«الدستورية العليا» بمصر تربك المشهد السياسي بأحكام تبطل «الشورى» و«تأسيسية الدستور»

فقهاء دستوريون قالوا إنها لن تغير من الواقع القانوني القائم.. والرئاسة أكدت أن «التشريعي» مستمر

جنود شرطة أمام المحكمة الدستورية العليا بوسط القاهرة أمس (إ.ب.أ)
TT

لغّمت المحكمة الدستورية العليا في مصر المشهد السياسي في البلاد، من دون أن تنزع الفتيل لتفجيره، بعد أن قضت أمس ببطلان مجلس الشورى المنوط به سلطة التشريع مؤقتا، مع استمراره في أداء مهامه لحين انتخاب مجلس النواب، كما قضت ببطلان قانون معايير تشكيل الجمعية التأسيسية التي وضعت دستور البلاد الجديد من دون أن ينسحب الحكم على مشروعية الدستور ذاته.

وبات الحكم الذي زاد من غموض والتباس الوضع الدستوري في البلاد، مثار جدل سياسي صاخب، وقرأ فرقاء المشهد السياسي الحكمين كل حسب الموضع الذي يتخندق فيه، فيما اتفق فقهاء دستوريون وقانونيون على أنه لا أثر ماديا لحكمي الدستورية وإن ظل لهما أثر معنوي.

وعلقت مؤسسة الرئاسة على الحكم أمس قائلة في بيان لها إن «مجلس الشورى مستمر في ممارسة دوره التشريعي كاملا، لحين استكمال مؤسسات الدولة وانتقال سلطة التشريع لمجلس النواب الجديد»، وشدد البيان على أن «الدستور الذي استفتي عليه الشعب وحاز الأغلبية هو المرجع الذي يحرص الجميع على العمل به، والدفاع عنه وحمايته، واحترامه واجب على جميع سلطات الدولة».

وأضاف البيان أن رئيس الجمهورية هو الحكم بين السلطات ويمارس مسؤوليته الدستورية والقانونية، لضمان أن تقوم كل سلطة بدورها كاملا وفقا لأحكام الدستور.

وكانت المحكمة الدستورية العليا تنظر دعويين أمس تتعلقان بقانون انتخابات مجلس الشورى وقانون معايير تشكيل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، وهما الدعويان اللتان كان من المفترض أن تفصل فيهما في يناير (كانون الثاني) الماضي، قبل إقرار دستور البلاد الجديد، لكن حصار أنصار جماعة الإخوان المسلمين لمقر المحكمة في القاهرة حال دون ذلك.

وتمسك جماعة الإخوان حاليا بمفاصل أساسية في الدولة، حيث ينتمي الرئيس محمد مرسي للجماعة، كما يملك حزبها السياسي الأكثرية في مجلس الشورى.

وقضت المحكمة الدستورية أمس في دعويي بطلان قانون الانتخابات ومعايير تشكيل تأسيسية الدستور. وجاء حكم المحكمة مقيدا بوضع دستوري جديد بعد أن تم إقرار دستور للبلاد مطلع العام الحالي.

وقال السياسي والقانوني البارز أيمن نور زعيم حزب غد الثورة لـ«الشرق الأوسط» إن «الأحكام الدستورية لا تحمل مفاجأة ولا تحمل تغييرا جوهريا في الحياة السياسية لكنها مؤشر لأزمة دستورية قائمة».

وأضاف نور أن الأثر الأهم لحكمي الدستورية أنهما سوف يدفعان الجميع للتعجيل في إصدار قانون انتخابات البرلمان والذهاب قبل نهاية العام الحالي إلى انتخابات مجلس النواب.

ولا يزال مجلس الشورى يعمل على إعداد قانوني انتخابات البرلمان ومباشرة الحقوق السياسية. وكانت قيادات في جماعة الإخوان المسلمين قد تحدثت عن إرجاء انتخابات مجلس النواب إلى ربيع العام المقبل.

لكن القيادي الإخواني البارز الدكتور عصام العريان رئيس الأغلبية البرلمانية قال لـ«الشرق الأوسط» أمس إنه «على مجلس الشورى الإسراع في الانتهاء من القانون اللازم لإجراء انتخابات مجلس النواب».

وأشار العريان إلى أن المحكمة الدستورية لم تأت بجديد، وأن مجلس الشورى باق ويمارس صلاحياته التشريعية، مضيفا: «على كل من يتحدث عن فقدان المجلس صلاحية التشريع أن يراجع معلوماته القانونية كما أن الدستور باق حتى أن المحكمة (الدستورية) قد صححت تشكيلها بناء على الدستور الجديد».

وعقب الحكم قال خبراء قانونيون إن الحكم يعني فقدان مجلس الشورى صلاحية التشريع التي أوكلها له الدستور الجديد مؤقتا، إلى حين انتخاب مجلس النواب. وعلق الفقيه الدستوري، نور فرحات، لـ«الشرق الأوسط» قائلا بعد حكم الدستورية أمس: «لم يعد يوجد دستور في البلاد».

ولا يزال من غير المعروف إذا ما كان الحكم سينهي حالة الجدل بشأن شرعية المؤسسة التشريعية ودستور البلاد الجديد أم لا.

ووصف سياسيون ينتمون لأحزاب إسلامية ما توصلت إليه المحكمة الدستورية أمس بـ«عدم الوضوح»، لكن المحامي البارز منتصر الزيات أعرب لـ«الشرق الأوسط» عن اعتقاده بأن حكم المحكمة الدستورية كان «حكما سياسيا بامتياز»، مؤكدا أنه لا أثر ماديا لحكميها على الإطلاق.

وقال الزيات إن «المحكمة الدستورية العليا هي جزء من السلطة القضائية في البلاد، وعليه أنا لا أستبعد أن يكون الحكم سياسيا.. ورغم ذلك لن يغير من الوضع السياسي أي شيء لأنه أبقى مجلس الشورى نافذا حتى انتخاب مجلس النواب.. والمحكمة لم تقيد سلطته التشريعية لأن التقييد لا يكون إلا بنص، والدستور حصن المجلس فلم يكن أمام المحكمة أي خيار لكنه تحرك سياسي في إطار الشحن ضد الرئيس مرسي وجماعة الإخوان».وتخوض السلطة القضائية في البلاد حاليا صراعا ضد السلطتين التنفيذية والتشريعية، على خلفية مناقشة مجلس الشورى قانونا من شأنه عزل نحو 3500 قاض، وهو أمر يرفضه طيف واسع من القضاة، ويصرون على إحباطه.

وأعرب عدد من قيادات جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة التي يقودها الدكتور محمد البرادعي عن اعتقادهم بأن حكمي الدستورية العليا نزعا المشروعية عن مجلس الشورى والدستور الذي صوتت الجبهة ضده في الاستفتاء الذي جرى مطلع العام الحالي. وقال الدكتور وحيد عبد المجيد المتحدث الرسمي باسم جبهة الإنقاذ إن بلاده تعيش حالة من «البطلان الدستوري مع إيقاف التنفيذ».

على صعيد متصل رحب فرقاء المشهد السياسي بحكم ثالث للمحكمة أصدرته أمس، حيث قضت أيضا ببطلان مادة في قانون الطوارئ كانت تخول للرئيس الترخيص بالقبض والاعتقال وتفتيش الأشخاص دون تنفيذ الأحكام الواردة في القانون.