استغرق في إقناع والدي ووالدتي بتسجيلي في معهد خاص، وأنا التي خطفت لي 3 صديقات في حمص منذ أكثر من عام ولا يعرف مصيرهن حتى الآن».

وتعتبر سماح متابعتها للدراسة «نوعا من الوفاء لصديقاتها اللواتي خطفن وللشهداء الذين سقطوا في حمص»، وتضيف: «سنتعلم لأجلهم ولأجل مستقبل بلادنا» مشيرة إلى أن لديها رفيقات كثيرات في حمص ما زلن في مناطق محاصرة لم يتمكن من متابعة الدراسة، وأخريات نزحن إلى مخيمات في دول الجوار ومنهن من تزوجن «زيجات ظالمة» للتخلص من البؤس، لكن سماح رأت أن «ما دام لدى أهلها القدرة على تعليمها ستتعلم وستعمل مستقبلا على رفع الظلم».

يشار إلى أن الامتحانات تبدأ الساعة 8 صباحا باستثناء اليوم، إذ يجب على الطلاب الوجد الساعة 7:30 للتفقد. ويواجه الطلاب في مدينة دمشق صعوبة كبيرة في الوصول إلى المراكز الامتحانية وفق الموعد المحدد، إذا تقطع أوصال العاصمة أكثر من 350 حاجزا، يضاعف الزمن المستغرق في الانتقال من حي إلى آخر، ما بين جنوب المدينة وشمالها وشرقها وغربها.